الدولة والثروة الوطنية

افتتاحية العدد 311

منذ‭ ‬طرح‭ ‬سؤال‭ ‬‮«‬أين‭ ‬الثروة‮»‬‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬رسمي،‭ ‬تناسلت‭ ‬وتعددت‭ ‬المقالات‭ ‬الصحفية،‭ ‬والتعليقات‭ ‬الساخرة‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وكأن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بلغز‭ ‬يتبارى‭ ‬المتنافسون‭ ‬في‭ ‬حله‭! ‬بينما‭ ‬الحقيقة‭ ‬واضحة‭ ‬ومعروفة‭ ‬لدى‭ ‬الجميع‭ ‬ومنذ‭ ‬سنوات‭. ‬فسياسة‭ ‬المغربة‭ ‬في‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬ومصير‭ ‬الأراضي‭ ‬المسترجعة‭ ‬من‭ ‬المستعمرين،‭ ‬والخوصصة‭ ‬القسرية‭ ‬للشركات‭ ‬العمومية‭ ‬ومنح‭ ‬الرخص‭ ‬والامتيازات‭ ‬والمأذونيات‭ ‬في‭ ‬المناجم‭ ‬والمقالع‭ ‬والصيد‭ ‬البحري،‭ ‬والنقل‭ ‬والتعليم‭ ‬الخاص‭ ‬والمصحات‭ ‬الخاصة‭ ‬والعقار‭ ‬والمحروقات،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬غيَر‭ ‬بشكل‭ ‬حاسم‭ ‬التركيبة‭ ‬الطبقية‭ ‬للمجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬وأدى‭ ‬إلى‭ ‬الاختلالات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬نعيش‭ ‬تداعياتها‭ ‬الخطيرة‭ ‬اليوم‭! ‬

إن‭ ‬الجميع‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬المغرب،‭ ‬وإن‭ ‬حرم‭ ‬من‭ ‬صحرائه‭ ‬الشرقية‭ ‬الغنية‭ ‬بالحديد‭ ‬والبترول‭ ‬والغاز‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي،‭ ‬قد‭ ‬ظل‭ ‬يتوفر‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬احتياط‭ ‬عالمي‭ ‬في‭ ‬الفوسفاط‭ ‬الذي‭ ‬ازدادت‭ ‬أهميته‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬برزت‭ ‬فيه‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مضاعفة‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفلاحي‭ ‬لمواكبة‭ ‬التحولات‭ ‬الديموغرافية‭. ‬وهكذا‭ ‬صار‭ ‬للمغرب‭ ‬أكبر‭ ‬حصة‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬الدولية‭ ‬لهذه‭ ‬المادة‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬لكن‭ ‬بقيت‭ ‬المداخيل‭ ‬الحقيقية‭ ‬لصادرات‭ ‬الفوسفاط‭ ‬ومشتقاته‭ ‬ومسألة‭ ‬تدبيرها‭ ‬سرا‭ ‬من‭ ‬أسرار‭ ‬الدولة‭ ‬وما‭ ‬يصل‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬منها‭ ‬ضئيل‭ ‬جدا،‭ ‬هذا‭ ‬إذا‭ ‬استحضرنا‭ ‬مساهمة‭ ‬المكتب‭ ‬الشريف‭ ‬للفوسفاط‭ ‬في‭ ‬الميزانية‭ ‬العامة‭ ‬للدولة‭.‬

وهناك‭ ‬المعادن‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬ذهب‭ ‬وفضة‭ ‬ونحاس‭ ‬ورصاص‭ ‬وكوبالط‭.. ‬الخ‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬عائداتها‭ ‬شيئا،‭ ‬ويكفي‭ ‬أن‭ ‬نستحضر‭ ‬ما‭ ‬نهب‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬العمومية‭ ‬مثل‭ ‬القرض‭ ‬الفلاحي،‭ ‬والقرض‭ ‬العقاري‭ ‬والسياحي،‭ ‬والصندوق‭ ‬الوطني‭ ‬للضمان‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وقبلها‭ ‬الخطوط‭ ‬الملكية‭ ‬المغربية،‭ ‬وبريد‭ ‬المغرب،‭ ‬لنقف‭ ‬على‭ ‬النهب‭ ‬الخطير‭ ‬الذي‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬تلك‭ ‬المؤسسات‭ ‬وغيرها‭ ‬بدليل‭ ‬أن‭ ‬حجم‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬تهريبه‭ ‬من‭ ‬بلادنا‭ ‬بين‭ ‬1970‭ ‬و2008‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬41‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬أي‭ ‬حوالي‭ ‬400‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬بالتمام‭ ‬والكمال‭ ‬حسب‭ ‬مصادر‭ ‬خارجية‭ ‬موثوقة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬15‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬سنويا‭ (‬1500‭ ‬مليار‭ ‬سنتيم‭ ‬سنويا‭!)  ‬كما‭ ‬صرح‭ ‬بذلك‭ ‬الخبير‭ ‬الاقتصادي‭ ‬نجيب‭ ‬أقصبي‭.‬

إن‭ ‬من‭ ‬مفارقات‭ ‬اختيارات‭ ‬وسياسة‭ ‬الطبقة‭ ‬الحاكمة‭ ‬إعطاء‭ ‬الأولوية‭ ‬للفلاحة‭ ‬والسياحة‭ ‬لمدة‭ ‬ستة‭ ‬عقود،‭ ‬حيث‭ ‬حضي‭ ‬الفلاحون‭ ‬الكبار‭ ‬بالإعفاء‭ ‬الضريبي‭ ‬وكل‭ ‬أنواع‭ ‬الدعم‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تراجع‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬للبلاد‭ ‬وارتفعت‭ ‬فاتورة‭ ‬استيراد‭ ‬الحبوب‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬لأخرى‭ ‬رغم‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفلاحي‭ ‬الجيد‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬وملايير‭ ‬الدراهم‭ ‬التي‭ ‬صرفت‭ ‬على‭ ‬مخطط‭ ‬المغرب‭ ‬الأخضر‭. ‬أخيرا‭ ‬تم‭ ‬الاعتراف‭ ‬الرسمي‭ ‬بخطورة‭ ‬وهشاشة‭ ‬أوضاع‭ ‬البادية‭ ‬المغربية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬زالت‭ ‬تستوعب‭ ‬حوالي‭ ‬40‭ % ‬من‭ ‬السكان‭ ‬تعاني‭ ‬أغلبيتها‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬الفقر‭ ‬حسب‭ ‬معطيات‭ ‬المندوبية‭ ‬السامية‭ ‬للتخطيط‭ ‬والدعوة‭ ‬لخلق‭ ‬طبقة‭ ‬وسطى‭ ‬قروية‭.‬

المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬إذن‭ ‬تعرض‭ ‬لإعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬طبقية‭ ‬خاصة‭ ‬منذ‭ ‬سياسة‭ ‬التقويم‭ ‬الهيكلي‭ ‬السيئة‭ ‬الذكر‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬والتي‭ ‬استهدفت‭ ‬الإجهاز‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬والقطاعات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لإضعاف‭ ‬القاعدة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للمعارضة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والتقدمية،‭ ‬وإعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬المنظومة‭ ‬السائدة‭ ‬لتأبيد‭ ‬سيطرة‭ ‬أقلية‭ ‬طبقية‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬حصة‭ ‬من‭ ‬الثروة‭ ‬الوطنية،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬تم‭ ‬إجهاض‭ ‬كل‭ ‬محاولات‭ ‬الإصلاح‭ ‬المؤسساتي‭ ‬والسياسي‭ ‬وتغييب‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وإفساد‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬وتخريب‭ ‬تنظيمات‭ ‬المعارضة‭ ‬الحقيقية‭ ‬والمقاومة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ومحاصرتها‭ ‬بالقمع‭ ‬والترهيب‭ ‬والتضليل‭ ‬الإعلامي،‭ ‬لكن‭ ‬إلى‭ ‬متى‭ ‬ستستمر‭ ‬سياسة‭ ‬الأرض‭ ‬المحروقة‭ ‬ونسج‭ ‬المناورات‭ ‬لربح‭ ‬الوقت‭ ‬والاستمرار‭ ‬في‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الجسيمة‭ ‬للحقوق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬للشعب‭ ‬المغربي‭ ‬؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى