التنسيقيات التعليمية: أي أفق نضالي… ؟
منذ صعود بنكيران إلى رئاسة الحكومة راكبا أمواج عشرين فبراير، في صفقة مع النظام المغربي قصد الالتواء على مطالب الحركة، حاول بكل الوسائل إخماد النضالات النقابية والتراجع عن تنفيذ اتفاق 6 أبريل، مشهرا سلاح الاقتطاع عن أيام الإضراب، بمبرر الأجر مقابل العمل، وهو ما أدى إلى تراجع إضرابات الحركة العمالية.
أمام هذا الوضع وجدت مجموعة من الفئات التعليمية نفسها وجها لوجه مع السياسات الهادفة إلى الإجهاز على مكتسباتها، فبعد إقصاء فوج 2011 والأفواج التي تلته من الترقية بالشهادة، خرجت تنسيقيتان تعليميتان للنضال من أجل الحق في الترقي وتغيير الإطار، وهما التنسيقية الوطنية للأساتذة المجازين المقصيين من الترقية بالشهادة، وتنسيقية موظفي وزارة التربية الوطنية حاملي شهادة الماستر، واللتان ستتوجان حركيتهما الاحتجاجية بإضراب واعتصام مفتوح بالرباط، كلل مؤقتا بتحقيق مطلبيهما في الترقي وتغيير الإطار، غير أن هذا المكسب تم إجهاضه من جديد ابتداء من 27 دجنبر 2015.
لقد أربك انتصار التنسيقيتين حسابات المسؤولين الهادفة إلى تقويض نضالات نساء ورجال التعليم -الذين طالما كانوا عبر عقود من الزمن في مقدمة حاملي مشعل النضال الجماهيري، وأعطى أملا لمجموعة من الفئات الأخرى، وعلى رأسها: ضحايا النظامين، أساتذة الزنزانة 9، الأساتذة المكلفون خارج إطارهم الأصلي، ملحقو الاقتصاد والإدارة والملحقون التربويون، المقصيون من الترقية بالشهادة…
وهكذا تصاعدت وثيرة النضالات من داخل التنسيقيات في السنوات الأخيرة، ففي 2016 سطرت التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين معركة استمرت طوال الموسم التكويني، رافعة مطلب إسقاط مرسومي التكوين عن التدريس وخفض منحة التكوين، وقد قدمت خلالها تضحيات جساما، حيث تعرضوا لقمع شرس كما تم ترسيب عشرات منهم بطريقة انتقامية.
في ظل هذه الأجواء تفتقت «عبقرية « المسؤولين فطرحت بديلا أكثر التباسا ، وهو التوظيف بالعقدة، وذلك بتزامن مع محاولة تمرير مشروع القانون الإطار 51.17، الهادف إلى الإجهاز على مجانية التعليم، في محاولة لرفع يدها بشكل نهائي عن المدرسة العمومية، رضوخا لإملاءات المؤسسات المالية المانحة (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي)، ليشكل الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد كتلة كبيرة من الشغيلة التعليمية، وليتحدوا في تنسيقية خاصة بهم واضعين في مقدمة مطالبهم الإدماج الفوري في الوظيفة العمومية، حيث ستعرف نضالاتهم زخما قويا بعد محاولة إرغام الذين استوفوا سنتين على توقيع ملحق العقد، وهو ما يعتبر إجهازا على أقدمية السنتين، وضربا لحقوقهم في الاستفادة من حقوق موظفي وزارة التربية الوطنية. هذا الزخم الذي سيتوج بمسيرة 20 فبراير 2019، والتي تعرضت لتدخل قمعي في نهايتها.
بالرغم من مشروعية المبادرات الاحتجاجية والمطلبية للتنسيقيات من حيث المبدأ، فإن هناك أكثر من سؤال يطرح بشأن أفقها النضالي، حيث إن حركيتها التي وإن كانت تقود في بعض محطاتها إلى تحقيق مجموعة من المطالب، فإنها سرعان ما تخمد، بمجرد التعبير عن نية الاستجابة تلك المطالب أو الاستجابة الفعلية لبعض منها، وهو ما لا يساهم في خلق تراكم نضالي، جوهره الدفاع عن المدرسة العمومية، خصوصا وأن هناك من يرى أن الإطارت النقابية والسياسية المناضلة انتقلت من الفعل النضالي الكفاحي إلى مجرد التفاعل مع هذه النضالات ودعمها، وهو ما يستوجب إعادة الروح إلى هذا الفعل النقابي، من خلال وحدة نقابية مبنية على ملف مطلبي واضح، يهدف إلى تحقيق جميع مطالب الشغيلة التعليمية، بحيث تجد فيه كل الفئات ذاتها، وذلك عبر تسطير برنامج نضالي تصعيدي، بعيدا عن مهزلة الحوار الاجتماعي الذي أبانت فصوله على استغلال الدولة له لربح المزيد من الوقت. ولعل الإضراب الوحدوي الذي أعلنت عنه خمس نقابات تعليمية لمدة أربعة أيام من 4 إلى 7 مارس أولى الخطوات في هذا الاتجاه.