نضالات المرأة المغربية ورهان المشاركة السياسية
إعداد : سعيد غيدَّى
من نائبتين برلمانيتين فقط في مجلس النواب ولاية 1993 وولاية 1998، إلى تغيير على مستوى القوانين الانتخابية، حيث تم تخصيص 30 مقعدا للمرأة في اللائحة الوطنية. هكذا وجدت المرأة المغربية نفسها، داخل المشهد السياسي المغربي، الذي يعتبر المرأة في أحسن الأحوال رقما داخل منظومة سياسية، يحكمها المنطق الذكوري الإقصائي.
وتواجه الحركة النسائية المغربية تحديات من أجل انتزاع حقها في المشاركة سياسيا، واعتلاء مراكز القرار، حتى داخل التنظيمات السياسية التي تنتمي إليها، وصولا إلى إدارتها لبعض القطاعات الرسمية، والتأثير في القوانين.
وقد ارتبط تاريخ نشوء الحركة النسائية المغربية، بقضية النضال الوطني ضد الاستعمار، حيت انخرطت النساء بشكل واسع وشاركت في النضال السياسي والعسكري والفدائي، مما أدى بالقوى السياسية آنذاك إلى الاهتمام بالعمل على تنظيم النساء. بدءاً بإنشاء تنظيمات نسائية من طرف الأحزاب لكن هذه التجارب، لم تستمر نتيجة غياب رؤية واضحة للقضية النسائية، ونتيجة كذلك لرهن النضال النسائي بالنضال الوطني.
وستعود المسألة النسائية لتطرح نفسها بعد مرحلة الاستعمار، وأسست الدولة سنة 1969 انطلاقا من وعيها بأهمية الدور الذي تلعبه المرأة في إعادة تكريس الإيديولوجية السائدة ونظرا لدورها في الانتخابات، الاتحاد النسوي وجمعيات حماية الأسرة والنوادي النسوية، وتنظيمات تابعة لوزارة الشبيبة والرياضة.
وفي أواخر السبعينيات؛ ظهرت تجربة الأندية النسائية لمحاربة الأمية ولجان المرأة داخل الجمعيات الثقافية والنقابية وقد لعبت دورا مهما في تقديم خدمات اجتماعية للنساء، كما عرّفت بالقضية النسائية، إلا أنه ظل عملا محدودا لم يستطع أن يصل إلى الفئات الواسعة من النساء بالإضافة كذلك إلى كونه بقي حبيس التوعية، لم يرقَ إلى مستوى خوض نضالات مطلبية.
تقول سعاد الإدريسي، الكاتبة الوطنية للقطاع النسائي لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي: «شكل القهر المزدوج تُجاه المرأة الأساس الموضوعي، لقيام جمعيات نسائية بالمغرب في فترة الثمانينات، وأول الملفات الساخنة التي طرحت على مكونات الحركة النسائية والسياسية والجمعوية هي مدونة الأحوال الشخصية، حيت تظافرت جهود كل المكونات في صياغة مجموعة من المطالب الخاصة بمدونة الأحوال الشخصية”.
وقد عرفت هذه الفترة، حسب سعاد الإدريسي “مدّا نضاليا نسائيا تنسيقيا، حيت تأسس مجلس التنسيق لتغيير مدونة الأحوال الشخصية وحملة المليون التوقيع. وقد تعرضت الحركة النسائية لهجوم عنيف من قبل القوى المحافظة، كلما طرحت قضية المرأة ومساواتها وتحررها من الإيديولوجية السائدة”.
«الكوطا» أم المناصفة؟
ترى السيدة نجيبة قسومي عضو المجلس الوطني لحزب المؤتمر الاتحادي أن المشاركة السياسية للنساء اليوم تحتاج إلى المزيد من الجرأة. معترفة بصريح القول: “نفتقد لقيادات نسائية تتحمل المسؤولية الفعلية داخل الأجهزة التنفيذية للأحزاب والنقابات، ليقتصر تواجد المرأة في الجهاز على تأثيث للمشهد فقط، بسبب التسلط الذكوري واحتكار المشهد السياسي بدعوى أنه ميدان ذكوري”.
ذلك ما ترفضه الحركة النسوية المتمسكة بمبدأ المساواة الفعلية في كل شيء. فدور المرأة في المجتمع هو رئيسي وليس تكميلي، يكمن في اتخاد قرارات مشتركة وتسيير مشترك للحياة العامة بدلا من العيش بمنطق الوصاية على المرأة. وشددت قسومي أنه “يجب على المشرع المغربي أن يخطو خطوة جديدة في هذا المشروع لتحقيق المناصفة، عبر الكفاءة داخل المؤسسات بدلا من الكوطا التي أصبحت بمثابة ريع سياسي عند بعض الأحزاب والنقابات غير المسؤولة”.
معركة المشاركة السياسية
ترتبط مشاركة المرأة في الحياة السياسية بواقع المرأة في المجتمع، كما ترتبط بما يتمتع به المجتمع من حرية وديمقراطية، أي مساحة الحقوق الفعلية وبالعدالة الاجتماعية، كما أن المشاركة السياسية ليست معزولة عن الظروف الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية.
وجميع المؤشرات تؤكد على المنحى التراجعي للوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المغرب، الذي انعكس على أوضاع النساء بحكم هشاشة وضعيتهن.
وأكدت سعاد الإدريسي أن المرأة المغربية «محكومة بمنظومة من القيم والأفكار والممارسات التي تسعى إلى تكريس دونيتها واضطهادها وتهميشها، رغم حضور المرأة المغربية في جميع المجالات والدور الذي لعبته منذ الحركة الوطنية إلى الآن، وما راكمته من نضالات على جميع المستويات، إلا أن هذا الدور لم ينعكس على مستوى حضورها في مراكز القيادة داخل الأحزاب ولا النقابات ولا حتى على مستوى مؤسسات الدولة». وتابعت الإدريسي أنه رغم الارتفاع النسبي للتواجد النسائي في مراكز القرار مقارنة بالسنوات الماضية، ورغم الحراك الكمي لحضور المرأة في المشهد السياسي، إلا أن النتائج لم تعكس حضورها الكمي (النساء في المغرب يمثلن أكتر 56 في المائة من مجموع السكان)، فلا تزال النساء تشكل كتلة انتخابية كمية «تخدم السلطة الذكورية»، وفق تعبير الإدريسي.
وهناك عوائق كثيرة سياسية وثقافية واجتماعية، فلا تزال الأمية منتشرة وسط النساء بشكل كبير، وتتعرض النساء للعنف بمختلف مستوياته الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، بما يحول دون تمتيعها بكافة الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية. ولذلك فإنّه حتى لو تم وضع ترسانة من القوانين التي تطالب بالمساواة، فهذا لا يعني تحقيق المساواة الفعلية في الواقع، لأنه يجب خلق وتهيئة المناخ والشروط لتطبيق القوانين، وتربية الرأي العام حولها وإيقاظ وعي المرأة ذاتها لكي تدرك دورها في وطنها وأهميتها في صنع المستقبل.
معركة المناصفة
من داخل قنوات التشريع
من المنتظر من تركيبة البرلمان الذي أفرزته الانتخابات التشريعية لسنة 2016، وبنسبة تمثيلية نسائية لم تتعدّ 21% من مجموع ممثلي الأمة، مراجعة جزء كبير من القوانين في اتجاه السعي إلى تحقيق مبدأ المناصفة.
والبرلمانيات الحاليات اللواتي حظين بثقة أحزابهن، تسلّمن المشعل من مناضلات سابقات خبرن دواليب العمل داخل المؤسسة التشريعية ولجانها الدائمة، وهنّ اليوم مطالبات بمواصلة العمل على قوانين تلامس السياسات العمومية والقضايا ذات الطابع الاجتماعي والأسري والنسائي بصفة خاصة وتحقيق المزيد من المكتسبات في هذا الشأن.
هذا ما أكدته الدكتورة فوزية البيض البرلمانية السابقة والخبيرة في قضايا حقوق الإنسان، «كلنا يعرف أن مفتاح التغيير يبدأ أولا وقبل كل شيء بالتشريع وإعادة مراجعة القوانين وصياغتها، وفق المستجدات والاتفاقيات الدولية الملزمة وتحيينها لتتلاءم مع منطوق الدستور»
وطلبت المتحدثة من البرلمانيات، تشكيل لوبي ضاغط كأرضية لخلق تكتل لصناعة التغيير، في انتظار إعمال المبدأ الدستوري المؤسس للمناصفة في الحقوق، كما في الواجبات.
وقالت الدكتورة البيض: «طموحنا المشترك جميعا، كسياسيات بنَفَس حقوقي، هو تحقيق المساواة، ومدخلها الرئيس هو التنسيق وتجميع المبادرات الجمعوية النسوية، وتوحيد الخطاب وتحرير الإرادة السياسية».
وأكدت الدكتورة فوزية أنّ النضال التشريعي يجب أن يطبع بطابع الاستمرارية خلال كل الولاية (البرلمانية)، مع اليقظة وحشد الأصوات في الجلسات التشريعية. ويمتد ذلك، حسب المتحدثة إلى الدفاع عن العدالة الاجتماعية من داخل كل المؤسسات المنتخبة المحلية، الجهوية والوطنية ومن داخل هياكل الأحزاب، وانطلاقا من مواقع مناصب المسؤولية وصنع القرار ومراكز القيادة في المؤسسات المدنية والعسكرية، من أجل العمل على رفع مؤشر الديمقراطية بالمغرب وترسيخ مقومات دولة تحمي حقوق كل الفئات انطلاقا من القوانين.
فرض المشاركة
أصبح قياس حجم المشاركة السياسية من خلال مؤشر الحضور في الانتخابات بجميع أنواعها، أو التمثيلية في المجالس المنتخبة، في حكم الماضي نسبيا، إذ أن المشاركة السياسية أصبحت لها تمظهرات متعددة، ويمكن قياس نسبة المشاركة من خلال الحضور في مختلف التعبيرات التي تسعى إلى فرض قيم جديدة للتغيير أو تصحيح وضع معين.
وهذا ما تؤكده الفاعلة السياسية والجمعوية صابرين بطاشي، التي تشير إلى تطوّر حضور المرأة في الحركات الاحتجاجية، حيث تدلّ مجموعة من التعبيرات الاحتجاجية التي ظهرت بعد 20 فبراير 2011 على هذا المنحى الجديد، فقد ظهرت حركة تسمى «العيالات جايات»، كما كانت هناك مجموعة من الوقفات المقتصرة على العنصر النسائي من المناضلات سواء المنتميات إلى الأحزاب السياسية المنخرطة في الحِراكات التي عرفها المغرب منذ 2011 أو المستقلات، أو المنتميات إلى تعبيرات نسائية مدنية.
وفي جرد سريع لأبرز تمظهرات خروج المرأة المغربية للنضال بشكل تلقائي، قالت صابرين: «خرجت مجموعة من المسيرات الاحتجاجية تحت ما سمي بـ”ربيع الكرامة”، وهو ائتلاف لمجموعة من الفعاليات النسائية التي كانت تناضل من أجل إقرار قوانين أو تعديل بعض القوانين المجحفة في حق النساء»
وتشير دراسة للأستاذ عزيز خمليش بعنوان «الانتفاضات الحضرية بالمغرب»، أنّ الحركات الاحتجاجية في المغرب كانت ذات طابع رجالي، إلا أنه من الملاحظ منذ بداية سنوات التسعينات، وبشكل أكثر بروزا مع ظهور حركة 20 فبراير، أصبحت الحركات الاحتجاجية بالمغرب تعرف حضورا نسائيا كبيرا، يمكن القول معها إن المناصفة المطلوبة على مستوى الهيئات التمثيلية، حضرت في التعبيرات الاحتجاجية.