احذروا رحيل البحر

◆ امبارك المتوكل

كثر‭ ‬الهرج‭ ‬والافتخار‭ ‬بالنصر‭ ‬المبين‭ ‬الذي‭ ‬حققته‭ ‬الديبلوماسية‭ ‬المغربية‭ ‬بتجديد‭ ‬اتفاقية‭ ‬الصيد‭ ‬البحري‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬ومصادقة‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي‭ ‬عليها‭ ‬بأغلبية‭ ‬ساحقة‭. ‬لقد‭ ‬قدم‭ ‬لنا‭ ‬النصر‭ ‬كصفعة‭ ‬تلقاها‭ ‬أعداء‭ ‬وحدتنا‭ ‬الترابية‭ ‬–‭ ‬وهذا‭ ‬صحيح‭ – ‬بالإضافة‭ ‬لتوفير‭ ‬أزيد‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬مليار‭ ‬من‭ ‬الدراهم‭ ‬لخزينة‭ ‬الدولة‭. ‬أكيد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الملايير‭ ‬ستصرف‭ ‬بالطرق‭ ‬المعهودة،‭ ‬إذ‭ ‬سيتم‭ ‬توزيعها‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المصالح‭ ‬والجهات،‭ ‬ومن‭ ‬يدري‭ ‬فقد‭ ‬يتحول‭ ‬جزء‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬هبات‭ ‬وإتاوات‭. ‬وأكيد‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬الذين‭ ‬حرموا‭ ‬من‭ ‬مورد‭ ‬للعيش‭ ‬لن‭ ‬ينالوا‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الصفقة‭ ‬المباركة‭: ‬فالمواطن‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬سعر‭ ‬السمك‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الموانئ‭ ‬المغربية‭ ‬من‭ ‬الداخلة‭ ‬إلى‭ ‬الحسيمة،‭ ‬أغلى‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬لشبونة‭ ‬وبرشلونة‭ ‬ومدريد‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الموطن‭ ‬الأصلي‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬أصناف‭ ‬السمك‭ ‬هو‭ ‬المياه‭ ‬المغربية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الذين‭ ‬يعتمدون‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬أصبحوا‭ ‬بالكاد‭ ‬يوفرون‭ ‬قوت‭ ‬اليوم‭ ‬إذا‭ ‬سمحت‭ ‬بذلك‭ ‬أحوال‭ ‬الطقس،‭ ‬فلم‭ ‬يبق‭ ‬البحر‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يزخر‭ ‬بالحياة‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬أصنافا‭ ‬من‭ ‬إحيائه‭ ‬على‭ ‬عتبة‭ ‬الانقراض‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الذين‭ ‬اعتادوا‭ ‬العيش‭ ‬على‭ ‬خيراته‭ ‬هم‭ ‬أيضا‭ ‬يعانون‭ ‬الأمرين‭. ‬أما‭ ‬عدد‭ ‬الذين‭ ‬تركوا‭ ‬قراهم‭ ‬وانتقلوا‭ ‬إلى‭ ‬الحواضر‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬معامل‭ ‬تصبير‭ ‬السمك‭ ‬وتجفيفه‭ ‬وتلفيفه‭ ‬والاتجار‭ ‬فيه‭ ‬فقد‭ ‬وجدوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬يعززون‭ ‬صفوف‭ ‬العاطلين‭ ‬أو‭ ‬يضطرون‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬طرق‭ ‬للعيش‭ ‬تهين‭ ‬كرامة‭ ‬المواطن‭ ‬والوطن‭. ‬إن‭ ‬مردود‭ ‬بيع‭ ‬ثروات‭ ‬الوطن‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬بالمنفعة‭ ‬على‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬تقلص‭ ‬مدخولهم‭ ‬أو‭ ‬انعدم‭ ‬بفعل‭ ‬قرارات‭ ‬تحل‭ ‬مشاكل‭ ‬الأجهزة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الطبقات‭ ‬المقهورة‭ ‬والمسحوقة،‭ ‬ثم‭ ‬يفاخرون‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بما‭ ‬أنجزوه‭ ‬من‭ ‬نصر‭ ‬ديبلوماسي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬بقي‭ ‬فيه‭ ‬البحار‭ ‬المغربي‭ ‬‮«‬‭ ‬يغربل‭ ‬‮«‬‭ ‬الماء‭ ‬لعله‭ ‬يظفر‭ ‬بما‭ ‬يسد‭ ‬به‭ ‬رمق‭ ‬عياله‭. ‬إن‭ ‬ثروات‭ ‬المغرب‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ملكا‭ ‬لكل‭ ‬المغاربة‭ ‬يتصرفون‭ ‬فيها‭ ‬بحكمة‭ ‬توفر‭ ‬لقمة‭ ‬العيش‭ ‬اليوم‭ ‬وتضمن‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬الكريم‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة‭. ‬أما‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬استغلال‭ ‬كل‭ ‬ثروات‭ ‬الوطن‭ ‬برا‭ ‬وبحرا‭ ‬وتزويد‭ ‬أرصدة‭ ‬باناما‭ ‬بمدخولها‭ ‬دون‭ ‬توفير‭ ‬الخدمات‭ ‬الضرورية‭ ‬والأساسية‭ ‬من‭ ‬صحة‭ ‬وتعليم‭ ‬وشغل‭ ‬وسكن‭ ‬وتحسين‭ ‬الموجود‭ ‬منها‭ ‬لتلبي‭ ‬حاجيات‭ ‬المعوزين‭ ‬والفقراء‭ ‬ليستطيع‭ ‬المواطن،‭ ‬كل‭ ‬مواطن،‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬ويعي‭ ‬عصره‭ ‬وأن‭ ‬يستفيد‭ ‬مما‭ ‬تنتجه‭ ‬أرضه‭ ‬برا‭ ‬وبحرا‭ ‬من‭ ‬خيرات،‭ ‬وأن‭ ‬يساير‭ ‬حركة‭ ‬التطور‭ ‬الفكري‭ ‬والعلمي‭ ‬حتى‭ ‬يتحرر‭ ‬من‭ ‬سيطرة‭ ‬الأوهام‭ ‬والشعوذة‭ ‬وما‭ ‬يرافقهما‭ ‬وينتج‭ ‬عنهما‭ ‬من‭ ‬تخلف‭ ‬وجهل‭ ‬وكوارث‭ ‬اجتماعية‭ ‬وأخلاقية‭.‬

    ‬إن‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬مثلي‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬شاطئية‭ ‬يعيش‭ ‬معظم‭ ‬أهلها‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يدره‭ ‬البحر‭ ‬من‭ ‬خيرات‭ ‬يدرك‭ ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬أن‭ ‬يتحمل‭ ‬البحار‭ ‬كل‭ ‬المخاطر‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬مراكب‭ ‬متهالكة‭ ‬لا‭ ‬تتوفر‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬شروط‭ ‬السلامة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬غياب‭ ‬أو‭ ‬ضعف‭ ‬وسائل‭ ‬الإنقاذ،‭ ‬ليجد‭ ‬دخله‭ ‬لا‭ ‬يلبي‭ ‬أبسط‭ ‬حاجياته‭ ‬اليومية‭ ‬فبالأحرى‭ ‬أن‭ ‬يضمن‭ ‬له‭ ‬ولأهله‭ ‬إمكانية‭ ‬السكن‭ ‬اللائق‭ ‬والغداء‭ ‬النافع‭ ‬والتعليم‭ ‬الجيد‭ ‬والعلاج‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ ‬المرتبطة‭ ‬بسوء‭ ‬التغذية‭ ‬والسكن‭ ‬الغير‭ ‬اللائق‭ ‬وتلوث‭ ‬المحيط‭ ‬والبيئة‭. ‬إن‭ ‬ما‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬سواحلنا‭ ‬من‭ ‬نهب‭ ‬ممنهج‭ ‬لرمال‭ ‬الشواطئ‭ ‬قد‭ ‬حول‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬مدننا‭ ‬الساحلية‭ ‬إلى‭ ‬مدن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬شواطئ‭. ‬و‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يخفيه‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬أشد‭ ‬وأمر،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬عالم‭ ‬الصيد‭ ‬في‭ ‬أعالي‭ ‬البحار‭ ‬يعرف‭ ‬أنواعا‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الظلم‭ ‬والاستغلال،‭ ‬فرخص‭ ‬الصيد‭ ‬لا‭ ‬تمنح‭ ‬إلا‭ ‬للمقربين‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬والقرابة‭ ‬مع‭ ‬ذوي‭ ‬النفوذ،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يقتضي‭ ‬تدخل‭ ‬المسؤولين‭ ‬ويفرض‭ ‬على‭ ‬المواطنين،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬مناضلو‭ ‬اليسار‭ ‬وشباب‭ ‬فيدرالية‭ ‬اليسار‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬مواصلة‭ ‬النضال‭ ‬حتى‭ ‬نحمي‭ ‬وطننا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يرحل‭ ‬بحره‭ ‬كما‭ ‬رحلت‭ ‬أسماكه‭ ‬وكما‭ ‬هجرت‭ ‬منه‭ ‬رماله‭ ‬فيضطر‭ ‬من‭ ‬بقي‭ ‬من‭ ‬شبابه‭ ‬إلى‭ ‬الرحيل‭ ‬عبر‭ ‬قوارب‭ ‬الموت‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى