حسن بوعياد (ثلاثية الطير)
حسن بوعياد
1 – الطيور على أشكالها تقع.
لم يستطع أن يُحلق عاليا مع النسور، فهوى إلى حضيض حَبٍّ وفُتات مع أحد عشر طائرا أجرب.
تَخلّص من ريش بنفسجي مُزيف تباهى به ذات يوم بجانب بزاة وصقور. خارت قواه وآب إلى جنسه فالمتشابهون يجتمعون كما قال هوميروس.
أخذ مكانه لينقُر حباته الخمس التي لم تكن سوى فضلات جاد بها عليه وعلى مشابهيه خمسة غِربان حلّقوا نحو قبة تحول النعيق إلى شدو وتغريد بفعل مُؤثرات صوتية خادعة.
مرت أيام فأذهله ما رأى من نفور أجناس الطير الأخرى منه. عجب للأمر، ولم يزُل عجبُه إلا بعد أن فطِن لرائحة نتنة صارت تُلازمه، فهرول إلى صديقه الحكيم الذي يعلم جدراته في العلاج كما في المشورة. أنبأ آسيُّ الطير صاحبه أن الحبات الخمس سُقِيت قبل الجني بماء قذر لوَّث إيناون كما لوَّث ورغة وسبو، ونصحه بمُلازمة مشابهيه ليهُون ما عَمَّ في إمارة الطائر السعيد الذي يضمن – بسحره العظيم – حماية الطيور السقيمة التي لا تقوى على الطيران حتى ولو ظلت على بسيطته بجانب الجرذان والأفاعي.
-2 البوم المُبعد ينفُث في العُقد
لم يُغنه ما هَوّن به الحكيم روعه، فحمل شكواه إلى الطائر السعيد الذي أُوتي حُكم الإمارة ببيعة أولى تمت في سقيفة طائر جَوَّاب مكلوم لم تَطِش سِهامٌ رُمي بها فأضحى خارج السرب.
سمع حامي الطير مُلِمّة الطائر الحاجب، ورقَّ لحاله التي وعى أنها صَنيعُ أبالسة طير أغْوَوا صاحبه العليل لمّا علموا شراهته للحَبِّ والنقر، وذكرّه بحبتين جلبهُما له من دُرَّة وادٍ أبيضَ لم تُسبب هذه الرائحة التي تُكدِّرُ صفوة الإمارة، وأسَرَّ إليه أن الأبالسة راموا أن يهِنَ عظم التابع من طيره لِئَلا يبلغ عالي الشجر، وبِسحر بومهم المُبعد الذي ينفُث في العُقد دون كلٍّ سيُستبدل عرش الإمارة ويهاجر أو ينقرض ما بقي فيها من طير كاسر وسيصبح الكل آنئذ في الهُزال والرائحة سواء.
استوفى الطائر السعيد وصلته الشجية فحرك الطائر العليل جناحيه بتثاقل وقد هَالَهُ ما سمع من أمير حسِبَ أن سلطانه لا يُقاوم.
3 – الهدهد يُنْبِئُ عن غدِ الإمارة…
غادر الحاجب العليل ديوان الإمارة، وآوى إلى عُشه جوارَ وَكْرِ طائر شدوُه كابتهالِ ناسكٍ لعلّه نَجَمَ بِما تَقَدَّم لهُ من أعشاش على مآذن الإنس. وتفتقِدُ الإمارة شدوَهُ الرخيمَ متى طار – تحليقَ يومٍ – إلى مُرْج قَصِيٍّ يسعى في نَقْرِ حبّاتٍ تُرْوى بماء يخرج من ترائبَ نقية.
تلاقى الجاران وأَفْضى الطائر الحاجب إلى صاحبه غُصصاً استصغرها الصاحب واستهونها، فالرائحة لا تمنع من هوىً ولا تصُدُّ عن نعماءَ، وستزول بِقِدَمِها. وأخبرَ رخيمُ الشدو صاحبَهُ أنه قصدَ هدهداً علا شأنُه في الحكمة والتنجيم أنبأه عن غَدِ هذه الإمارة التي لن يُهَدِّدَها سحرُ البوم ومكرُه بل سَتَعيثُ فيها بطانة الطائر السعيد غيّاً وجهالةً، لذلك حثَّ صاحبه أن يحذرَ ويحرصَ مادام حاجبَ ديوان. وزادَهُ أَنْ قد بَدَا للهدهد أَنَّ الإمارة ستُصيبُها لعنةُ السماءِ ما لم تُوجِدْ مَدافنَ لطيور تَفْنَى وتُوارى هواناً على رَمِيمِ سَالِفِهَا.