عين على الساحة : خطوة إلى الوراء

زياد السادري

تجري في هذه الأيام، تحركات لتقديم مذكرات قانونية إلى الديوان الملكي، بغية إجراء استفتاء بتعديل في المادة 47 من الدستور، وقد تم تداول أخبار، بأن بعض الأطراف قامت فعلا بتقديم آراءها، وكان هذا الموضوع، قد أثير منذ مدة من طرف ما تسميهم بعض الصحف “بالأكاديميين “، والذين دأبوا على إظهار أنفسهم “ملوكا أكثر من الملك”، وكأن الملكية في المغرب تفتقر إلى أطر عالية في القانون الدستوري، ومن هؤلاء انتقل الموضوع إلى السياسيين، أو صدر منهم إلى “الأكاديميين”، ثم عاد الآن إلى أصله، أو جاء من مطبخ المؤسسة الملكية إلى “الأكاديميين” ثم السياسيين ليضيف كل طرف بعضا من توابله ليعود في الأخير إلى المطبخ؛ من الصعب معرفة الأصل، لكن إذا ما وقفنا على بعض التفاصيل وربطناها بالوقائع التي جرت، وتلمسنا أصحاب المصلحة في الدعوة إلى استفتاء في هذه الظروف السياسية المحمومة يمكن رغم الضبابية أن نقف على حقيقة ما يجري.

تعتبر الفقرة الأولى من المادة هي الأساس، عند دعاة التعديل، بحجة تجنب البلوكاج الذي وقع بعد انتخابات 2016، والتي تصدرها العدالة والتنمية ب 125 مقعدا يليه الأصالة والمعاصرة ب 102 مقعدا. كثير من التفاصيل بقيت في طي الكتمان عن تلك التكتيكات التي جرت بين العدالة والتنمية ومن يدعمه من السياسيين ومن الدولة، وبين الحزب الذي جاء ثانيا، ومن يدعمه من السياسيين ومن الدولة أيضا، لكن نستطيع بما توفر من معطيات أن نصل إلى التوجه العام . من المعروف أن التسخين السياسي كان يجري فقط حول من سيكون حذقا، وصارما، ومطيعا، لتطبيق السياسة العامة للدولة التي تقف وراءها المؤسسات المالية الدولية. وقد ذهب رئيس الحكومة بعيدا في تسفيه منافسيه على أنهم لا يمتلكون الجرأة التي يمتلكها للذهاب بعيدا في تطبيق ما سماه بالإصلاحات، المصطلح الذي باركته كثير من الصحف ورفعت وصف اجراءاته المغرقة في اليمينية إلى درجة الشجاعة والجرأة التي فاقت جميع من تولى الحكومات في السابق.

تقول هده الفقرة:”يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها”. وقد جاءت الفقرة لتتخطي الفترة السياسية السابقة، التي كان فيها التعيين مطلقا بيد الملك، وقد ذهب الراحل الحسن الثاني إلى تأكيد حصر التعيين فيه وحده، إلى درجة أن قال أنه يمكنه أن يعين حتى أحد السائقين لديه. طرح القطب المعارض لبنكيران ، في البداية، من خلال “الأكادميين” أيضا ، أن الملك ليس مجبرا أن يختار بنكيران بالذات، ولو أنه رئيس للحزب، في تلميح على أنه لا يتمتع بالزعامة داخل الحزب وداخل قيادته، الشيء الذي دفع بنكيران لأن يختار أحد القياديين المحسوبين على المؤيدين للملكية البرلمانية للظهور علنيا معه في القصر أثناء المشاورات لتشكيل الحكومة، في إشارة منه على أنه مؤيد حتى من طرف صقور الحزب. وكانت هذه الخطوة التي لجأ إليها القطب المناوئ غير موفقة، لأنها كانت ستجر الملكية إلى تدخل سياسي وتنظيمي فج في الشؤون الداخلية للحزب.بعد التعيين واتضاح أن المؤسسة الملكية طبقت الفقرة الأولى كما تنص عليه وأن هناك توجه رسمي لا غبار عليه ليتولى حزب سياسي يبني تصوراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية على خليط عجيب بين السياسة والدين. لم يبق أمام القطب إلا البلوكاج، وهو ليس محرما في السياسة وفي التكتيكات التي تتخذ في أعرق الديمقراطيات، بلجيكا مثلا كانت قد عرفت 19 شهرا من الأزمة السياسية وألمانيا مؤخرا عانت أيضا من البلوكاج، لكن سنكون مجانبين للصواب، إذا ما أخذنا الأمر بهذه البساطة في ما يتعلق بالمغرب.

مع هذه الأحزاب في المغرب التي تعارض فصل السلطات، وترى في الملكية التنفيذية سقفها العالي، والعدالة والتنمية في حقيقة الأمر يرى سقفه العالي هو الملكية المطلقة، لا يمكن تجنب البلوكاج إلا في حالة واحدة هي العودة إلى اليد المطلقة للملك في التعيين. في هذه الحالة لا أحد سيشتكي ويتألم، ويعلن ذلك للملأ، الكل سيرضى ولو على مضض. وتعديل المادة لتسمح بتعيين شخصية سياسية أخرى من حزب ما، يحظى بالأغلبية في مجلس النواب، هو دعوة في ظل نظام الحكم المطبق بقانونه وعرفه لتشريع للبلوكاج للإلتفاف على نتائج الصندوق الانتخابي. والعدالة والتنمية حاليا أمام هذه الدعوة إلى الاستفتاء غير آبه لأنه يعرف أن اللاعب رقم واحد في الساحة السياسية بالدستور والعرف، هو المؤسسة الملكية سواء تغيرت المادة أو لم تتغير، وأنه يمكن أن يكون في الدرجة الثانية كما كان فيها الأصالة والمعاصرة من قبل وبالتالي سيصبح له حظ هو الآخر إذا ما تم تعديل المادة وجاء ثانيا ، لأن الملك هو من سيقرر في الأخير.

وما يزكي هذه الرؤية التي تسجن بعض الأحزاب المغربية في مربع الرضا بما يقدم لها إن صدر من المؤسسة الملكية، هو نتائج تطبيق الفقرة الثانية من المادة التي تقول : ” ويعين( أي الملك ) أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها”، وهي النتائج التي عصف بها العرف من جهة، والثقافة السياسية لبنكيران من جهة أخرى، والذي ظل يصرح آنذاك وما يزال أنه ضد الملكية البرلمانية ويؤيد الملكية المطلقة، وجاءت تشكيلة الحكومة مزركشة بعدة ألوان لون جاء من الأحزاب ولون من القصر ولون فرض على الأحزاب. وإذا أردنا الدقة فإن الكل في الكل كما يقال، الجميع مع السياسة العامة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا طرف يمكنه أن يخرج عن الاتجاه العام بحيث أنه يمكن القول أن تشكيل الحكومة جاء بين لاعبين هم أصلا مختارون بعناية من زمان، فهل جعلت الفقرة السالفة بنكيران أو العثماني يتشبثان بحقهما الدستوري أن يختارا أعضاء الحكومة أو أن العرف هو الذي فرض نفسه؟

إن حجر الزاوية في ضمان السير نحو الديمقراطية هو استقلالية قرارات الأحزاب أولا، وثانيا التغيير السياسي نحو الملكية البرلمانية بحيث إذا ما تم التفكير في تعديل دستوري كيفما كان، يجب أن يذهب إلى تعديل يرتقي إليها وليس إلى توطيد التنفيذية، أو إلى تعديل يتراجع بخطوات إلى الوراء، ذلك أن البلوكاج في الديمقراطيات يحدث كصراع على السياسة العامة أو على الميزانية، ولا يمكن تجنبه من هذا المنطلق في كل الأحوال ولو استعد له الدستور مسبقا، أما في المغرب فإن ما يقع هو بلوكاج مصنوع من جهة ومن جهة أخرى يدور حول قضايا مخفية وصغيرة هي في كل الأحوال بين أولاد الدار فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى