في المرآة… الممارسة الثقافية من منظور مدني
يرى كثير من الدارسين والمهتمين أن ما تشهده المنطقة العربية راهنا من حراك ومن تحولات مجتمعية وسياسية بارزة، يعود في قسم مهم منه إلى نوعية الأدوار الأساسية التي قامت وتقوم بها فئات الشباب من جهة، ومكونات المجتمع المدني من جهة ثانية، سواء من حيث التفكير والتخطيط أو من حيث التنفيذ والممارسة الميدانية، وبالتالي فالمجتمع المدني- والشباب في قلبه – لم بعد اليوم مجرد كيانات هامشية موازية للمؤسسات الحكومية الرسمية، بل أصبح مؤهلا لأن يصنع الأحداث ويوجهها ويؤثر فيها، دون أن يعني هذا بالطبع أنه مؤهل لأن يحل بشكل كلي محل باقي مكونات الفعل المجتمعي المعنية بتغيير الأوضاع وتحسينها، وفي مقدمتها التنظيمات الحزبية والنقابية.
إن مجموعة من الأدبيات العالمية المتخصصة أصبحت اليوم تربط بين دينامية الممارسة الثقافية للمجتمع المدني ورهانات بناء الديمقراطية وتجويدها في كثير من المجتمعات، بما في ذلك المجتمعات المتقدمة نفسها، وهو ما دعا كثيرا من مؤسسات المنتظم الدولي، وهي تؤسس لرهانات التنمية المستدامة في أفق عام 2030، إلى المناداة بضرورة إعادة هيكلة المنظور الدولي للسياسات الثقافية، ترسيخا لشروط تعزيز الدور الثقافي للمجتمع المدني، وضمانا لتكافؤ الفرص بين المجتمعات والشعوب لتستفيد على قدم المساواة من الإمكانات و” الخيرات ” الثقافية المتاحة.
ولأنه لا يمكن أن نتصور إنجاز بناء ديمقراطي حقيقي وقوي دون مرجعية ثقافية واضحة المعالم، فإن السؤال العريض الذي يطرح اليوم يخص أساسا طبيعة الأدوار المنوطة بالمجتمع المدني للإسهام في بناء السياسات الثقافية الوطنية والكونية، ووضع برامج لممارسات ثقافية تسمح بفرز وضع ثقافي جديد يساير الموجات الجديدة من شعارات التغيير ويبلور طموحات الطبقات والفئات ذات المصلحة في التغيير، أي وضع يسمح بردم فجوات التباعد بين الأفراد داخل المجتمع الواحد، مع ما يتيحه ذلك عمليا من ضمان الحق في المشاركة في الحياة الثقافية للجميع من جهة، ومن توسيع فرص ودوائر الحوار والتواصل الثقافي بين الشعوب على المستوى العالمي من جهة أخرى.