الحركة الاجتماعية وخطر العفوية

غريب محمد

لماذا كل هذا التعنت من طرف الطبقة الحاكمة في مواجهة الاحتجاجات الاجتماعية؟ هذا سؤال لا بد وأن يستوقف كل الفاعلين الاجتماعيين، خصوصا وأن هذا التعنت يصل إلى حدود التهور دون مراعاة حتى المصالح الحقيقية للوطن.

إن الجواب عن هذا السؤال يقودنا إلى طرح سؤال أخر يتعلق بطبيعة هذه الاحتجاجات الاجتماعية وأهم ما يميزها عن سابقاتها، لأن هذا هو المتغير الذي يفسر تقريبا كل شيء.

في مواجهة حركة 20 فبراير التي كانت ذات حمولة سياسية تعاملت الطبقة الحاكمة بأسلوب مخالف.. فقد هاجمت ثم تراجعت وقدمت التنازلات وراهنت على تقسيم الحركة، وعندما نجحت عادت إلى الهجوم لتسترجع كل ما قدمته من تنازلات.

من المهم جدا العودة إلى هذه المحطة الهامة من تاريخ بلادنا المعاصر من أجل استخلاص الدروس وفهم كيف تتم إدارة المعارك.. وليس من العيب ان نتعلم من التجارب، حتى لو كان مصدرها الخصم أو العدو الطبقي.

لقد جاءت الاحتجاجات التي اندلعت بعد فشل حركة 20 فبراير كرد فعل غاضب على التهميش والظلم الاجتماعيين.. وظهر منذ البداية وكأنها تنطلق من نقطة الصفر وتطرح نفسها بديلا عن كل الفاعلين الذين لعبوا دورا أساسيا خلال وما قبل حراك 20 فبراير.

صحيح أن المبادرة لم تعد تأتي من النقابات ولا من أحزاب اليسار التي هي من حيث المبدأ ضد الظلم الاجتماعي.. ولكن هذا ليس مبررا لكي تبقى هذه الاحتجاجات الاجتماعية منغلقة على ذاتها، إما في إطار إقليمي أو في إطار فئوي، لأن هذا الانغلاق هو السبب الأساسي الذي شجع الطبقة الحاكمة على أن تضرب بقوة وتتعامل باستهتار مع المطالب المشروعة للمحتجين.

الحماس في خوض المعارك عنصر مهم في تحقيق الانتصار لكنه غير كاف، لأن الاندفاع غير المحسوب في النضال يمكن أن يعطي نتائج عكسية. من هنا ضرورة حضور الرؤية السياسية التي تعتمد التخطيط للمعارك، وحساب نسبة الربح والخسارة من كل تحرك، وقراءة دقيقة للشروط السياسية والاقتصادية العامة محليا وإقليميا ودوليا، وربطا للنضال الاجتماعي بالنضال السياسي العام. وغياب هذا الشرط يعتبر نقطة ضعف قاتلة، وخدمة تقدم فوق طبق من ذهب للخصم الذي يخطط لكل شيء.

السياسة علم وفن لا يسقطان من السماء كما كان يقول أحد زعماء الحركة العمالية العالمية، وهذا العلم الذي يكتسب في النضال اليومي الطويل الأمد وعلى الواجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو ما تفتقد اليه اليوم الجماهير الشعبية التي أصبحت تناضل دون أمل في إحداث أي تغيير مجتمعي.

لقد فقد الناس الثقة في النقابات والأحزاب السياسية بسبب الهزائم السابقة والخيانات المتكررة، لكن المشكل هو أنه تم وضع الجميع في سلة واحدة.. و اعتبرت الجموع أنها إذا ابتعدت عن السياسة فإنها ستحقق مطالبها الاجتماعية والفئوية. لكن ماذا كانت النتيجة في أخر المطاف ؟.. تضحيات كبيرة وخسائر فادحة بدون نتائج تذكر. وهذا دليل واضح على أن السياسة ما تزال ضرورة ملحة، و أن دور النقابات والأحزاب السياسية ما يزال يفرض نفسه ، وعلى أن اليسار المناهض الطبيعي للظلم الاجتماعي ما يزال – وينبغي أن يبقى – حيا وما تزال أمامه أدوار عليه أن يقوم به في النضال من أجل تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، لكن على أساس أن يقوم بقراءة موضوعية لذاته أولا قصد تصحيح كل الاختلالات و تجاوز كل المعيقات وللواقع الموضوعي بكل تحولاته التي تستدعي خططا تنظيمية وسياسية جديدة لاستيعاب كل الأشكال الاحتجاجية وتوجيهها وتأطيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى