أُفُق المُواطنة

◆ سفيان البراق

في‭ ‬القديم‭ ‬يُقال‭ ‬أنّ‭ ‬العربي‭ ‬بدويٌّ‭ ‬رحّال‭ ‬لا‭ ‬يمكثُ‭ ‬في‭ ‬مكانٍ‭ ‬واحد‭ ‬وأوحد،‭ ‬بل‭ ‬يعيشُ‭ ‬في‭ ‬وِجهاتٍ‭ ‬مُتعدِّدة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنّ‭ ‬الحضري‭ ‬مُستقِر‭. ‬هذه‭ ‬المُفارقة‭ ‬لا‭ ‬يُمكنُ‭ ‬أنْ‭ ‬أتغاضى‭ ‬عنها،‭ ‬فمن‭ ‬الواجب‭ ‬توضيح‭ ‬اللبس‭ ‬الذي‭ ‬يحومُ‭ ‬حولَها‭. ‬كلمة‭ ‬وَطَنْ‭ ‬تُحيلُ‭ ‬إلى‭ ‬الأرض‭ ‬القارَّة‭ ‬بمعنى‭ ‬المُستقرّة‭. ‬ففي‭ ‬لسان‭ ‬العرب‭ ‬لابن‭ ‬مَنظور،‭ ‬نجدُ‭ ‬فعل‭ ‬وَطّنَ،‭ ‬أي‭ ‬وَطَّنَ‭ ‬الشخص‭ ‬البلد‭ ‬واتخذهُ‭ ‬مسكناً‭ ‬يعيشُ‭ ‬ويُقيمُ‭ ‬فيه‭. ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الوطن‭ ‬هو‭ ‬رقعةٌ‭ ‬أرضية‭ ‬واضحة‭ ‬المعالم،‭ ‬واطنها‭ ‬أو‭ ‬مُستوطنها‭ ‬ساكنها‭ ‬والمواطن‭ ‬من‭ ‬يُقاسم‭ ‬هذا‭ ‬القاطن‭ ‬نفس‭ ‬الوطن‭. ‬

كلمة‭ ‬وَطَنْ‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬لسان‭ ‬العرب‭ ‬ويُقصدُ‭ ‬بها‭ ‬مكان‭ ‬الإقامة‭ ‬سواءٌ‭ ‬وُلِدَ‭ ‬فيه‭ ‬أمْ‭ ‬لم‭ ‬يُولَد،‭ ‬ولها‭ ‬معنًى‭ ‬آخر،‭ ‬حيث‭ ‬يُقصدُ‭ ‬بها‭ ‬مربض‭ ‬الغنم‭ ‬والبقر‭. ‬

نعلمُ‭ ‬علم‭ ‬اليقين‭ ‬أنّ‭ ‬المفاهيم‭ ‬السياسيّة‭ ‬الّتي‭ ‬انبثقت‭ ‬في‭ ‬الحضارة‭ ‬الإغريقية‭ (‬المواطن،‭ ‬الدستور،‭ ‬الديمقراطيّة‭…) ‬لم‭ ‬تَرِد‭ ‬بتاتاً‭ ‬في‭ ‬المعاجم‭ ‬العربية‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬القرآن،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الصحاح‭ (‬صحيح‭ ‬البُخاري،‭ ‬صحيح‭ ‬مسلم‭). ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬علامة‭ ‬استفهام‭ ‬حاضرة‭ ‬أمامنا،‭ ‬وإنْ‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬يدلُّ‭ ‬على‭ ‬شيءٍ‭ ‬فإنّه‭ ‬يدلُّ‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬العرب‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬مُهتّمين‭ ‬بالشأن‭ ‬السياسي،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لهم‭ ‬هموم‭ ‬سياسيّة‭ ‬شائكة‭ ‬كالاستبداد‭. ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬كلمة‭ ‬وطنُ‭ ‬تشيرُ‭ ‬إلى‭ ‬الأرض‭ ‬القارة،‭ ‬فإنّ‭ ‬كلمة‭ ‬مُواطن‭ ‬هي‭ ‬صفة‭ ‬قانونية‭ ‬مُرتبطة‭ ‬بالإنسان‭ ‬ارتباطاً‭ ‬وطيداً‭ ‬سواءٌ‭ ‬حلّ‭ ‬أم‭ ‬ارتحل‭. ‬

في‭ ‬حياتنا‭ ‬اليوميّة‭ ‬نُردِّدُ‭ ‬على‭ ‬ألسنتنا‭ ‬لفظة‭ ‬‮«‬مواطن‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬تخرجُ‭ ‬دون‭ ‬وعيٍّ‭ ‬منّا،‭ ‬كفلتاتِ‭ ‬اللِّسان،‭ ‬لا‭ ‬سيّما‭ ‬إنْ‭ ‬كان‭ ‬أحدنا‭ ‬في‭ ‬مشكلةٍ‭ ‬تعسُّفية،‭ ‬وكأنّه‭ ‬يودُّ‭ ‬التنبيه‭ ‬لاحترامه‭ ‬كمواطن‭ ‬له‭ ‬حقوق‭. ‬ففي‭ ‬المُجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬لا‭ ‬نعي‭ ‬وعياً‭ ‬تامّاً‭ ‬لفظة‭ ‬مواطن،‭ ‬ولا‭ ‬نعرفُ‭ ‬مغزاها،‭ ‬ولم‭ ‬نستوعبها‭ ‬لحد‭ ‬الآن‭. ‬قد‭ ‬تكونُ‭ ‬مُنحدراً‭ ‬من‭ ‬أقصى‭ ‬جنوب‭ ‬المغرب‭ ‬ذو‭ ‬بشرة‭ ‬سمراء،‭ ‬ولهجةٍ‭ ‬شبه‭ ‬أمازيغية،‭ ‬هذا‭ ‬يُعتبرُ‭ ‬عادياً‭ ‬بالنِّسبة‭ ‬للمنحدر‭ ‬من‭ ‬هناك،‭ ‬لكن،‭ ‬بمجرّد‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬منطقةٍ‭ ‬أخرى‭ ‬سواءٌ‭ ‬في‭ ‬الشّمال‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الشرق،‭ ‬فأوّلُ‭ ‬سؤالٍ‭ ‬سيُطرحُ‭ ‬عليك‭ ‬هل‭ ‬أنتَ‭ ‬صحراوي؟‭ ‬ربما‭ ‬أنتَ‭ ‬أمازيغي؟‭ ‬هذه‭ ‬أسئلة‭ ‬تثيرُ‭ ‬اشمئزاز‭ ‬كل‭ ‬منحدرٍ‭ ‬من‭ ‬هناك‭. ‬هنا‭ ‬تمَّ‭ ‬نسيان‭ ‬وطمر‭ ‬مفهوم‭ ‬المواطن،‭ ‬أنا‭ ‬مواطنٌ‭ ‬مغربي،‭ ‬أعيشُ‭ ‬معكم‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الرُّقعة‭ ‬الجغرافية،‭ ‬وأتقاسمُ‭ ‬معكم‭ ‬نفس‭ ‬الهُموم‭ ‬والمشاكل،‭ ‬لي‭ ‬حقوق،‭ ‬وعليَّ‭ ‬واجبات،‭ ‬مثلكم‭ ‬تماماً،‭ ‬أحملُ‭ ‬نفس‭ ‬البطاقة‭ ‬التي‭ ‬تدلُّ‭ ‬على‭ ‬هويتي،‭ ‬باختلاف‭ ‬المعلومات‭. ‬لماذا‭ ‬نلتجأ‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬التمييز‭ ‬العرقي‭ ‬والقبَلي‭ ‬الشنيع؟‭ ‬عندما‭ ‬تودُّ‭ ‬أنْ‭ ‬تسألَ‭ ‬أيّ‭ ‬شخصٍ‭ ‬كان،‭ ‬سواءٌ‭ ‬كان‭ ‬صحراوياً،‭ ‬أمازيغياً،‭ ‬ريفياً،‭ ‬أو‭ ‬ينحدر‭ ‬من‭ ‬وسط‭ ‬المغرب،‭ ‬حاورهُ‭ ‬كمواطن‭ ‬دون‭ ‬الاكتراث‭ ‬لعرقه،‭ ‬وقبيلته،‭ ‬وأصوله‭. ‬فهذا‭ ‬حيف‭ ‬تجاه‭ ‬الإنسان‭ ‬كمواطن،‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬التمييزية‭ ‬ستؤدِّي‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬إلى‭ ‬طمر‭ ‬مفهوم‭ ‬المواطن‭ ‬الذي‭ ‬تطوّر‭ ‬تطوراً‭ ‬تدريجياً‭ ‬وليس‭ ‬نظرياً‭.‬

التطور‭ ‬هو‭ ‬الانطلاقُ‭ ‬من‭ ‬وضعٍ‭ ‬مُعيّن‭ ‬الّذي‭ ‬يُمثلُ‭ ‬مجموع‭ ‬الحقوق‭ ‬المَنزوعة‭. ‬قبل‭ ‬عصر‭ ‬الأنوار‭ ‬عاش‭ ‬الإنسان‭ ‬انتكاسةً‭ ‬مُحرجة‭ ‬جعلتهُ‭ ‬قاب‭ ‬قوسين‭ ‬أو‭ ‬أدنى‭. ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العقلانية،‭ ‬قرن‭ ‬النّزعة‭ ‬النّقدية،‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر،‭ ‬امتزجت‭ ‬طبقةُ‭ ‬النُّبلاء‭ ‬مع‭ ‬التجار‭ ‬الأثرياء،‭ ‬وتحوّلت‭ ‬مُجريات‭ ‬الحُكم،‭ ‬حيث‭ ‬تحولت‭ ‬الطبقة‭ ‬الحاكِمة‭ ‬من‭ ‬أستقراطية‭ ‬إلى‭ ‬بلوقراطيّة،‭ ‬فأصبح‭ ‬أعضاؤها‭ ‬يتمتّعون‭ ‬تلقائياً‭ ‬بالحقوق‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مقصورة‭ ‬على‭ ‬النُّبلاء،‭ ‬بعدها‭ ‬ستنتفض‭ ‬طبقةُ‭ ‬العُمّال‭ ‬لتنال‭ ‬مَطالبها‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬وألغيّت‭ ‬تجارةُ‭ ‬الرّقيق،‭ ‬ونالت‭ ‬المرأة‭ ‬بعض‭ ‬حُقوقها‭.‬

عندما‭ ‬انتهت‭ ‬ثورة‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر‭ ‬في‭ ‬إنجلترا،‭ ‬عاد‭ ‬النِّظام‭ ‬المَلكي،‭ ‬وقامَ‭ ‬بإقصاء‭ ‬الغُلاة‭ ‬من‭ ‬المجال‭ ‬السياسي‭ ‬بأكمله،‭ ‬وصاروا‭ ‬في‭ ‬منزلة‭ ‬الكاثوليك‭ ‬واليهود،‭ ‬لا‭ ‬تُقبل‭ ‬شهادتهم‭ ‬في‭ ‬المحاكم‭ ‬ولا‭ ‬يُدرِّسون‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬العريقة‭. ‬ماذا‭ ‬نستشفُّ‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬إذن؟‭ ‬نفهم‭ ‬أنّ‭ ‬المواطنة‭ ‬مُرتبطة‭ ‬بما‭ ‬يُسمّى‭ ‬بالولاء،‭ ‬فالأنجليكاني‭ ‬له‭ ‬كامل‭ ‬المواطنة،‭ ‬لأنّه‭ ‬مؤتمن‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنّ‭ ‬غيره‭ ‬مُتَّهم‭ ‬في‭ ‬ولائهِ‭ ‬للعرش‭ ‬والدولة‭. ‬أطلتُ‭ ‬الكلام‭ ‬عن‭ ‬النّموذج‭ ‬الإنجليزي‭ ‬لأنه‭ ‬نموذجٌ‭ ‬حيٌّ‭ ‬لحالاتٍ‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فما‭ ‬ذكرتهُ‭ ‬عن‭ ‬الكاثوليك‭ ‬والبوريتان‭ (‬الغلاة‭)‬،‭ ‬أقولهُ‭ ‬أيضاً‭ ‬عن‭ ‬الزنوج‭ ‬والهنود‭ ‬والأسيويين‭. ‬

وثيقة‭ ‬حُقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والمُواطن‭ ‬صدرت‭ ‬سنة‭ ‬1789م،‭ ‬أي‭ ‬أنّها‭ ‬كانت‭ ‬تزامنية‭ ‬مع‭ ‬أكبر‭ ‬انقلابٍ‭ ‬عرفه‭ ‬التاريخ‭ ‬البشري،‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬انفكّ‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬العروي‭ ‬يتغزلُ‭ ‬بها‭ ‬ويُغازلها،‭ ‬لأنّها‭ ‬هي‭ ‬المبدأ‭ ‬والمنتهى‭ ‬للانخراط‭ ‬في‭ ‬الكوني‭ ‬والعَالَمي‭. ‬هذه‭ ‬الوثيقة‭ ‬اعتبرت‭ ‬أنّ‭ ‬الإنسان‭ ‬والمُواطن‭ ‬ليستا‭ ‬شخصيتين‭ ‬مُنفصلتين‭ ‬بل‭ ‬تتكلّم‭ ‬على‭ ‬شخصيّةٍ‭ ‬واحدة‭ ‬موصوفة‭ ‬من‭ ‬وجهين‭. ‬ما‭ ‬تعنيهُ‭ ‬هذه‭ ‬الوثيقة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬المُنطلق‭ ‬للإعلاء‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭ ‬كمواطن‭ ‬حر،‭ ‬هي‭ ‬أنّ‭ ‬الحقوق‭ ‬المُتضمنة‭ ‬والمُسجّلة‭ ‬فيها‭ ‬تهمُّ‭ ‬المُواطن‭ ‬ــ‭ ‬المُساهم‭ ‬ولا‭ ‬تهمُّ‭ ‬المواطن‭ ‬ــ‭ ‬المُجاور،‭ ‬فهذا‭ ‬المواطن‭ (‬المُجاور‭) ‬حقوقهُ‭ ‬هي‭ ‬حقوقٌ‭ ‬إنسانيّة‭ ‬بالفعل‭. ‬أكّدت‭ ‬هذه‭ ‬الوثيقة‭ ‬أن‭ ‬الحقوق‭ ‬مُتأصِّلة‭ ‬في‭ ‬الإنسان‭ ‬بشكلٍ‭ ‬فطري،‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق‭ ‬إذن‭ ‬هي‭ ‬حقوقُ‭ ‬الإنسان‭ ‬الّذي‭ ‬هو‭ ‬مُواطن‭. ‬

يتجلّى‭ ‬لي‭ ‬هنا‭ ‬تناقضٌ‭ ‬واضح‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬ذكرته‭ ‬هذه‭ ‬الوثيقة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬وما‭ ‬ذكرتهُ‭ ‬الوثائق‭ ‬الإنجليزية‭ ‬التي‭ ‬تعدِّد‭ ‬الحقوق‭ ‬المنزوعة‭ ‬من‭ ‬يدِ‭ ‬الملك،‭ ‬والخاصّة‭ ‬بمجموعةٍ‭ ‬مُحدَّدة‭ (‬رجال‭ ‬الدين،‭ ‬النُّبلاء،‭ ‬المُزارعين‭). ‬نقد‭ ‬المفاهيم،‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬العروي،‭ ‬ص‭ ‬70،‭ ‬72‭.‬

المواطنة‭ ‬العالميّة‭ ‬عند‭ ‬كانط‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬سياقٍ‭ ‬تاريخي‭ ‬شبه‭ ‬متوتر،‭ ‬لأنّه‭ ‬صاغها‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الموسوم‭ ‬بعنوان‭ ‬مشروع‭ ‬السِّلم‭ ‬الدائم،‭ ‬بمناسِبة‭ ‬توقيع‭ ‬اتّفاقية‭ ‬بازل‭ ‬للسلام‭ ‬بين‭ ‬بروسيا‭ ‬سابقاً‭ (‬ألمانيا‭ ‬حالياً‭) ‬وفرنسا‭ ‬المُنتشية‭ ‬بالثورة‭ ‬المجيدة‭. ‬فبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬عولمة‭ ‬سياسيّة‭ ‬أصبحت‭ ‬رؤيا‭ ‬‮«‬السلام‭ ‬الدائم‭ ‬بين‭ ‬الدول‮»‬‭ ‬موضع‭ ‬اهتمامٍ‭ ‬كبير‭. ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬صدر‭ ‬كتابُ‭ ‬كانط‭ ‬الذي‭ ‬ذكرتهُ‭ ‬الآن،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬ذلك‭ ‬الكتاب‭ ‬مرجعا‭ ‬صدى‭ ‬للأفكار‭ ‬والمَخاوِف‭ ‬التي‭ ‬أعقبت‭ ‬سنواتٍ‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬المُدمِّرة‭ ‬بين‭ ‬بروسيا‭ ‬والرجعيات‭ ‬الأوروبية‭. ‬كان‭ ‬الناس‭ ‬حينها‭ ‬يراودهم‭ ‬حلم‭ ‬السلام‭ ‬وأنْ‭ ‬ينعموا‭ ‬بالاستقرار،‭ ‬وأوروبا‭ ‬أنهكتها‭ ‬رحى‭ ‬الحروب‭.‬

برز‭ ‬مفهوم‭ ‬المُواطن‭ ‬في‭ ‬ارتباطه‭ ‬بمشروع‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬الذي‭ ‬وقّعت‭ ‬عليه‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬سنة‭ ‬1789م،‭ ‬وبفضل‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬صارت‭ ‬للإنسان‭ ‬قيمة‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬العالَم،‭ ‬وأصبح‭ ‬يتمتّعُ‭ ‬بعدّة‭ ‬حقوقٍ‭ ‬كان‭ ‬يفتقدها،‭ ‬بيد‭ ‬أنّ‭ ‬لهذا‭ ‬المشروع‭ ‬نظرتين‭ ‬رئيسيّتين‭: ‬النظرةُ‭ ‬الأولى‭ ‬هي‭ ‬الاعترافُ‭ ‬بالوجود‭ ‬المَادي‭ ‬للفرد‭ ‬في‭ ‬المُجتمع،‭ ‬أي‭ ‬أنّ‭ ‬المُجتمع‭ ‬يتشكّلُ‭ ‬من‭ ‬أفراد‭. ‬أمّا‭ ‬النظرة‭ ‬الثانيّة‭: ‬فهي‭ ‬تَعتبِرُ‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يتعلَّقُ‭ ‬بالغيريّة‭ ‬وأنّ‭ ‬كل‭ ‬فردٍ‭ ‬هو‭ ‬فردٌ‭ ‬كقيمةٍ‭ ‬مُطلقةٍ‭ ‬في‭ ‬ذاته‭ ‬ويجبُ‭ ‬أنْ‭ ‬يخضع‭ ‬لنوعٍ‭ ‬من‭ ‬الحُرمة‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى