المدرسة المغربية ودورها في بناء مواطن الغد

◆ محمد الدحاني

سأخصص هذه المقالة للإجابة عن سؤال: هل يمكن بناء مواطن جديد بالشروط والبنيات القديمة؟ وقبل تحديد خصائص هذه الشروط وطبيعة هذه البنيات نتساءل أولا: لماذا التفكير في بناء مواطن جديد؟ وماهي مواصفاته؟ وهل هذا يعني أن المواطن الحالي يعاني ويجب إصلاحه؟ وهل يمكن إصلاح المواطن الحالي دون إعادة النظر في السياسات العمومية والسياسات التربوية؟ هذه الأسئلة الحارقة تعكس الرغبة في إعادة صياغة مشروع مجتمعي جديد واضح المعالم والأهداف ومتوافق حوله بين كل مكونات وحساسيات المجتمع. وبما أن هذا النوع من الخطاب يدخل في خانة الوجوب وليس الوجود، فإننا سنؤجل الحديث فيه إلى خاتمة المقالة. وسنكتفي الآن بتشخيص الشروط والبنيات أو على الأقل بعض مظاهرها السلبية، لنبين في الأخير أنه يستحيل بناء مواطن جديد بالشروط والبنيات القديمة.

بناء‭ ‬المدارس‭ ‬أول‭ ‬شرط‭ ‬لبناء‭ ‬مواطن‭ ‬الغد‭ ‬

كما‭ ‬يعلم‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬يعاني‭ ‬خصاصا‭ ‬مهولا‭ ‬في‭ ‬حجرات‭ ‬الدرس،‭ ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬المسالك‭ ‬الدراسية،‭ ‬وأكبر‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬ظاهرة‭ ‬الاكتظاظ‭ ‬المدرسي،‭ ‬فجل‭ ‬الأقسام‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬العمومية‭ ‬يفوق‭ ‬عدد‭ ‬تلامذتها‭ ‬أربعون‭ ‬تلميذا‭ ‬وتلميذة،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬توصي‭ ‬فيه‭ ‬الهيئات‭ ‬الدولية‭ ‬المهتمة‭ ‬بقضايا‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬بألا‭ ‬يتجاوز‭ ‬عدد‭ ‬تلامذة‭ ‬القسم‭ ‬خمسة‭ ‬وعشرون‭ ‬تلميذا،‭ ‬حتى‭ ‬يمكن‭ ‬للعملية‭ ‬التعليمية‭ ‬التعلمية‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬أهدافها‭ ‬البيداغوجية‭ ‬والديداكتيكية‭. ‬هذا‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬العالم‭ ‬الحضري،‭ ‬أما‭ ‬العالم‭ ‬القروي،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالمغرب‭ ‬المنسي،‭ ‬فهو‭ ‬لازال‭ ‬منسيا‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬الساعة‭. ‬فالمدارس‭ ‬الابتدائية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬منها‭ ‬تشبه‭ ‬الكهوف،‭ ‬فأغلبها‭ ‬يفتقد‭ ‬للشروط‭ ‬الضرورية،‭ ‬أي‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬فيها‭ ‬لا‭ ‬كهرباء‭ ‬ولا‭ ‬ماء‭ ‬ولا‭ ‬مراحيض،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أبواب‭ ‬ونوافذ‭ ‬مكسورة،‭ ‬وسقوف‭ ‬مخرقة،‭ ‬وجدران‭ ‬مشقوقة،‭ ‬أما‭ ‬الطاولات‭ ‬فهي‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬متلفة‭ ‬بالكامل‭ ‬ونفس‭ ‬الشيء‭ ‬يقال‭ ‬على‭ ‬السبورة‭ ‬ومكتب‭ ‬المعلم،‭ ‬والحديث‭ ‬هنا‭ ‬خاص‭ ‬بالفرعيات‭ ‬التابعة‭ ‬للمركزية‭ ‬التي‭ ‬يوجد‭ ‬فيها‭ ‬مكتب‭ ‬المدير‭.‬

أؤكد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬لازالت‭ ‬منسية‭ ‬فعلا‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الدولة،‭ ‬لأن‭ ‬المسؤولين‭ ‬لا‭ ‬يقومون‭ ‬بزيارتها،‭ ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬المسؤولين‭ ‬الكبار،‭ ‬فهؤلاء‭ ‬مشغولون‭ ‬بزيارة‭ ‬ومواكبة‭ ‬دراسة‭ ‬أبنائهم‭ ‬في‭ ‬البعثات‭ ‬الأوروبية‭ ‬والأمريكية،‭ ‬والوقت‭ ‬المتبقي‭ ‬لديهم‭ ‬يخصصونه‭ ‬لإحياء‭ ‬حفلات‭ ‬عيد‭ ‬الميلاد‭ ‬داخل‭ ‬الفنادق‭ ‬الفاخرة‭. ‬فالحديث‭ ‬هنا‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬أولئك‭ ‬المسؤولين‭ ‬الذين‭ ‬يوجدون‭ ‬في‭ ‬ذيل‭ ‬ترتيب‭ ‬السلم‭ ‬البيروقراطي‭. ‬والذين‭ ‬يركزون‭ ‬في‭ ‬زيارتهم‭ ‬الميدانية‭ -‬إن‭ ‬وجدت‭- ‬على‭ ‬المركزيات‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬غالب‭ ‬الأحوال‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬الطريق‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬توجد‭ ‬بقرى‭ ‬تتوفر‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬شروط‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية،‭ ‬وبعض‭ ‬الأحيان‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬السادة‭ ‬الأساتذة‭ ‬الانتقال‭ ‬أو‭ ‬الالتحاق‭ ‬إلى‭ ‬المركزية،‭ ‬لذلك‭ ‬فتلك‭ ‬الزيارات‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬عملية‭ ‬المراقبة‭ ‬والتقييم‭ ‬لا‭ ‬تأدية‭ ‬مهامها،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬طريقة‭ ‬إلقاء‭ ‬الدرس،‭ ‬و‭ ‬كيفية‭ ‬تسيير‭ ‬القسم‭ ‬وتفاعل‭ ‬التلاميذ‭ ‬مع‭ ‬أستاذهم‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ورصد‭ ‬البنيات‭ ‬المهترئة‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬تهدد‭ ‬السلامة‭ ‬الجسدية‭ ‬للأستاذ‭ ‬و‭ ‬للتلاميذ‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭. ‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬القانون‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬المسؤول‭ ‬المراقب‭ ‬الزيارة‭ ‬الميدانية،‭ ‬فإن‭ ‬بعضهم‭ ‬يعفي‭ ‬نفسه‭ ‬منها‭ ‬لأسباب‭ ‬وحده‭ ‬يعرفها،‭ ‬لذلك‭ ‬وبصفته‭ ‬الرئيس‭ ‬الذي‭ ‬يأمر‭ ‬مرؤوسيه‭ ‬بالانتقال‭ ‬إليه،‭ ‬والمرؤوسين‭ ‬يقبلون‭ ‬بهذا‭ ‬الفعل‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬خارج‭ ‬القانون‭. ‬وهذا‭ ‬المراقب‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الوضعيات‭ ‬قد‭ ‬يعيق‭ ‬سير‭ ‬المؤسسة‭ ‬بل‭ ‬وقد‭ ‬يهدد‭ ‬الأساتذة‭ ‬في‭ ‬لقمة‭ ‬عيشهم،‭ ‬وخاصة‭ ‬الأساتذة‭ ‬المتعاقدين،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬مصدر‭ ‬عيشهم‭ ‬ومصيرهم‭ ‬المهني‭ ‬والعائلي‭ ‬مرهون‭ ‬بيد‭ ‬ومزاج‭ ‬رؤسائهم‭. ‬وللحفاظ‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الامتيازات‭/‬الحقوق‭ ‬أو‭ ‬لكي‭ ‬يعززوا‭ ‬حظوظها‭ ‬أكثر‭ ‬فهم‭ ‬يتواطئون‭ ‬بخرق‭ ‬القانون‭ ‬ويعوضونه‭ ‬بالمعاملة‭ ‬الاجتماعية‭.‬

والمر‭ ‬مع‭ ‬كامل‭ ‬الأسف‭ ‬لا‭ ‬يقف‭ ‬هنا،‭ ‬فهذه‭ ‬المدارس‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬العطل‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬مسكن‭ ‬للمنحرفين‭ ‬يعيثون‭ ‬فيها‭ ‬تكسيرا،‭ ‬ولترميم‭ ‬خسائر‭ ‬هؤلاء‭ ‬المنحرفين‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬ضحايا‭ ‬فشل‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية،‭ ‬يتطوع‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬السادة‭ ‬الأساتذة‭ ‬ومن‭ ‬مالهم‭ ‬الخاص‭ ‬بترميم‭ ‬وإصلاح‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬إصلاحه‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬داخل‭ ‬حجرة‭ ‬الدرس،‭ ‬وبعضهم‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬التلاميذ‭ ‬جمع‭ ‬قدر‭ ‬مالي،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬يتطوع‭ ‬أهل‭ ‬الدوار،‭ ‬لوضع‭ ‬سياج‭ ‬سلكي‭ ‬للمدرسة‭ ‬لمنع‭ ‬المواشي‭ ‬وبعض‭ ‬الحيوانات‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬الاقتراب‭ ‬لمحيط‭ ‬المدرسة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬البسيطة،‭ ‬وهذا‭ ‬المر‭ ‬يتكرر‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬وأحيانا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬السنة،‭ ‬لأنهم‭ ‬يعلمون‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬لهم‭ ‬شيئا،‭ ‬ونفس‭ ‬الشيء‭ ‬يستشعره‭ ‬السادة‭ ‬الأساتذة،‭ ‬لذلك‭ ‬هم‭ ‬يتضامنون‭ ‬جميعا‭ ‬وكل‭ ‬واحد‭ ‬حسب‭ ‬قدرته‭ ‬لتوفير‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬الشروط‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬بفعل‭ ‬التمدرس‭. ‬فكيف‭ ‬يمكن‭ ‬إذن‭ ‬بناء‭ ‬مواطن‭ ‬جديد‭ ‬بمدرسة‭ ‬تفتقد‭ ‬لأبسط‭ ‬الشروط؟‭ ‬وقد‭ ‬لخصناها‭ ‬في‭ ‬الإشارات‭ ‬السابقة،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نضيف‭ ‬إليها،‭ ‬مشكلة‭ ‬الأقسام‭ ‬المختلطة،‭ ‬ونقص‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية،‭ ‬فتكاد‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الابتدائيات‭ ‬والإعداديات‭ ‬بالعالم‭ ‬القروي‭ ‬تلاميذ‭ ‬لا‭ ‬يدرسون‭ ‬مادة‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬بسبب‭ ‬قلة‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية،‭ ‬لأن‭ ‬السادة‭ ‬المديرين‭ ‬يحاولون‭ ‬أن‭ ‬يوفروا‭ ‬ذلك‭ ‬للأقسام‭ ‬الإشهادية‭.‬

وهكذا‭ ‬يصبح‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬المدرسة‭ ‬العصرية،‭ ‬المجهزة‭ ‬بآليات‭ ‬لوجيستيكية‭ ‬وتكنولوجية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬القروي‭ ‬ضربا‭ ‬من‭ ‬ضروب‭ ‬الخيال‭ ‬والمستحيل،‭ ‬وجائحة‭ ‬كورونا‭ ‬زادت‭ ‬في‭ ‬تعرية‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬المرير،‭ ‬واكتشفنا‭ ‬أن‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬القروي‭ ‬يفتقد‭ ‬لشبكة‭ ‬الهاتف،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬صبيب‭ ‬الإنترنت،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬التعليم‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬يفتقد‭ ‬لشروطه‭ ‬الموضوعية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سيعفينا‭ ‬من‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الشروط‭ ‬الذاتية‭ ‬المرتبطة‭ ‬أشد‭ ‬الارتباط‭ ‬بعجز‭ ‬الأسر‭ ‬في‭ ‬تحمل‭ ‬مصاريف‭ ‬التعبئة‭.‬

بناء‭ ‬مواطن‭ ‬الغد‭ ‬رهين‭ ‬بمراجعة‭ ‬المناهج‭ ‬والبرامج‭ ‬الدراسية‭ ‬

كما‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬متتبع‭ ‬لقضايا‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬أن‭ ‬المناهج‭ ‬والبرامج‭ ‬الدراسية‭ ‬تعكس‭ ‬الفلسفة‭ ‬التربوية‭ ‬للسياسات‭ ‬العمومية،‭ ‬وخاصة‭ ‬مواصفات‭ ‬المواطن‭ ‬المنشود‭. ‬وهذه‭ ‬النقطة‭ ‬تحديدا‭ ‬تجعلنا‭ ‬نتساءل‭ ‬عن‭ ‬نقطتين‭ ‬أساسيتين‭: ‬الأولى،‭ ‬متعلقة‭ ‬بمضامين‭ ‬الكتب‭ ‬المدرسية،‭ ‬والثانية‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالتكوين‭ ‬المستمر‭ ‬للأساتذة‭.‬

يحدد‭ ‬الخطاب‭ ‬التربوي‭ ‬الرسمي،‭ ‬مواصفات‭ ‬مواطن‭ ‬الغد،‭ ‬في‭ ‬كونه‭ ‬يؤمن‭ ‬بقيم‭ ‬العقيدة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وقيم‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬بمختلف‭ ‬روافدها،‭ ‬وقيم‭ ‬المواطنة،‭ ‬وقيم‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬مواصفات‭ ‬المواطن‭ ‬الصالح‭ ‬بلغة‭ ‬الخطاب‭ ‬الرسمي،‭ ‬أو‭ ‬المواطن‭ ‬المزدوج‭ ‬بتعبير‭ ‬رحمة‭ ‬بورقية‭ ‬أو‭ ‬المواطن‭ ‬الجديد‭ ‬بتعبير‭ ‬ماريا‭ ‬مونتيسوري‭. ‬أي‭ ‬أن‭ ‬نظامنا‭ ‬التربوي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مطالب‭ ‬بتكوين‭ ‬مواطن‭ ‬صالح‭ ‬لمجتمعه‭ ‬ولوطنه‭ ‬فحسب‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬وإنما‭ ‬أصبح‭ ‬الآن‭ ‬مطالبا‭ ‬ببناء‭ ‬مواطن‭ ‬صالح‭ ‬للعالمية‭ ‬أيضا‭. ‬أو‭ ‬باختصار،‭ ‬فمواطن‭ ‬الغد‭ ‬هو‭ ‬مواطن‭ ‬مزدوج‭ ‬الانتماء،‭ ‬فهو‭ ‬ينتمي‭ ‬لوطنه‭ ‬ومعتز‭ ‬بخصوصيته‭ ‬الثقافية‭ ‬والحضارية‭ ‬،‭ ‬وفي‭ ‬الآن‭ ‬نفسه‭ ‬منتمي‭ ‬للكونية،‭ ‬أي‭ ‬مستبطن‭ ‬لقيم‭ ‬الكونية‭ ‬كمشترك‭ ‬إنساني‭. ‬هذا‭ ‬المزج‭ ‬والتوليف‭ ‬بين‭ ‬منظومتين‭ ‬قيميتين‭ ‬مختلفتين‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المرجعية‭ ‬يطرح‭ ‬إشكالات‭ ‬تقتضي‭ ‬مساءلتها‭ ‬سوسيولوجيا‭. ‬بمعنى‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للتلميذ‭ ‬أن‭ ‬يستدخل‭ ‬قيم‭ ‬هاتين‭ ‬المنظومتين‭ ‬المتباينتين‭ ‬في‭ ‬المرجعية؟‭ ‬وكيف‭ ‬سيعيد‭ ‬تصريفها‭ ‬في‭ ‬سلوكاته؟‭ ‬عموما،‭ ‬موضوع‭ ‬هذه‭ ‬المقالة‭ ‬غير‭ ‬مخصص‭ ‬للإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬نعاهد‭ ‬القارئ‭ ‬المقتدر‭ ‬بالعودة‭ ‬لمعالجاتها‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬

بالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬النقطتين‭ ‬المشار‭ ‬إليهما‭ ‬أعاله،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتساءل‭ ‬هل‭ ‬مضامين‭ ‬الكتب‭ ‬المدرسية‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬المواطنة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬لتحقيق‭ ‬الشطر‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬مواصفات‭ ‬مواطن‭ ‬الغد،‭ ‬أي‭ ‬الانتماء‭ ‬للعالمية،‭ ‬والإنسان‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينتمي‭ ‬للعالمية‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬تشبع‭ ‬بثقافة‭ ‬وقيم‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭. ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬مضامين‭ ‬الكتب‭ ‬المدرسية‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬المواطنة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬فيجب‭ ‬أن‭ ‬نعمق‭ ‬السؤال‭ ‬أكثر،‭ ‬ونتساءل‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬وطبيعة‭ ‬وجودها؟

وحسب‭ ‬نتائج‭ ‬بعض‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬اشتغلت‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬فإن‭ ‬مضامين‭ ‬الكتب‭ ‬المدرسية‭ ‬فعلا‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬المواطنة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬لكن‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬الدرس‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬ترسيخ‭ ‬هذه‭ ‬القيم،‭ ‬وإنما‭ ‬يكون‭ ‬شكلا‭ ‬آخر‭ ‬إما‭ ‬معرفي‭ ‬أو‭ ‬تقني،‭ ‬فمثلا،‭ ‬قد‭ ‬تجد‭ ‬نصا‭ ‬حول‭ ‬قيمة‭ ‬الحرية،‭ ‬لكن‭ ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬التلميذ،‭ ‬ليس‭ ‬معرفة‭ ‬الحرية‭ ‬كقيمة‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬مضمونها،‭ ‬واستشعار‭ ‬قيمتها‭ ‬وجدانا‭ ‬ومحاولة‭ ‬إعادة‭ ‬تصريفها‭ ‬سلوكا،‭ ‬وإنما‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬الدرس‭ ‬هو‭ ‬تقسيم‭ ‬النص‭ ‬إلى‭ ‬فقرات‭ ‬أو‭ ‬اقتراح‭ ‬عنوان‭ ‬جديد‭ ‬للنص‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬المرفقة‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬في‭ ‬الكتب‭ ‬المدرسية‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها‭ ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬المستويات‭ ‬والمسالك‭ ‬الدراسية‭. ‬

أما‭ ‬النقطة‭ ‬الثانية‭ ‬والمتعلقة‭ ‬بالتكوين‭ ‬المستمر‭ ‬للأساتذة،‭ ‬تصوروا‭ ‬معي،‭ ‬أن‭ ‬السادة‭ ‬الأساتذة،‭ ‬لم‭ ‬يدرسوا‭ ‬قيم‭ ‬المواطنة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬كوحدات‭ ‬خاصة،‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬التكوين،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬نطلب‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬يساهموا‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬واستنبات‭ ‬قيم‭ ‬المواطنة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬فكر‭ ‬ووجدان‭ ‬وسلوك‭ ‬التلاميذ‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬هذه‭ ‬القيم‭ ‬توجد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المضامين‭ ‬بكيفية‭ ‬مضمرة‭ ‬وليست‭ ‬صريحة؟‭ ‬إذن‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للأستاذ‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يدرس‭ ‬هذه‭ ‬القيم‭ ‬ولم‭ ‬يتلق‭ ‬أي‭ ‬تكوين‭ ‬مستمر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬أن‭ ‬يستطيع‭ ‬استخراج‭ ‬قيم‭ ‬المواطنة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬مضامين‭ ‬الكتب‭ ‬المدرسية؟‭ ‬بل‭ ‬وكيف‭ ‬سيعمل‭ ‬على‭ ‬نقلها‭ ‬من‭ ‬مضامين‭ ‬الكتب‭ ‬وترسيخها‭ ‬في‭ ‬فكر‭ ‬ووجدان‭ ‬وسلوك‭ ‬التلاميذ؟

لهذا‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬ألا‭ ‬نتفاجأ‭ ‬حين‭ ‬تخبرنا‭ ‬خلاصات‭ ‬بعض‭ ‬الدراسات‭ ‬السوسيولوجية‭ ‬بأن‭ ‬أغلب‭ ‬نساء‭ ‬ورجال‭ ‬التعليم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬شيئا‭ ‬عن‭ ‬منظومة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وقيم‭ ‬المواطنة،‭ ‬بل‭ ‬أغلبهم‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬أن‭ ‬سمع‭ ‬أو‭ ‬اطلع‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬الإعلان‭ ‬العالمي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬بل‭ ‬والسواد‭ ‬العظم‭ ‬منهم‭ ‬يجهل‭ ‬مضمونه‭ ‬العام،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬التربوي‭ ‬المغربي‭ ‬أدمج‭ ‬قيم‭ ‬المواطنة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬فلسفته‭ ‬التربوية‭ ‬منذ‭ ‬تسعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

هذه‭ ‬المعيقات‭ ‬وغيرها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أنتجت‭ ‬لنا،‭ ‬مواطنين‭ ‬يتغنون‭ ‬بقيم‭ ‬المواطنة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الخطاب،‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الممارسة‭ ‬والسلوك‭ ‬متشددين‭ ‬جدا،‭ ‬أو‭ ‬هم‭ “‬دواعش‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬الكمون‭”‬،‭ ‬وكدليل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الوصف،‭ ‬نسوق‭ ‬بعض‭ ‬الأمثلة‭: ‬هل‭ ‬يقبل‭ ‬المغاربة‭ ‬الإفطار‭ ‬العلني‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المسلمين؟‭ ‬هل‭ ‬يقبل‭ ‬المغربي‭ ‬أن‭ ‬يتزوج‭ ‬أو‭ ‬يزوج‭ ‬ابنه‭ ‬أو‭ ‬ابنته‭ ‬لشخص‭ ‬مسيحي‭ ‬أو‭ ‬يهودي‭ ‬أو‭ ‬ال‭ ‬ديني‭ ‬أو‭ ‬ملحد؟‭ ‬وهل‭ ‬يقبل‭ ‬المغربي‭ ‬أن‭ ‬يتزوج‭ ‬أو‭ ‬يزوج‭ ‬ابنه‭ ‬أو‭ ‬ابنته‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬شيعي‭ ‬المذهب؟‭ ‬هل‭ ‬يحترم‭ ‬المغاربة

حرية‭ ‬ملكية‭ ‬الجسد‭ ‬لبناتهم‭ ‬وأخواتهم؟‭ ‬طبعا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نجيب‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬إلا‭ ‬بالنفي‭. ‬وهذا‭ ‬يعكس‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬فشل‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬منذ‭ ‬التسعينات‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مواطن‭ ‬مزدوج‭ ‬الانتماء،‭ ‬أي‭ ‬يؤمن‭ ‬بقيم‭ ‬التسامح‭ ‬والاختلاف‭ ‬والعيش‭ ‬المشترك‭ ‬وحرية‭ ‬الضمير‭. ‬

هذا‭ ‬الفشل‭ ‬راجع‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬المهتمين‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مخططات‭ ‬السياسة‭ ‬التربوية‭ ‬لا‭ ‬تبنى‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬خلاصات‭ ‬وتوصيات‭ ‬الدراسات‭ ‬العلمية‭ ‬الميدانية‭ ‬،‭ ‬وإنما‭ ‬تبنى‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬مشاورات‭ ‬خبراء‭ ‬وتقنيين‭ ‬وعلى‭ ‬خلاصات‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬السطحية‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬الأحوال،‭ ‬وفي‭ ‬الغالب‭ ‬تبنى‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬هواجس‭ ‬إيديوـ‭ ‬سياسية‭ ‬وأمنية‭.‬

خاتمة

نشدد‭ ‬في‭ ‬الأخير‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬بناء‭ ‬مواطن‭ ‬الغد‭ ‬بالشروط‭ ‬والبنيات‭ ‬القديمة،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الشروط‭ ‬وهذه‭ ‬البنيات‭ ‬وغيرها‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬موضوع‭ ‬هذه‭ ‬المساهمة،‭ ‬هي‭ ‬الأسباب‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬تدهور‭ ‬وتدني‭ ‬المستوى‭ ‬التعليمي‭ ‬في‭ ‬بلدنا‭. ‬وهذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬مع‭ ‬كامل‭ ‬الأسف‭ ‬يشهد‭ ‬بها‭ ‬الكل،‭ ‬الحاكمون‭ ‬والمحكومون،‭ ‬والهيئات‭ ‬السياسية،‭ ‬والنقابية،‭ ‬والجمعوية،‭ ‬وكذلك‭ ‬الأطر‭ ‬المفكرة،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬أولياء‭ ‬و‭ ‬آباء‭ ‬التلاميذ‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تنظيمات‭ ‬الطلبة‭ ‬والأساتذة‭. ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬الأساتذة‭ ‬في‭ ‬الامتحانات‭ ‬الإشهادية‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬السادس‭ ‬الابتدائي‭ ‬والثالثة‭ ‬إعدادي‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬الإجابات‭ ‬للتلاميذ‭ ‬على‭ ‬السبورة‭ ‬أثناء‭ ‬الامتحان‭ ‬ليساهموا‭ ‬في‭ ‬الرفع‭ ‬من‭ ‬نسبة‭ ‬النجاح‭ ‬كميا‭ ‬لا‭ ‬نوعيا‭.‬

وهكذا‭ ‬وشيئا‭ ‬فشيئا‭ ‬ومع‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭ ‬يستبطن‭ ‬التلاميذ‭ ‬قيم‭ ‬الفساد،‭ ‬بل‭ ‬ويتمأسس‭ ‬عندهم‭ ‬سلوك‭ ‬الغش،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أنهم‭ ‬ينظرون‭ ‬إلى‭ ‬الغش‭ ‬كحق‭ ‬من‭ ‬حقوقهم،‭ ‬وهذا‭ ‬نراه‭ ‬كثير‭ ‬ا‭ ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬التلاميذ‭ ‬بعد‭ ‬امتحان‭ ‬الباكالوريا،‭ ‬فبعضهم‭ ‬يقول‭: “‬صراحة‭ ‬الأساتذة‭ ‬زوينين‭ ‬تعاملوا‭ ‬معنا‭ ‬مزيان،‭ ‬وبعضهم‭ ‬يقول‭ ‬العكس‭”‬،‭ ‬والمعاملة‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الكلام‭ ‬لا‭ ‬تفيد‭ ‬قديم‭ ‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬القانون،‭ ‬أي‭ ‬شرح‭ ‬بعض‭ ‬مضامين‭ ‬الأسئلة‭ ‬الغامضة‭ ‬أو‭ ‬الملتبسة‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬البعض،‭ ‬وإنما‭ ‬تعني‭ ‬بالتحديد‭ ‬خرق‭ ‬القانون‭ ‬ومساعدة‭ ‬الممتحن‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬النجاح‭ ‬إما‭ ‬بالسماح‭ ‬له‭ ‬بالغش‭ ‬أو‭ ‬بالإجابة‭ ‬له‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬أسئلة‭ ‬الامتحان‭ ‬أو‭ ‬بعضها‭. ‬وحصيلة‭ ‬هذه‭ “‬المعاملة‭ ‬كانت‭ ‬ولازالت‭ ‬هي‭ ‬إنتاج‭ ‬مواطنين‭ ‬يؤمنون‭ ‬بالخرافة،‭ ‬والاتكالية،‭ ‬لذلك‭ ‬أغلب‭ ‬التلاميذ‭ ‬يصبحون‭ ‬مواظبين‭ ‬على‭ ‬الصلاة‭ ‬عند‭ ‬قرب‭ ‬الامتحان،‭ ‬يظنون‭ ‬أن‭ ‬الصلاة‭ ‬وحدها‭ ‬ستساعدهم‭ ‬على‭ ‬النجاح،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أنه‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬للصلاة‭ ‬فائدة‭ ‬فإنها‭ ‬ستفيد‭ ‬صاحبها‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬و‭ ‬الآخرة‭ ‬شريطة‭ ‬التقيد‭ ‬بالعمل‭ ‬الصالح،‭ ‬فالامتحان‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مجهود‭ ‬ذهني‭ ‬وبدني‭ ‬يومي‭. ‬وبعضهم‭ ‬لا‭ ‬يكتفي‭ ‬بالصلاة‭ ‬والتضرع‭ ‬بالدعاء‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬ييسر‭ ‬له‭ ‬النجاح

في‭ ‬الامتحان،‭ ‬بل‭ ‬يذهب‭ ‬قبل‭ ‬الامتحان‭ ‬بيوم‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬المشعوذين‭ ‬لإعداد‭ “‬الحروزة‭” ‬والتمائم،‭ ‬لأنه‭ ‬يعتقد‭ ‬في‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬مساعدته‭ ‬في‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬ضبط‭ ‬لجنة‭ ‬المراقبة‭ ‬أثناء‭ ‬عملية‭ ‬الغش‭ ‬في‭ ‬الامتحان،‭ ‬بل‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬يظن‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التمائم‭ ‬لها‭ ‬القدرة‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬إيجابيا‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬المصحح‭.‬

ما‭ ‬نود‭ ‬قوله‭ ‬من‭ ‬الشارات‭ ‬السابقة،‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬الحالي‭ ‬الذي‭ ‬يتصف‭ ‬بالاتكالية،‭ ‬والزبونية‭ ‬،‭ ‬والمحسوبية‭ ‬والرشوة‭ ‬سواء‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بحقوقه‭ ‬أو‭ ‬بواجباته‭ ‬هو‭ ‬نتاج‭ ‬للشروط‭ ‬والبنيات‭ ‬القديمة،‭ ‬وإصلاحه‭ ‬يجب‭ ‬أولا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بإصلاح‭ ‬هذه‭ ‬الشروط‭ ‬والبنيات،‭ ‬أو‭ ‬بعبارة‭ ‬واحدة‭ “‬مواطن‭ ‬الغد‭ ‬يجب‭ ‬بناءه‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬بنيات‭ ‬وشروط‭ ‬جديدة‭.”‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى