عين على الساحة ما أكثر السماسرة في المغرب !
زياد السادري
ماذا يمكن أن نسمي من يبادر إلى أن يلعب دور الوساطة، بين ظالم ومظلوم؟ نسميه، اللاعب على الحبلين، والمؤيد للظلم، دون الإفصاح عن ذلك، وإذا كان الأمر يتعلق بظالم ومظلوم في الشأن العام، نسميه بكل بساطة ووضوح، سمسرة. وإذا كانت الوساطة مقصودة في ذاتها، يترقب صاحبها اشتداد أزمة، وتفاقمها، أصبحت حرفة، وأصبح الظلم سلعة، لها مُروجوها وأصحاب إشهارها، وتحول الوسطاء بذلك إلى فئة تعيش على سوق خرق القانون، لا ترى مستقبلا لها، إلا في إدامة أزمة، أو العمل على خلقها إن استكان الظالم وكف عن الأذى.
الدولة التي لا تحترم القانون، أو تؤوله وتطوعه، بعيدا عن المقاصد التي سُن من أجله، أو تسنه لصالح فئة على حساب فئة، هي دولة لا يمكن إلا أن تقترف المظالم والتعسفات يوميا، وبالتالي أن تطرح في السوق سلعة مغشوشة يقبل عليها السماسرة ويكافحها الضحايا وكل الديمقراطيين والديمقراطيات. وما أن يضج الضحايا من آثار خرق للقانون، ويتطور الوضع إلى الأسوأ، حتى تظهر أصوات هؤلاء السماسرة وتصيح قائلة: ” لقد خلت الساحة من أحزاب سياسية وجمعيات ونقابات تقوم بالوساطة”. والحل حسب هؤلاء، ليس في التراجع عن القرار أو الإجراء الذي خلق الضحايا! وإنما في البحث عن مخرج آخر، ليس هو ما يطالب به الضحايا، ولا هو علاج أصل المشكل، بل أكثر من هذا، كثيرا ما يتم اللعب على الغموض والالتباس للوصول، مع مرافقة الوساطة وترويج البضاعة المغشوشة، إلى نفس ما كان قائما من هضم للحقوق وتكسير الأضلع وسنوات من العقاب على ” جسارة” التشكي والأنين.
من أين أتت أصوات الوساطة؟ أولا، من تراث تاريخي قديم للاستبداد، كان فيها المجتمع المغربي بدون حقوق ولا قانون من بطش الدولة المركزية، ولا مجال فيه للاحتجاج، أو للتظاهر إلا طريق واحد، هو رفع السلاح في وجه الدولة، ومن لم يستطع إلى ذلك سبيلا، لا محيص له إلا الوساطة مع إعلان التوبة وعدم العود، وكانت إذاك بيد الأعيان والوجهاء وفي يد الزوايا في آخر المطاف. ثانيا، من المدارس السياسية في الدول الديمقراطية التي جعلت مكانا مفيدا للوسائط السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، وهو أن ترافق الضحية، وتتابع، وتسهل لها الترافع، أمام تعقد دهاليز الإدارات المعنية بقضية من القضايا، سواء أمام القضاء أو لدى وزارة من الوزارات، لكن هذا المكان المفيد للمجتمع محاط بعدد كبير من الضمانات الديمقراطية خاصة، منها ما يتعلق بتطبيق قانون واحد على جميع المواطنين والمواطنات، أو فصل السلطات بأن لا تتدخل أي جهة من الجهات الإدارية في القضاء أو الإعلام العمومي … أو أن لا يسن قانون ما، إلا إذا ما تداول في شأنه، كل الفرقاء، وتم تقليبه على كل أوجهه، ليعرف الجميع آثاره حالا أو آجلا ، وفي هذه الدول لا يؤول قانون ما، بما يضر أفرادا أو جماعات، وإذا ما تقادم قانون ما، وأصبح يؤدي عكس ما كان قد سُن من أجله، يضج الجميع من أجل مراجعته وتنصت الدولة وكل المؤسسات إلى الأصوات المنادية بالمراجعة، في هذه الحالة بديهي أن تلعب قوى المجتمع دور الوساطة، لأن ممرات الترافع والتقاضي مفتوحة، ومساحات الشرح وبسط القضايا في وسائل الإعلام العمومية أيضا موجودة، لكن في وضع الدول التي لم تُـنجز بعد فيها مهام الديمقراطية، والتي يصبح فيها تسيير الشأن العام مجالا لإثراء فئة من المجتمع وتفقير أغلبيته، وتغدو الإجراءات الإدارية والقضائية عصا للتأديب والعقاب، تصبح الوساطة بدل النضال والاحتجاج من أجل بناء دولة القانون وإنجاز مهام الديمقراطية، سمسرة مفضوحة الأهداف.
طبيعة الوساطة في الدول الديمقراطية، هي من أجل مصلحة المجتمع أولا، وتعزيز دور القانون على الجميع، والوقوف عنده إذا كان متقادما و يضر ببعض المصالح ثانيا، أما في الدول التي لم تنجز بعد مهام الديمقراطية، فالوساطة هي من أجل تقوية تعسف الدولة وطمس لا قانونيته أولا، والالتفاف على مطالب الضحايا للتقليص من حجمها ومن مكانتها القانونية والشرعية ثانيا، دون أن نشير إلى مصلحة السمسار التي يسعى إليها حالا أو بعد حين، على دور ” الخدمة ” و”الحياد” اللذين قاما بهما، وسوقهما في الساحة السياسية، وأثـقَـنَ إنجازهما، أكثر من وزير من الوزراء الذي تكلف بنفس الدور، بالرغم من السلطة التي تمتع بها، في حين أن السمسار لا يتوفر إلا على لسانه على غرار لسان الحرباء التي تصطاد به فرائسها. لن ينجح شعب من الشعوب في تحقيق الديمقراطية، مادامت مثل هذه البضاعة المغشوشة لها كل هذا العدد الهائل من المروجين لها أو ممن يحلو لهم مذاقها