في المرآة…. الثقافة والسياسة

عبد الغني عارف

إن التشخيص الأولي الذي يتبادر إلى ذهن من يطلع على الأدبيات الحزبية بالمغرب يكشف عن معطى مفاده أنه إذا كان الخطاب السياسي اليومي والمباشر يختلف من حزب إلى آخر، حسب الهويات الإيديولوجية لكل حزب، فإن هذا الاختلاف لا يتجسد ثقافيا عبر تعبيرات وأفكار متميزة في الواقع ، وهو ما يسمح بالقول بغياب مشاريع ثقافية واضحة المعالم في برامج الأحزاب السياسية، وبالتالي افتقاد تلك البرامج بوصلة نظرية وثقافية موجهة لممارسات الحزب اليومية، أو في أحسن الأحوال ضعف حضور ما هو ثقافي في أدبيات هذه الأحزاب، وهو ما يفسر كون المعطى الثقافي لا يشكل، بالوضوح الكافي، مكونا من مكونات الخطاب الإقناعي لدى الأحزاب، سواء في الممارسة الحزبية اليومية أو في أثناء الدعاية الانتخابية، مع ما يتولد عن ذلك من توتر ملحوظ بين المثقف والسياسي، لتكون النتيجة صادمة للطرفين معا، حيث تسقط الممارسة السياسية في أخطاء كثيرا ما تتحول إلى عبء ثقيل على المجتمع وعلى الاختيارات الموجهة لسيرورة ورهانات تنميته وتطوره، كما تمتد مسافات ابتعاد المثقف عن حلبة الصراع الاجتماعي، لتسهم في تفريخ شروط الوهن الفكري وتغييب الدور التنويري للمثقف ومحاصرة الفعل الثقافي اليقظ والمتوثب داخل المجتمع، وتعميق المنظور النفعي الجاهز تجاه كل ما له صلة بالثقافة والمعرفة، بحيث يجد الفاعل السياسي نفسه أمام أتساع دائرة الإغراءات، وتبعا لذلك اتساع دائرة ” مثقفي السلطة ” وتراجع أدوار المثقفين الحزبيين الملتزمين فكرا وممارسة بالقضايا الكبرى للمجتمع: قضايا الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية بشكل عام، مما يجعل الخطاب الثقافي الحزبي نفسه سجين الرؤية الانتخابوية الضيقة والقريبة المدى، دون امتلاك إمكانات وفرص الحفر عميقا في القضايا الكبرى والشائكة وسط المجتمع والمفترض أن تكون بشأنها تصورات واضحة وناضجة لدى الأحزاب كمدخل ضروري لمراكمة الشروط الحقيقية للتغيير، زد على ملاحظة تقول بفشل المثقفين الحزبيين في بلورة مشاريعهم ورؤاهم الثقافية عندما يتولون المسؤولية في بعض مستويات القرار، سواء أتعلق الأمر بالحكومة أو بالمجالس المنتخبة محليا وجهويا، وهو الأمر الذي يتولد عنه اضطراب وفقدان للثقة بين المثقف والسياسي، مما تولد عنه انعزال أغلبية ” ممارسي الثقافة “ ووقوفهم على هامش التنظيمات السياسية، بدل أن يكونوا في قلبها وفي قلب المعارك التي تخوضها.

كما لو أن مهمة تثقيف الجماهير أصبحت متجاوزة، في حين |أنها في مجتمع ما يزال منخورا بالأمية، تعتبر هذه المهمة واحدة من استراتيجيات التغيير الممكنة..

إن المثقف في المجتمع المغربي مطالب اليوم بالخروج من دائرة الاكتفاء بالتأمل في ما يجري، وهي دائرة مسكونة بكثير من مظاهر الاندهاش والانتظار والحيادية السلبية في كثير من الحالات… إنه مطالب بجعل منتوجه الفكري والإبداعي ّ ” أداة ” لاختراق الواقع الذي يعيش فيه، من أدجل تجاوز الوضع الذي يبدو أنه محاصر فيه، وضع يبدو فيه ” واقع ” المثقف ( الذهني والوجداني ) وواقع المجتمع متوازيين، لكل واحد منهما حركية ذات إيقاع وسرعة مختلفين، مما يجعل المثقف في كثير من المحطات والتحولات الاجتماعية يجد نفسه مجرد متتبع ومتفرج، بدل أن يسهم في صنع تلك التحولات وتوجيهها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى