الشعب الجزائري يمهد للجمهورية الثانية

انتخاب‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬بوتفليقة‭ ‬لرئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬الجزائرية،‭ ‬ليس‭ ‬ككل‭ ‬الإنتخابات‭ ‬السابقة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انفرط‭ ‬عقد‭ ‬النخبة‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتوافق‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬قبل‭ ‬إنتخابه‭ ‬من‭ ‬الشعب،إنها‭ ‬فترة‭ ‬لانتقال‭ ‬طرف‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭ ‬القوية‭ ‬المتصارعة‭ ‬إلى‭ ‬الهيمنة‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وهو‭ ‬صراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬شكله‭ ‬فقط،‭ ‬لكنه‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬مضمونه‭ ‬صراع‭ ‬محموم‭ ‬على‭ ‬الثروة‭ ‬والريع‭. ‬سيناريو‭ ‬تقديم‭ ‬بوتفليقة‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬منذ‭ ‬الضربات‭ ‬التي‭ ‬وجهتها‭ ‬الرئاسة‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬القيادات‭ ‬العسكرية‭ ‬والإستخباراتية‭ ‬في‭ ‬2015‭ ‬اصطدم‭ ‬بانتفاضة‭ ‬الشعب‭ ‬الذي‭ ‬نزل‭ ‬بقوة‭ ‬الى‭ ‬الشارع‭ ‬رافعا‭ ‬شعارات‭ ‬سياسية‭ ‬ترمي‭ ‬الى‭ ‬التغيير‭ ‬مهدداً‭ ‬بالتصعيد‭ ‬الى‭ ‬الإضراب‭ ‬العام‭ ‬إذا‭ ‬صعّد‭ ‬النظام‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬نزول‭ ‬فاجأ‭ ‬وأربك‭ ‬المطبخ‭ ‬الذي‭ ‬أعد‭ ‬السيناريو‭.‬

حدود‭ ‬الصبر‭ ‬والتحمل

قيل‭ ‬مرارا‭ ‬ان‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري‭ ‬تحمل‭ ‬كثيراً‭ ‬وصبر‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬حُكمٍ‭ ‬عتيق‭ ‬ومنخور،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة،‭ ‬فاجأ‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الدولي‭ ‬والعربي‭ ‬بهبَّته‭ ‬السلمية‭ ‬المنظمة،‭ ‬إنها‭ ‬انتفاضة‭ ‬بكل‭ ‬معنى‭ ‬الكلمة‭ ‬شاركت‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬الفئات‭ ‬والأعمار،‭ ‬ومن‭ ‬كل‭ ‬مجالات‭ ‬النشاط‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬والثقافي‭ ‬والإعلامي‭ ‬والقانوني‭ … ‬ولعل‭ ‬ما‭ ‬برهن‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري‭ ‬عانى‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الإحساس‭ ‬بالتحقير،‭ ‬هو‭ ‬خروج‭ ‬الصحافيين‭ ‬والصحافيات‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬العمومية‭ ‬والخاصة‭ ‬مطالبة‭ ‬النظام‭ ‬بإنهاء‭ ‬الكبت‭ ‬وقول‭ ‬الحقيقة‭ ‬للشعب‭ ‬كما‭ ‬هي،‭ ‬وكانت‭ ‬قد‭ ‬صدرت‭ ‬تعليمات‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬العادة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬السلطات،‭ ‬بالتعتيم‭ ‬وتجاهل‭ ‬المظاهرات‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تتم‭ ‬مهاجمتها‭ ‬وتخوينها‭ ‬بادعاء‭ ‬أنها‭ ‬تخدم‭ ‬أجندة‭ ‬أجنبية‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬ستجلب‭ ‬الفوضى‭ ‬والفتنة‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬سوريا‭ ‬وليبيا‭..‬

في‭ ‬بضعة‭ ‬أيام‭ ‬قليلة،‭ ‬من‭ ‬22‭ ‬فبراير‭ ‬إلى‭ ‬3‭ ‬مارس‭ ‬انقلب‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬الجزائري‭ ‬من‭ ‬التشتت‭ ‬والتشرذم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأوساط‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية،‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬الموالاة،‭ ‬أو‭ ‬داخل‭ ‬المعارضة،‭ ‬إلى‭ ‬تشكل‭ ‬قوتين‭ ‬كبيرتين‭ ‬متصارعتين‭: ‬قوة‭ ‬الرئاسة،‭ ‬والجيش‭ ‬بقيادة‭ ‬نائب‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬ورئيس‭ ‬الإستخبارات،‭ ‬وجبهة‭ ‬التحرير‭ ‬الرسمية‭ ‬بقيادتها‭ ‬التي‭ ‬ترضى‭ ‬عنها‭ ‬الرئاسة،‭ ‬والتجمع‭ ‬الوطني‭ ‬الديمقراطي‭ ‬بقيادة‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬أحمد‭ ‬أويحيى،‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬،‭ ‬والقوة‭ ‬المقابلة‭: ‬كل‭ ‬أحزاب‭ ‬المعارضة‭ ‬ممن‭ ‬ينوي‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الإنتخابات‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬قاطعتها،‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬العسكريين‭ ‬المتقاعدين‭ ‬أو‭ ‬المغضوب‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬مقدمتهم‭ ‬علي‭ ‬غديري‭ ‬الذي‭ ‬ترشح‭ ‬لهذه‭ ‬الإنتخابات‭ ‬وكان‭ ‬قد‭ ‬قدم‭ ‬استقالته‭ ‬على‭ ‬اثر‭ ‬إقالة‭ ‬الجنرال‭ ‬توفيق،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬مورست‭ ‬عليه‭ ‬ضغوط‭ ‬كثيرة‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يخفي‭ ‬قربه‭ ‬منه،‭ ‬كما‭ ‬شارك‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القطاعات‭ ‬النقابية‭ ‬والطلابية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬الثانية‭. ‬وهذه‭ ‬القوة‭ ‬معززة‭ ‬بهذه‭ ‬الإنتفاضة‭ ‬التي‭ ‬وصفت‭ ‬بأنها‭ ‬الثانية‭ ‬تاريخيا‭ ‬في‭ ‬ضخامتها‭ ‬التي‭ ‬أخرجت‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬منذ‭ ‬مثيلاتها‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬الاستقلال‭ ‬وفي‭ ‬الفرح‭ ‬به،‭ ‬بينما‭ ‬الموالاة‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬تائهة‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬حتى‭ ‬جمع‭  ‬مناصريها‭ ‬لأن‭ ‬الإنتفاضة‭ ‬أحدثت‭ ‬فيهم‭ ‬شرخا‭ ‬كبيراً‭ ‬وخاصة‭ ‬وسط‭ ‬أعضاء‭ ‬جبهة‭ ‬التحرير‭ ‬وقادتها‭ ‬في‭ ‬الرتبة‭ ‬المتوسطة‭ ‬والصغرى‭ .‬

انفراط‭ ‬العقد‭ ‬والصراع‭ ‬على‭ ‬الثروة

ثلاث‭ ‬قوى‭ ‬تحكم‭ ‬الجزائر،‭ ‬الجيش‭ ‬والاستخبارات،‭ ‬والرئاسة،‭ ‬والحزب‭ ‬الوحيد‭ ‬جبهة‭ ‬التحرير‭ ‬طوال‭ ‬الستينات‭ ‬والسبعينات‭ ‬والثمانينات‭ ‬حتى‭ ‬شكل‭ ‬الجنرال‭ ‬لامين‭ ‬زروال‭ ‬حزب‭ ‬التجمع‭ ‬الوطني‭ ‬الديمقراطي‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬التسعينات‭ ‬منفصلا‭ ‬عن‭ ‬جبهة‭ ‬التحرير،‭ ‬وسحب‭ ‬منها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬الموازية‭ ‬و‭ ‬يأتي‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬الرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬أو‭ ‬الثالثة‭ ‬في‭ ‬الإنتخابات‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬احتل‭ ‬فيها‭ ‬الرتبة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬تشريعية‭ ‬1997‭.‬

هذا‭ ‬الثالوث‭ ‬الكبير‭ ‬متداخل‭ ‬جدا‭ ‬فعلى‭ ‬مستوى‭ ‬الرئاسة،‭ ‬مثلا،‭ ‬كل‭ ‬العصب‭ ‬المسير‭ ‬والنافذ‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬الجيش‭ ‬والإستخبارات‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬تجلبها‭ ‬الرئاسة‭ ‬ويكون‭ ‬الجيش‭ ‬راضيا‭ ‬عنها،‭ ‬وحاليا‭ ‬فإن‭ ‬الرجل‭ ‬القوي،‭ ‬وصلة‭ ‬الوصل‭ ‬بين‭ ‬الرئاسة‭ ‬والجيش‭ ‬هو‭ ‬عثمان‭ ‬طقطاق‭ (‬البشير‭) ‬الذي‭ ‬خلف‭ ‬الجنرال‭ ‬توفيق‭ ‬وكان‭ ‬اليد‭ ‬اليمنى‭ ‬لهذا‭ ‬الأخير‭.‬

ما‭ ‬حصل‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬إنهيار‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬عالميا‭ ‬بنسبة‭ ‬55‭ ‬بالمئة‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تدهور‭ ‬مداخيل‭ ‬الجزائر‭ ‬ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬تصديره‭ ‬يشكل‭ ‬97‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬العملة‭ ‬الصعبة،‭ ‬الشئ‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬هبوطا‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬استيراد‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬والصناعية‭ ‬والفلاحية،‭ ‬ويعني‭ ‬التقشف‭ ‬وفرض‭ ‬الضرائب،‭ ‬ويعني‭ ‬أيضا‭ ‬مد‭ ‬اليد‭ ‬إلى‭ ‬منابع‭ ‬الريع‭ ‬الكثيرة‭ ‬للإنقاص‭ ‬منها‭ ‬قليلاً،‭ ‬وهذا‭ ‬المعطى‭ ‬زلزل‭ ‬الثالوث‭ ‬الكبير‭ ‬وخلق‭ ‬توثرات‭ ‬بين‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬النخبة‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية،‭ ‬لأن‭ ‬مد‭ ‬اليد‭ ‬والضغط‭ ‬على‭ ‬الإنفاق‭ ‬لم‭ ‬يمس‭ ‬إلا‭ ‬أسماء‭ ‬دون‭ ‬غيرها،‭ ‬من‭ ‬المقربين‭ ‬للرئاسة‭ ‬ولطاقم‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع،‭ ‬وأول‭ ‬علامة‭ ‬على‭ ‬التقشف‭ ‬ظهرت‭ ‬مع‭ ‬قرار‭ ‬تخفيض‭ ‬المساعدات‭ ‬الموجهة‭ ‬لدول‭ ‬إفريقية‭ ‬في‭ ‬2014‭ ‬بنسبة‭ ‬50‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬ثم‭ ‬توجه‭ ‬إلى‭ ‬ضرب‭ ‬أفراد‭ ‬كانوا‭ ‬سائبين‭ ‬ولكن‭ ‬بدون‭ ‬حماية‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الآمال‭ ‬المعقودة‭ ‬على‭ ‬الثروة‭ ‬الباطنية‭ ‬مثل‭ ‬الحديد‭ ‬والذهب‭ ‬وما‭ ‬ستدره‭ ‬من‭ ‬ريع‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬التصدع‭ ‬والمواجهات‭ ‬لأن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬جزء‭ ‬منه‭ ‬يتطلب‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬وفرض‭ ‬الذات‭. ‬فعندما‭ ‬بدأ‭ ‬التفكير‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬استغلال‭ ‬واسع‭ ‬للثروات‭ ‬الأُخرى‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬وأول‭ ‬ثروة‭ ‬تم‭ ‬الاستعداد‭ ‬لها‭ ‬هي‭ ‬الحديد‭ ‬في‭ ‬غار‭ ‬جبيلات‭ ‬ومنجم‭ ‬مشري‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬القريب‭ ‬من‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬تندوف،‭ ‬تطايرت‭ ‬رؤوس‭ ‬عديدة‭ ‬وظهرت‭ ‬أخرى‭ ‬والجميع‭ ‬يزايد‭ ‬بأن‭ ‬أصبح‭ ‬شوفينيا‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يقال‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬سيتخلى‭ ‬عن‭ ‬الثروة‭ ‬أو‭ ‬منفذ‭ ‬تصديرها‭ . ‬ومن‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المنجم‭ ‬اكتشفه‭ ‬الجيش‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬1952‭ ‬وبسبب‭ ‬ضخامة‭ ‬الإحتياطي‭ ‬فيه‭ ‬تم‭ ‬تزوير‭ ‬خريطة‭ ‬الصحراء‭ ‬الشرقية‭ ‬بحيث‭ ‬تم‭ ‬ضمها‭ ‬للأراضي‭ ‬الجزائرية‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬فرنسا‭ ‬تعتبر‭ ‬الجزائر‭ ‬قطعة‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬المغرب‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬تحت‭ ‬الحماية‭ ‬فقط‭. ‬و‭ ‬قد‭ ‬اندلعت‭ ‬حرب‭ ‬الرمال‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬في‭ ‬1963‭ ‬اقترب‭ ‬فيها‭ ‬الجيش‭ ‬المغربي‭ ‬من‭ ‬تندوف‭ ‬ب‭ ‬15‭ ‬كلم‭ ‬وتم‭ ‬الإنسحاب‭ ‬بعد‭ ‬عدة‭ ‬وساطات‭ ‬افريقية‭ ‬ودولية‭ ‬وكان‭ ‬الشهيد‭ ‬المهدي‭ ‬بنبركة‭ ‬قد‭ ‬اقترح‭ ‬الإستغلال‭ ‬المشترك‭ ‬لثروات‭ ‬المنطقة‭ ‬وأن‭ ‬تعتبر‭ ‬لبنة‭ ‬للدفع‭ ‬نحو‭ ‬مغرب‭ ‬الشعوب‭ ‬وبناء‭ ‬المغرب‭ ‬الكبير‭. ‬

وقعت‭ ‬الجزائر‭ ‬بواسطة‭ ‬الشركة‭ ‬الوطنية‭ ‬الجزائرية‭ ‬‮«‬فيرال‮»‬‭ ‬مع‭ ‬شركة‭ ‬صينية‭ ‬‮«‬سينوستيل‮»‬‭ ‬للتجهيز‭ ‬والهندسةعلى‭ ‬قاعدة‭ ‬51‭/‬49‭ ‬بروتوكول‭ ‬دراسة‭ ‬الجدوى،‭ ‬وحسب‭ ‬المسؤولين‭ ‬الجزائريين‭ ‬فإن‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬سيبدأ‭ ‬في‭ ‬2021‭.‬كما‭ ‬أن‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الصين‭ ‬سارعت‭ ‬في‭ ‬السنين‭ ‬الأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬الإستثمار‭ ‬في‭ ‬مصانع‭ ‬الحديد‭ ‬والصلب‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬الجزائر‭ ‬مثل‭ ‬تركيا‭ ‬وقطر‭ ‬والإمارات‭.‬

نحو‭ ‬الجمهورية‭ ‬الثانية

لكل‭ ‬هذا،‭ ‬فإن‭ ‬القوة‭ ‬القابضة‭ ‬على‭ ‬زمام‭ ‬السلطة،‭ ‬لم‭ ‬تقدم‭ ‬بوتفليقة‭ ‬للإنتخابات‭ ‬إلا‭ ‬لأنها‭ ‬أوصلت‭ ‬النخبة‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتوافق‭ ‬عند‭ ‬أي‭ ‬خطر،‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬له‭ ‬مثيل‭ ‬في‭ ‬التمزق،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ممكنا‭ ‬معه‭ ‬رتقه،‭ ‬وبوتفليقة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لها‭ ‬مرحلة‭ ‬مؤقتة،‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬من‭ ‬الرصيد‭ ‬السياسي‭ ‬والمعنوي‭ ‬شيئا‭ ‬يمكنها‭ ‬من‭ ‬الظهور‭ ‬أمام‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الجزائري‭ ‬ولأن‭ ‬الصراعات‭ ‬محتدمة‭ ‬حاليا‭ ‬بين‭ ‬شخصيات‭ ‬الموالاة‭ ‬ولم‭ ‬يستطيعوا‭ ‬الإتفاق‭ ‬الا‭ ‬على‭ ‬بوتفليقة‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يلخص‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬قصيرة‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬يتمنى‭ ‬ان‭ ‬يفرض‭ ‬ذاته‭ ‬خلالها،‭ ‬وعين‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬أساسا‭ ‬على‭ ‬الثروة‭ ‬وما‭ ‬تجلبه‭ ‬من‭ ‬ريع،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬متفقة‭ ‬كلها‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الثروة‭ ‬والريع‭ ‬مرتبطة‭ ‬بمخططات‭ ‬العداء‭ ‬للمغرب‭ ‬وكلها‭ ‬مع‭ ‬خلق‭ ‬ملحقة‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬الجنوبية‭ ‬الغربية‭ ‬للمغرب‭ ‬ولو‭ ‬أن‭ ‬الدراسة‭ ‬الصينية‭ ‬عالجت‭ ‬أيضا‭ ‬إمكانية‭ ‬التصدير‭ ‬عبر‭ ‬موريطانيا‭ ‬لكنها‭ ‬شددت‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬مكلف‭ ‬جداً‭.‬

تابع‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الصراعات،‭ ‬وما‭ ‬تخفيه،‭ ‬ويعرف‭ ‬الكثير‭ ‬عنها،‭ ‬لذا‭ ‬عندما‭ ‬نزل‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬اعتقد‭ ‬الكثير‭ ‬أنه‭ ‬نزل‭ ‬ضد‭ ‬بوتفليقة،‭ ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬ينس‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬الرجل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استقرار‭ ‬الجزائر‭ ‬ودوره‭ ‬في‭ ‬المصالحة،‭ ‬ولم‭ ‬ينزل‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬تقييم‭ ‬الشخص‭ ‬اوتقييم‭ ‬أداءه‭  ‬بل‭ ‬لأنه‭ ‬أصبح‭ ‬دمية‭ ‬منذ‭ ‬الولاية‭ ‬الرابعة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يخاطب‭ ‬فيها‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري‭ ‬ولو‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬،‭ ‬ونزل‭ ‬لأنه‭ ‬يعرف‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬الولاية‭ ‬الخامسة‭ ‬هي‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬ستتجاوز‭ ‬فيها‭ ‬الموالاة‭ ‬السياسة‭ ‬الحالية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الريع‭ ‬إلى‭ ‬سياسة‭ ‬هجومية‭ ‬تبتلع‭ ‬الثروات‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬مجموعة‭ ‬تختفي‭ ‬وراء‭ ‬بوتفليقة‭ ‬،‭ ‬لذا‭ ‬من‭ ‬البداية‭ ‬كانت‭ ‬الإنتفاضة‭ ‬سياسية‭ ‬في‭ ‬عمقها‭ ‬ودلالاتها،‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تقويض‭ ‬نظام‭ ‬وبناء‭ ‬نظام‭ ‬آخر‭ ‬ديموقراطي‭ ‬وبالتالي‭ ‬إلى‭ ‬جمهورية‭ ‬ثانية‭.‬

السيناريوهات‭ ‬المحتملة

يشوب‭ ‬الوضع‭ ‬السياسي‭ ‬الحالي،‭ ‬بكافة‭ ‬شروطه،‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المخاطر‭ ‬والتحديات،‭ ‬لكون‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬متنافرة،‭ ‬والجيش‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مصدر‭ ‬كل‭ ‬حركة،‭ ‬يعيش‭ ‬تشتتا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬القيادة،‭ ‬والعنصر‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يخلق‭ ‬الأمل‭ ‬عند‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري‭ ‬هو‭ ‬تخلي‭ ‬أوساط‭ ‬واسعة‭ ‬منه‭ ‬عن‭ ‬اللامبالاة‭ ‬والحياد،‭ ‬وهذه‭ ‬الأوساط‭ ‬التي‭ ‬قررت‭ ‬اخيرا‭ ‬الإنتفاض‭ ‬هي‭ ‬الضمانة‭ ‬الوحيدة‭ ‬الا‭ ‬تلتف‭ ‬آلقوة‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬الأحداث‭ ‬المتسارعة،‭ ‬وتدفع‭ ‬نحو‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬جوهر‭ ‬الوضع‭ ‬القائم‭. ‬ومن‭ ‬قراءة‭ ‬تطورالأحداث‭ ‬يظهر‭ ‬ان‭ ‬المسار‭ ‬يتجه‭ ‬نحو‭ ‬توقع‭ ‬أحد‭ ‬السيناريوهات‭ ‬الثلاثة‭ ‬التالية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تأكد‭ ‬تقديم‭ ‬أوراق‭ ‬ترشيح‭ ‬بوتفليقة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬مدير‭ ‬حملته‭ ‬الجديد‭: ‬

1-‭ ‬الإحتواء‭ ‬وإعادة‭ ‬انتاج‭ ‬نفس‭ ‬العلاقات‭ ‬السياسية‭ ‬القانونية‭ ‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬أواخر‭ ‬الثمانينات‭ ‬والتسعينات‭ ‬فرصة‭ ‬لتطور‭ ‬النظام‭ ‬وبناء‭ ‬الجمهورية‭ ‬الثانية،‭ ‬حيث‭ ‬رسًمت‭ ‬التعددية‭ ‬وتطورت‭ ‬حقوق‭ ‬التعبير‭ ‬والرأي،‭ ‬لكن‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬مناورة‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬الإحتواء‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬اعادة‭ ‬توزيع‭ ‬الريع‭ ‬على‭ ‬‮«‬المشاغبين‮»‬‭ ‬السياسيين‭ ‬والعسكريين‭ ‬،‭ ‬الآن‭ ‬ستسعى‭ ‬القوة‭ ‬الأولى‭ ‬الى‭ ‬نفس‭ ‬الطريقة‭ ‬ويمكن‭ ‬ان‭ ‬تتخذ‭ ‬عدة‭ ‬خطوات‭ ‬مثل‭ ‬تأجيل‭ ‬الإنتخابات،‭ ‬وتنظيم‭ ‬حوار‭ ‬وطني‭ ‬لتوسيع‭ ‬قاعدة‭ ‬النظام‭ ‬بعد‭ ‬تقلصها‭ ‬،أو‭ ‬إخراج‭ ‬مناورة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المجلس‭ ‬الدستوري‭ ‬الذي‭ ‬عين‭ ‬رئيسه‭ ‬في‭ ‬10‭ ‬فبراير‭ ‬الماضي‭ ‬وكان‭ ‬وزيرا‭ ‬للداخلية‭ ‬ثم‭ ‬مستشارا‭ ‬لرئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قبل‭ ‬تعيينه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المنصب،‭ ‬ومن‭ ‬أولويات‭ ‬المجلس‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬أوراق‭ ‬الترشح‭ ‬هل‭ ‬تتطابق‭ ‬مع‭ ‬مقتضيات‭ ‬الدستور،‭  ‬أو‭ ‬تقديم‭ ‬الإستقالة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الرئيس‭ ‬وتطبيق‭ ‬المادة‭ ‬102‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬الذي‭ ‬يعطي‭ ‬لرئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الأمة‭ ‬صلاحية‭ ‬شغل‭ ‬الرئاسة‭ ‬لمدة‭ ‬90‭ ‬يوما‭ ‬وهي‭ ‬كافية‭ ‬للإلتفاف‭ ‬على‭ ‬الشارع‭.‬

2-‭ ‬الصدام‭ ‬مع‭ ‬الشارع‭ ‬بمخطط‭ ‬دموي،‭ ‬وخلق‭ ‬شروط‭ ‬التوجه‭ ‬نحو‭ ‬إعلان‭ ‬حالة‭ ‬الطوارئ،‭ ‬وقد‭ ‬ظهرت‭ ‬بعض‭ ‬مؤشراتها‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ ‬عن‭ ‬تسجيلات‭ ‬لمدير‭ ‬الحملة‭ ‬الانتخابية‭ ‬لبوتفليقة‭ ‬السابق‭ ‬حض‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬استعمال‭ ‬القوة‭ ‬ضد‭ ‬الشارع،‭ ‬لقد‭ ‬تم‭ ‬عزله‭ ‬ولكن‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬العزل‭ ‬فقط‭ ‬لان‭ ‬التسجيلات‭ ‬أصبحت‭ ‬علانية‭ ‬وأضرت‭ ‬كثيرا‭ ‬بالنظام‭ ‬ولم‭ ‬تترك‭ ‬له‭ ‬مجالا‭ ‬للمناورة‭.‬

‭ ‬3-‭ ‬تطور‭ ‬الإنتفاضة‭ ‬الى‭ ‬الإضراب‭ ‬العام‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬فرز‭ ‬قيادة‭ ‬ميدانية‭ ‬نحو‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية‭ ‬أيضا،‭ ‬لان‭ ‬الوضع‭ ‬الحالي‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬فيه‭ ‬القيادة‭ ‬موزعة‭ ‬ومشتتة‭ ‬بين‭ ‬القيادات‭ ‬السياسية‭ ‬وغير‭ ‬منسجمة‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬تسارع‭ ‬لأن‭ ‬تنسجم‭ ‬مع‭ ‬الشارع‭ ‬حيث‭ ‬انضاف‭ ‬للأحزاب‭ ‬الثلاث‭ ‬المقاطعة‭ ‬من‭ ‬البداية‭ ‬حزبان‭ ‬آخران‭ ‬وشخصية‭ ‬مستقلة،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬تحتاج‭ ‬الإنتفاضة‭ ‬إلى‭ ‬قيادة‭ ‬سياسية‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى