حوار مع الرفيق عبد السلام العزيز
الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي مكون فيدرالية اليسار الديمقراطي
الطريق: سررنا باستضافتك على صفحات مجلة الطريق، كيف تنظرون كفيدرالية اليسار الديمقراطي لترسانة القوانين الانتخابية، التي ستؤطر العملية الانتخابية القادمة ؟
الرفيق عبد السلام العزيز: رغم بعض التعديلات الإيجابية التي عرفتها القوانين الانتخابية خصوصا فيما يتعلق بتعزيز التمثيلية النسائية في المؤسسات المنتخبة والانتقال من لائحة وطنية إلى لوائح جهوية للنساء فإن هذه القوانين لم تعرف تغييرات جوهرية تمس شروط إجراء انتخابات ديمقراطية تترجم الإرادة الشعبية وتؤسس لبناء مؤسسات ديمقراطية، و تضمن شروط التنافس الشريف والشفاف. وقد اقترحنا في فيدرالية اليسار الديمقراطي مجموعة من الإجراءات و التعديلات في مذكرتنا حول الانتخابات تهم جوانب متعددة مرتبطة بالهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات واعتماد البطاقة الوطنية للتسجيل التلقائي باللوائح الانتخابية التي يجب أن تتم مراجعتها واعتماد نمط اقتراع مدمج وعادل ومحاربة الفساد الانتخابي وكذلك على مستوى التمويل والولوج للإعلام العمومي لضمان حد أدنى من المساواة وتكافؤ الفرص بين كل الأحزاب المتنافسة. للأسف لم يتم الأخذ بأهم اقتراحاتنا، وتحول النقاش حول القوانين الانتخابية من الجوهر الديمقراطي إلى حسابات سياسوية حول القاسم الانتخابي الشيء الذي يؤكد إفلاس الحقل السياسي الرسمي.
الطريق: هل هناك تحقق جزئي لمطالب فيدرالية اليسار الديمقراطي التي طرحتها في مذكرتها حول القوانين الانتخابية ؟
الرفيق عبد السلام العزيز: للأسف، لم تستجب وزارة الداخلية لجل المطالب والاقتراحات التي تقدمنا بها في المذكرة التي تقدمنا بها كفيدرالية لوزارة الداخلية بحجة أن الأحزاب الأخرى ترفض تلك الاقتراحات ونحن نعرف أن تلك الأحزاب المعنية مخزنيه أكثر من المخزن نفسه، بل أن خلقها تم لتقوم بالضبط بإفساد الحياة السياسية وإفراغ الانتخابات من أي محتوى ديمقراطي. ورغم ذلك لا بديل عن خوض المعركة الانتخابية كواجهة للنضال الديمقراطي، خاصة وأننا نمر بسياق تراجعي خطير على جميع المستويات مما يفرض على القوى التقدمية انتهاز أية فرصة مهما كانت ضئيلة لفضح لوبيات الفساد والتصدي للتراجعات الحقوقية والضغط لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والصحفيين والاستجابة للمطالب المشروعة لكل الفئات الشعبية الكادحة.
الطريق: هناك قراءات صحفية للبعض على أن الصيغة الجديدة للقاسم الانتخابي، يمكن أن تكون في صالح الفيدرالية، خصوصا أن الحصيص الإجمالي لعدد أصوات الفيدرالية مقارنة مع عدد الفائزين فيه نوع من الإجحاف في النمط السابق، ما رأيكم في ذلك ؟
الرفيق عبد السلام العزيز: القاسم الانتخابي الجديد هدفه وضع سقف انتخابي للأحزاب السياسية لا يمكن تجاوزه واستمرار الهيمنة على الحقل السياسي، نحن في فيدرالية اليسار الديمقراطي كان موقفنا واضحا في هذا النقاش واعتبرناه إجراءا غير ديمقراطي يغيب التنافس السياسي بين الأحزاب ولا يحقق العدالة الانتخابية ويمكن اعتباره تراجعا في المسار الديمقراطي ببلادنا، هذا مع العلم أن القوانين السابقة لم تكن عادلة أيضا وكنا دائما نطالب بتغييرها، أما على مستوى الاستفادة فلا أعتقد أن فيدرالية اليسار ستكون أول مستفيد من هذا التعديل.
الطريق: ما هي انتظاراتكم وتصور الفيدرالية حول مشروع النموذج التنموي الجديد ؟
الرفيق عبد السلام العزيز: قدمنا كفيدرالية اليسار الديمقراطي تصورنا للنموذج التنموي الجديد والذي ارتكز أساسا على ضرورة القراءة النقدية للاختيارات السياسية التي أطرت المرحلة السابقة وما يقتضيه الأمر من إحداث للقطائع اللازمة مع الاستبداد و الفساد وارتباط السلطة بالمال. كما أكدنا على أن النموذج التنموي الجديد يجب أن يتأسس على بناء ديمقراطي حقيقي مضمونه الملكية البرلمانية و دستور ديمقراطي يضمن فصل السلط واحترام الحقوق والحريات ومؤسسات ديمقراطية تجسد السيادة الشعبية. كما أن الضرورة التاريخية و الموضوعية تفرض إعادة النظر في الاختيارات الاقتصادية والتأسيس للعدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق الطبقية والمجالية من خلال دور أكبر للدولة كفاعل اقتصادي وكمستثمر في الخدمات العمومية وإصلاح شامل لمنظومة التربية والتكوين والقطع مع السياسات النيوليبرالية التي تعمقت مع هذه الحكومة والتي سبقتها. عناصر نعتبرها أساسية لبناء مغرب آخر يستحضر الإنسان أولا في كل السياسات العمومية. إن التحولات التي يعرفها الاقتصاد العالمي اليوم في ظل الجائحة تتجه بقوة نحو تأكيد دور الدولة الاقتصادي وإحداث قطيعة مع النهج النيوليبرالي وتجاوز ما يعرف بتوافقات واشنطن التي وضعت أسس هذا النهج، مما يؤكد تصورات فيدرالية اليسار لتجاوز فشل النموذج التنموي الذي سارت عليه بلادنا.
الطريق: تم إطلاق الخطوات الأولى لمشروع تعميم التغطية الصحية، ما قراءتكم لهذا المشروع، وما هي سبل وإكراهات إنجاحه، خصوصا من ناحية التنفيذ ؟
الرفيق عبد السلام العزيز: مشروع تعميم الحماية الاجتماعية ورش مهم وأساسي خاصة بعد ما عاشته بلادنا من تداعيات لجائحة كورونا والانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية والتي أكدت واقع اتساع دائرة الفقر والهشاشة والفوارق الاجتماعية، وأكدت كذلك ضعف منظومة الحماية الاجتماعية الحالية التي لا تغطي سوى ثلث المغاربة. لكن هذا التعميم الذي سينطلق بالتغطية الصحية كمرحلة أولى يقتضي التفكير في شروط نجاحه سواء على مستوى التمويل الذي يجب أن يكون مستداما أو على مستوى الحكامة الجيدة والقطع مع كل أشكال هدر المال العام و الفساد، أيضا لابد من تحضير البنيات الصحية العمومية لاستيعاب 22 مليون مستفيد من التغطية الصحية وأؤكد هنا على مركزية دور المؤسسات الصحية العمومية وهو ما ظهر بجلاء خلال أزمة كوفيد 19.
الطريق: كيف تنظرون للردة الحقوقية التي تسلكها الدولة في التعاطي مع المطالب والاحتجاجات النقابية والفئوية والمجالية؟
الرفيق عبد السلام العزيز: بالفعل تشهد بلادنا ردة حقوقية كبيرة و تضييقا ممنهجا على الحريات ازدادت حدتها خلال فترة إعلان حالة الطوارئ الصحية التي تم استغلالها لتكريس المزيد من السلطوية ومنع الاحتجاجات السلمية و كل أشكال التعبير عن الاحتقان الاجتماعي كواقع لا يمكن إطفاؤه عبر المقاربة القمعية. كما أنه تم تجميد كل أشكال الحوار الاجتماعي مع النقابات العمالية خاصة في ظل الأزمة الصحية التي فاقمت تدهور الأوضاع الاجتماعية الصعبة وزادت من نسبة البطالة بعد فقدان الآلاف من العمال لمناصب شغلهم. لذا طالبنا في فيدرالية اليسار الديمقراطي بضرورة خلق حالة من الانفراج السياسي قبل الانتخابات لإعادة جزء من الثقة وجعل محطة الانتخابات لحظة تدافع بين المشاريع السياسية لتقديم الأجوبة عن واقعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
الطريق: ما هو تقييمكم لتقدم عملية الوحدة واندماج مكونات فيدرالية اليسار الديمقراطي، خصوصا بعد النفس الإيجابي للهيئة التقريرية الأخيرة ؟
الرفيق عبد السلام العزيز: نحن في حزب المؤتمر الوطني الاتحادي نعتبر أن فيدرالية اليسار الديمقراطي هي لبنة أساسية في أفق إعادة بناء حركة اليسار الديمقراطي في بلادنا وهو ما أكدت عليه بقوة ووضوح مخرجات المؤتمر الوطني التاسع للحزب انطلاقا من قراءة موضوعية لشروط المرحلة التاريخية بكل تقاطعاتها الدولية والإقليمية والوطنية. فبلادنا في حاجة ماسة ليسار قوي فاعل ومؤثر في ميزان القوى و معبر عن انتظارات ومطالب فئات واسعة من الشعب المغربي ضحية الاختيارات السياسية النيوليبرالية التي سادت في العقود الأخيرة. هذا اليسار الذي نريده لا يمكن أن يكون مشتتا غارقا في الصراعات الثانوية بل متملكا لمشروع سياسي قادر على تعبئة جماهير شعبنا للنضال من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. نحن نعتقد أننا في فيدرالية اليسار أهدرنا الكثير من الوقت وأن تجربتنا نضجت بما فيه الكفاية لتشكل نقطة انطلاق لإعادة البناء وذلك انطلاقا مما راكمناه من تجربة سنوات من العمل المشترك نضاليا وانتخابيا سواء كتحالف أو كفيدرالية فيما بعد، كما أننا حققنا تراكما نوعيا في بناء أرضية المشروع السياسي سواء على المستوى المرجعي أو على مستوى الأشكال التنظيمية. أكيد أن خلاصات الهيئة التقريرية للفيدرالية تشكل خطوة مهمة نحو الاندماج بالانفتاح على كل القوى والفعاليات اليسارية والديمقراطية التي نتقاسم معها أسس هذا المشروع السياسي، وسنستمر بثقة وإصرار في اتجاه تحقيق هذا الهدف النبيل رغم المقاومات والتردد لأن في وحدتنا مصلحة شعبنا وعائلتنا السياسية اليسارية.
الطريق: كلمة أخيرة لقراء مجلة الطريق.
الرفيق عبد السلام العزيز: نعتبر بعد تجربة جريدة المسار، عودة الطريق إلى الحقل الإعلامي، إغناء للصحافة الجادة وصوتا يساريا متميزا، نتمنى له الاستمرارية والتوفيق.