مُعيقات تشكيل حكومة اشتراكية في إسبانيا

◆ عبدالحميد البجوقي

حقق‭ ‬الحزب‭ ‬الاشتراكي‭ ‬العمالي‭ ‬فوزا‭ ‬تاريخيا‭ ‬بحصوله‭ ‬على‭ ‬123‭ ‬مقعد‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬28‭ ‬أبريل‭ ‬الفارط،‭ ‬مقابل‭ ‬84‭ ‬التي‭ ‬حصل‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬2016،‭ ‬واضح‭ ‬أن‭ ‬الحزب‭ ‬الاشتراكي‭ ‬استرجع‭ ‬عددا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬ناخبيه‭ ‬الغاضبين،‭ ‬ومن‭ ‬المترددين،‭ ‬وأكدت‭ ‬هذه‭ ‬النتائج‭ ‬أن‭ ‬أقدم‭ ‬حزب‭ ‬في‭ ‬اسبانيا‭(‬140‭ ‬سنة‭) ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬تحولا‭ ‬داخليا‭ ‬وانتقالا‭ ‬جيليا‭  ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬قياداته‭ ‬جعل‭ ‬منه‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬قوة‭ ‬سياسة‭ ‬جذابة‭ ‬تستقطب‭ ‬الشباب،‭ ‬وكان‭ ‬لافتا‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬غياب‭ ‬بارونات‭ ‬الحزب‭ ‬والقيادات‭ ‬التاريخية‭ ‬عن‭ ‬الحملة‭ ‬الانتخابية‭ ‬ما‭ ‬أعطى‭ ‬الانطباع‭ ‬عن‭ ‬نهاية‭ ‬عهد‭ ‬وصاية‭ ‬البارونات‭ ‬على‭ ‬الحزب‭ ‬واستقلال‭ ‬القيادة‭ ‬الشابة‭ ‬في‭ ‬قرارها‭ ‬السياسي،‭ ‬كما‭ ‬تميزت‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬بمشاركة‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬عن‭ ‬مليونين‭ ‬ناخب‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬القرن‭ ‬21‭. 

في‭ ‬المقابل‭ ‬حقق‭ ‬الحزب‭ ‬الشعبي‭ ‬اليميني‭ ‬المحافظ‭ ‬هزيمة‭ ‬تاريخة‭ ‬بنزوله‭ ‬إلى‭ ‬66‭ ‬مقعد،‭ ‬وفقدانه‭ ‬لنصف‭ ‬المقاعد‭ ‬التي‭ ‬حصل‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬2016،‭ ‬نتائج‭ ‬وصفتها‭ ‬قيادات‭ ‬من‭ ‬الحزب‭ ‬نفسه‭ ‬بالكارثية‭ ‬وحمّلت‭ ‬المسؤولية‭ ‬لحزب‭ ‬فوكس‭ ‬اليميني‭ ‬المتطرف‭ ‬الذي‭ ‬شبهه‭ ‬قيادي‭ ‬من‭ ‬الحزب‭ ‬بمواد‭ ‬سامة‭ ‬اخترقت‭ ‬اليمين‭ ‬الاسباني‭ ‬وفجّرته‭ ‬من‭ ‬الداخل‭. ‬تقديري‭ ‬أن‭ ‬فيروسات‭ ‬التطرف‭ ‬والفاشية‭ ‬كان‭ ‬يحملها‭ ‬اليمين‭ ‬الاسباني‭ ‬منذ‭ ‬عودة‭ ‬الديموقراطية،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬المباشر‭ ‬وكان‭ ‬الحزب‭ ‬الشعبي‭ ‬وقبله‭ ‬حزب‭ ‬التحالف‭ ‬الشعبي‭ ‬يُعبّر‭ ‬عن‭ ‬اليمين‭ ‬بكل‭ ‬أجنحته‭ ‬وحساسياته‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬بقايا‭ ‬الفرانكوية‭ ‬التي‭ ‬أتى‭ ‬منها‭ ‬مؤسسه‭ ‬آنذاك‭ ‬مانويل‭ ‬فراغا،‭ ‬وليس‭ ‬سرّا‭ ‬أن‭ ‬فوكس‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الحزب‭ ‬الشعبي‭ ‬وقياداته‭ ‬الحالية‭ ‬نمت‭ ‬وترعرعت‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬هذا‭ ‬الحزب‭.‬

حزب‭ ‬بوديموس‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يحفظ‭ ‬ماء‭ ‬الوجه‭ ‬وأن‭ ‬يقلِّل‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬التراجع‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬منتظرا‭ ‬بحصوله‭ ‬على‭ ‬42‭ ‬مقعدا‭ ‬مقابل‭ ‬71‭ ‬مقعدا‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬2016،‭ ‬نتائج‭ ‬غيركافية‭ ‬ليكون‭ ‬حاسما‭ ‬بمفرده‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬مع‭ ‬الحزب‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬استطلاعات‭ ‬على‭ ‬أبواب‭ ‬مراكز‭ ‬التصويت‭ ‬أكدت‭ ‬أن‭ ‬عددا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬ناخبيه‭ ‬عاد‭ ‬للتصويت‭ ‬على‭ ‬الحزب‭ ‬الاشتراكي‭ ‬متذمِّرا‭ ‬من‭ ‬أخطاء‭ ‬القيادة‭ ‬الحالية‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬الخلافات‭ ‬الداخلية‭ ‬وتصفية‭ ‬القيادات‭ ‬المؤسِّسة‭ ‬للحزب‭ ‬وانفراد‭ ‬بابلو‭ ‬إغليسياس‭ ‬بالقرار‭ ‬هو‭ ‬وزوجته‭ ‬إيريني‭ ‬مونطيرو‭ ‬رئيسة‭ ‬الفريق‭ ‬في‭ ‬البرلمان،‭ ‬ولن‭ ‬يسلم‭ ‬في‭ ‬تقديري‭ ‬حزب‭ ‬بوديموس‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬النتائج‭ ‬من‭ ‬هزات‭ ‬داخلية‭ ‬مرتقبة‭.‬

حزب‭ ‬سيودادانوس‭ (‬وسط‭ ‬اليمين‭) ‬حقق‭ ‬فوزا‭ ‬غير‭ ‬منتظر‭ ‬بحصوله‭ ‬على‭ ‬57‭ ‬مقعد،‭ ‬وتقدم‭ ‬إلى‭ ‬المرتبة‭ ‬الثالثة‭ ‬بفارق‭ ‬10‭ ‬مقاعد‭ ‬من‭ ‬الحزب‭ ‬الشعبي،‭ ‬لكنه‭ ‬فوز‭ ‬بطعم‭ ‬الهزيمة،‭  ‬عدم‭ ‬حصوله‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الحزب‭ ‬الشعبي‭ ‬وحزب‭ ‬فوكس‭ ‬على‭ ‬أغلبية‭ ‬كافية‭ ‬لاعادة‭ ‬سيناريو‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬الاندلس‭ ‬تركت‭ ‬الحزب‭ ‬فيما‭ ‬يشبه‭ ‬طريق‭ ‬الصحراء،صعوبة‭ ‬تبرير‭ ‬أي‭ ‬تحالف‭ ‬ممكن‭ ‬مع‭ ‬الحزب‭ ‬الاشتراكي‭ ‬وتشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬ائتلافية،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬تجاوز‭ ‬الحزب‭ ‬الشعبي‭ ‬والانفراد‭ ‬بقيادة‭ ‬المعارضة‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يحلم‭ ‬زعيمه‭ ‬ألبرت‭ ‬ريبيرا‭.‬

الأحزاب‭ ‬القومية‭ ‬والانفصالية‭ ‬بالخصوص‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬نتائج‭ ‬مدهشة‭ ‬كان‭ ‬أبرزها‭ ‬حزب‭ ‬اليسار‭ ‬الجمهوري‭ ‬في‭ ‬كطالونيا‭ ‬الذي‭ ‬رشّح‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬لائحته‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬الكطلانية‭ ‬السابق‭ ‬المعتقل‭ ‬حاليا‭ ‬ويحاكم‭ ‬بتهم‭ ‬العصيان‭ ‬والمس‭ ‬بأمن‭ ‬الدولة‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬15‭ ‬مقعد‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬الوطني‭.‬

الوافد‭ ‬الجديد‭/‬القديم‭ ‬فوكس‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬نتائج‭ ‬أقل‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬ينتظر،‭ ‬كان‭ ‬يطمح‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ “‬غزوة‭” ‬انتخابية‭ ‬ب60‭ ‬أو‭ ‬70‭ ‬مقعدا‭ ‬وحصل‭ ‬على‭ ‬24‭ ‬مقعدا،‭ ‬أي‭ ‬أقل‭ ‬مما‭ ‬حصلت‭ ‬عليه‭ ‬الأحزاب‭ ‬القومية‭ ‬والجهوية،‭ ‬تقديري‭ ‬أن‭ ‬النفخ‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التوقعات‭ ‬كان‭ ‬مقصودا‭ ‬لزرع‭ ‬الخوف‭ ‬في‭ ‬الناخب‭ ‬المتردد‭ ‬وتحريك‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الناخبين،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬بنسبة‭ ‬المشاركة‭ ‬المرتفعة‭ ‬التي‭ ‬سجلتها‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ (‬أكثر‭ ‬من‭ ‬73‭ ‬في‭ ‬المائة‭).‬

تشكيل‭ ‬الحكومة‭:‬

فيما‭ ‬يخص‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة‭ ‬المقبلة،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬هناك‭ ‬سوى‭ ‬مفاجأة‭ ‬واحدة‭ ‬محتملة،‭ ‬وهو‭ ‬سيناريو‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬ائتلافية‭ ‬بين‭ ‬الحزب‭ ‬الاشتراكي‭ ‬وسيودادانوس‭(‬وسط‭ ‬اليسار‭)‬،‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬يبقى‭ ‬السيناريو‭ ‬الذي‭ ‬يطالب‭ ‬به‭ ‬بوديموس‭ ‬بتشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬اءتلافية‭ ‬بين‭ ‬الحزبين‭  ‬و‭ ‬دعم‭ ‬بعض‭ ‬الأحزاب‭ ‬القومية‭ ‬كالحزب‭ ‬الوطني‭ ‬الباسكي‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬لأصوات‭ ‬الأحزاب‭ ‬الانفصالية‭ ‬الكطلانية،‭ ‬والأرجح‭ ‬أن‭ ‬يكتفي‭ ‬بيدرو‭ ‬صانشيص‭ ‬بتشكيل‭ ‬حكومة‭  ‬بأغلبية‭ ‬عادية‭  ‬في‭ ‬الدور‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬التصويت‭ ‬بدعم‭ ‬حزب‭ ‬بوديموس‭ ‬وامتناع‭ ‬الأحزاب‭ ‬القومية‭ ‬عن‭ ‬التصويت،‭ ‬وعبّرت‭ ‬قيادات‭ ‬وازنة‭ ‬من‭ ‬الحزب‭ ‬الاشتراكي‭ ‬صراحة‭ ‬عن‭ ‬ميلها‭ ‬لهذا‭ ‬السيناريو‭ ‬وتشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬من‭ ‬الاشتراكيين‭ ‬وبعض‭ ‬المستقلين‭ ‬والتفاوض‭ ‬مع‭ ‬بوديموس‭ ‬لدعم‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة‭ ‬دون‭ ‬المشاركة‭ ‬فيها‭ ‬مقابل‭ ‬التوافق‭ ‬على‭ ‬برنامج‭ ‬حكومي‭ ‬مشترك،‭ ‬سيناريو‭ ‬ترفضه‭ ‬بوديموس‭ ‬بشدة‭ ‬وتُلحُّ‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬رغبتها‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭.‬

فيما‭ ‬يخص‭ ‬الهجرة‭ ‬والعلاقات‭ ‬مع‭ ‬المغرب،‭ ‬تقديري‭ ‬أن‭ ‬سياسة‭ ‬الحكومات‭ ‬الاشتراكية‭ ‬تاريخيا‭ ‬لم‭ ‬تختلف‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬سياسات‭ ‬اليمين‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الهجرة‭ ‬ولا‭ ‬يُنتظر‭ ‬أنها‭ ‬ستتحسّن‭ ‬إيجابا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تحسين‭ ‬وضعية‭ ‬المهاجرين‭ ‬وحقوقهم،‭ ‬لكن‭ ‬علاقات‭ ‬التعاون‭ ‬الأمني‭ ‬ومحاربة‭ ‬الهجرة‭ ‬السرية‭ ‬ستعرف‭ ‬تحسنا‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬الاشتراكية‭. ‬

بالنسبة‭ ‬للعلاقات‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭ ‬أعتقد‭ ‬أنها‭ ‬ستستمر‭ ‬بوثيرتها‭ ‬الحالية‭ ‬ولن‭ ‬يتأثر‭ ‬الموقف‭ ‬الاسباني‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الصحراء‭ ‬بانخراط‭ ‬بوديموس‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬المقبلة‭ ‬لسببين‭:‬

ـ‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬بوديموس‭ ‬بتراجعها‭ ‬المُهول‭ ‬وفقدانها‭ ‬ل30‭ ‬مقعدا‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬قوة‭ ‬ولا‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬شروطها‭.‬

ـ‭ ‬خطاب‭ ‬بوديموس‭ ‬أثناء‭ ‬الحملة‭ ‬الانتخابية‭ ‬وقبلها‭ ‬عرف‭ ‬تحولا‭ ‬وتميز‭ ‬بالبراغماتية‭ ‬والاعتدال‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬إعطاء‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬حزب‭ ‬دولة‭ ‬جاهز‭ ‬لممارسة‭ ‬مهام‭ ‬الحكم‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى