الأساتذة “المتعاقدون” والفئوية ورهان الشارع

  • في ظل تغوُّل المقاربة القمعية وفي ظل الإجهاز على جميع المكتسبات البسيطة التي حققها الشعب المغربي وقواه المناضلة بتضحياتهم الجسام ،لم يَعُدْ لفئة الأساتذة المفروض عليهم التعاقد من مجال سوى اللجوءُ للشارع دفاعاً عن حقهم المشروع في الترسيم/الإدماج وعن المجانية وعن حق المغاربة في مدرسة عمومية تريد الدولة تسليعها وبيعها في مزاد الخوصصة استجابةً لإملاءات المؤسسات المالية ،كما لم يجد الأساتذة المتدربون قَبلهم من مجال سوى الشارع ضد المرسومين المشؤومين ، كما اضطر قبلهم الأطباءُ المقيمون والداخليون في معاركهم النزول للشارع لإيصال صوتهم وتحقيق مطالبهم، وقبل هذه الفئات سبقتهم مضطرةً النزول للشارع فئاتُ المهندسين والتقنيين والممرضين والنقابة المستقلة للتعليم الابتدائي و”الزنزانة 9″ والمنتدبين القضائيين والمتصرفين وغيرها من الفئات الكثيرة التي يصعب حصرُها والتي حققت البعض مطالبَها و لازالت أخرى تناضل من أجل تحقيق مطالبها.

 

  •  لجوء الفئات والتنسيقيات للشارع أصبح مُغريا للنضال وللتحلُّل من التعقيدات التنظيمية والتخفُّف من البيروقراطية والصفقات وأجندات النقابات التي لم تعد تخفى على أحد ،بل أصبح الشارع قادراً على تحقيق المطالب عِوض العمل داخل النقابات ، وقد حققت هذه الفئات عبر الشارع مطالبها خاصة مع فئات المهندسين والأطباء والأساتذة المتدربين التي خاضت معارك طويلة واستقطبت تضامنا شعبيا وسياسيا جعلت الحكومة تستجيب لهذه المطالب، لجوء هذه الفئات للشارع هرباً من ترهُّل النقابات وفساد قياداتها وتحول معظمها لباطرونا، لجوء الفئات والتنسيقيات للشارع لأن المؤسسات المنتخبة بغرفتيها ومؤسسات الحكامة والوساطة والحكومة ووزاراتها لم تعد هذه الفئات تعلق عليها آمالا في حل المشاكل التي تطرحها هذه الفئات والتنسيقيات، وكذلك لأنه تبلور الوعي لدى هذه الفئات ولدى قطاعات واسعة من الشعب المغربي بأن مفاتيح القرار الاقتصادي والسياسي في البلاد ليس بيد مسؤولي هذه المؤسسات والمجالس والهيئات بل هم مجرد موظفين ينفذون ما يُملى عليهم.

 

  •  ليست الفئات والتنسيقيات من لجأت للشارع مضطرة بل وقد يبدو للبعض غريبا بأن الدولة نفسَها كان في مصلحتها ظهورُ الفئوية وتوسيعها والتعاطي الإيجابي مع مطالبها أولاً لإضعاف المركزيات النقابية وإفراغها من القطاعات المناضلة ،وثانياً توسيعا لمنطق البلقنة والتقسيم والانشقاق للجسم السياسي والجمعوي تلافيا لكل عمل نضالي موحد أو مشترك أو جبهوي قد يهدد مصالح الحكم ،لذلك تجد أن النضالات الفئوية ذات المطالب الاجتماعية والاقتصادية هي نضالات أقلّ تعرضا للقمع والاعتقال وللعراقيل التنظيمية في حين أن المطالب ذات السقف السياسي والمؤطَّرَة بمطالب شعبية عامة تتعرض لقمع شديد ولاعتقالات كما حصل مع كل انتفاضات الشعب المغربي.

 

  •  وقد يبدو غريبا للكثيرين أن الدولة لا يُضيرها هذا المسلسل المنتظم من النضالات الفئوية والتنسيقوية ذات المطالب الاقتصادية والاجتماعية مادامت تحقق الأهداف التالية : إعطاء صورة عن حيوية حقوق الإنسان بالمغرب وحريات التظاهر والتعبير،ومادام هدفها الآخر اختزال الصراع بين الفئة المطالِبة وبين الحكومة المحكومة كما يسميها المغاربة ،ومادام هدف الفئات إعلانُ عدائها للأحزاب وللسياسية وللمطالب السياسية ،ومادامت هذه الفئات في أغلبها تعود بعد تحقيق أهدافها ومطالبها إلى حياتها اليومية الروتينية بعيدا عن صداع المطالب الكبرى للشعب المغربي،ومادام أخيرا أهداف هذه المطالب حرق ما تبقى من أوراق حزب العدالة والتنمية ورقة ورقةً، ليس لأن هذا الحزب منافس سياسي واقتصادي للحكم بل على العكس من ذلك إن حزب البيجيدي تفوَّق على جميع من سبقوه في الإجهاز على الخدمات الاجتماعية بشماتة وحقد وانتقام وباستغلال للدين ،إن طبيعة التنافس القائم بين البيجيدي والحكم تتمثل في استخدام الدين كمخدر ومنوم لتمرير العديد من السياسات الطبقية التفقيرية واستخدام الدين الفج في السياسة هو ما يجعل البيجيدي يحتفظ بفئات تُصوِّت له دائما من منطلق ديني ولا يعنيها السياسات الجهنمية التي طبقتها هذه الحكومة ،أن يظل البيجيدي يتغدى سياسيا من الدين و استخدام ما يسمى الشرعية الدينية هو نقطة الخلاف الوحيدة المتبقية للدولة مع البيجيدي .

 

  •  التقاءُ مصلحة النظام والفئات في استعمال الشارع كل حَسَب رهاناته كما أشرنا سابقا أصبح يُقلق دوائر صنع القرار السياسي،فبعد أن كان الشارع مُتاحا وتنفيسيا إذْ لم يكن يشكل خطرا مادامت مطالبه اقتصادية واجتماعية ومادام المزاج العام لهذه الفئات كارها للسياسة وللمطالب الكبرى وللأحزاب السياسية ، فإن التوجس من انتقال المطالب الفئوية إلى مطالب شعبية أصبح واردا – ظهرت بوادر هذا التحول في الشعارات وفي الأشكال النضالية للأساتذة “المتعاقدين”- نظرا للاختناق الاجتماعي الكبير ولانسداد النسق السياسي ولارتفاع خطير في المديونية العامة ولضغوطات المؤسسات المالية في تصفية كل الخدمات الاجتماعية وفي عجز هائل للأحزاب والنقابات في استيعاب وتأطير حراكات الشارع ،والأخطر من ذلك اشتعال المنطقة من جديد في السودان والجزائر والأردن وغزة والبحرين في ما يسميه الكثيرون بالموجة الثانية من الربيع العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى