بأي حال عدت أيها العيد؟

◆ امبارك المتوكل

ارتبط‭ ‬العيد‭ ‬الأممي‭ ‬للطبقة‭  ‬العاملة‭ ‬بحدث‭ ‬تاريخي‭ ‬عرفته‭ ‬مدينة‭ ‬شيكاغو‭ ‬الأمريكية‭ ‬سنة‭ ‬1886،‭ ‬إذ‭ ‬وُوجِه‭ ‬بالعنف‭ ‬عمال‭  ‬لهم‭ ‬مطالب‭ ‬تتعلق‭  ‬بالأجور‭ ‬وساعات‭ ‬العمل‭ ‬والراحة‭ ‬الأسبوعية‭ ‬والسنوية‭ ‬المدفوعة‭ ‬الأجر‭. ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬يوم‭ ‬20‭  ‬يونيو‭ ‬1981،‭ ‬فعوض‭ ‬الحوار‭ ‬والتفاوض‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬بين‭ ‬الأطراف،‭ ‬لجأت‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬القوة‭ ‬الغاشمة،‭ ‬وكان‭ ‬الجواب‭ ‬على‭ ‬المطالب‭ ‬بالرصاص،‭ ‬ثم‭ ‬سخر‭ ‬القضاء‭ ‬لاستكمال‭ ‬المهمة‭ ‬القذرة‭. ‬كان‭ ‬العمال‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬الغربية‭ ‬مهد‭ ‬الثورة‭ ‬البورجوازية‭ ‬يتجمعون‭ ‬للاحتجاج‭ ‬على‭ ‬شاطئ‭ ‬البحر‭ ‬أو‭ ‬الأنهار،‭ ‬ومن‭ ‬تم‭ ‬جاءت‭ ‬التسمية‭ ‬الفرنسية‭ ‬للإضراب،‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬شاطئ،‭ ‬وعندما‭ ‬تهاجمهم‭ ‬السلطات‭ ‬كانوا‭ ‬يحتمون‭ ‬بالبحر‭ ‬أو‭ ‬النهر‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانوا‭ ‬يجهلون‭ ‬السباحة‭.                      ‬‭     

وإذا‭ ‬كان‭ ‬العالم‭ ‬يحتفل‭ ‬بهذا‭ ‬اليوم‭ ‬كعيد‭ ‬للعمال‭ ‬وسائر‭ ‬الأجراء،‭ ‬فانه‭ ‬يعتبر‭ ‬أيضا‭ ‬فرصة‭ ‬تقف‭ ‬فيها‭ ‬المنظمات‭ ‬العمالية‭ ‬من‭ ‬نقابات‭ ‬وأحزاب‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أنجزته‭ ‬وحققته‭ ‬من‭ ‬مطالب‭ ‬ومكاسب‭ ‬وما‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬هزائم‭ ‬ونكسات‭ ‬خلال‭ ‬السنة،

وبما‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭  “‬حسب‭ ‬تعبير‭ ‬جورج‭ ‬لوكاتش‭”  ‬سلاح،‭ ‬فإن‭ ‬الطبقة‭ ‬المسيطرة‭ ‬تسخرها‭ ‬لقمع‭ ‬كل‭ ‬تحرك‭ ‬يمس‭ ‬مصالحها‭ ‬أو‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬السائدة،‭ ‬أو‭ ‬مراجعتها‭ ‬لصالح‭ ‬الطرف‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬قوى‭ ‬الإنتاج‭. ‬ولعل‭ ‬المثال‭ ‬الصارخ‭ ‬لتوظيف‭ ‬الدولة‭ ‬لصالح‭ ‬الرأسمال‭ ‬المتوحش،‭ ‬هو‭ ‬تلك‭ ‬المحاولة‭ ‬البئيسة‭ ‬التي‭ ‬حاولت‭ ‬بها‭ ‬الحكومة‭ ‬تمرير‭ ‬قانون‭ ‬20‭ ‬22،‭ ‬والذي‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬التفكير‭ ‬فيه‭ ‬والسعي‭ ‬إلى‭ ‬فرضه‭ ‬إلا‭ ‬لحماية‭ ‬الرأسمال‭ ‬الخاص،‭ ‬الذي‭ ‬يزداد‭ ‬تغولا‭ ‬وتوغلا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية،‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬توفيرها‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الدولة‭ ‬كالصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والسكن‭ ‬والشغل‭. ‬فالقانون‭ ‬في‭ ‬عرف‭ ‬الرأسمالية‭ ‬لا‭ ‬يوضع‭ ‬لإنصاف‭  ‬المتضررين‭ ‬والمستضعفين،‭ ‬والذين‭ ‬يسعى‭ ‬القانون‭ ‬السالف‭ ‬الذكر‭ ‬إلى‭ ‬سحقهم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬أحكام‭ ‬قاسية‭ ‬بالسجن‭ ‬الطويل‭ ‬المدة‭ ‬والغرامات‭ ‬الثقيلة،‭ ‬بل‭ ‬يوضع‭ ‬لحماية‭ ‬الرأسمال‭ ‬والاحتكار‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬لا‭ ‬الأخلاق‭ ‬ولا‭ ‬القيم‭. ‬على‭ ‬أن‭ ‬التراجع‭ ‬الحالي‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬الفضيحة،‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬إلا‭ ‬مؤقتا،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬ضرورة‭ ‬استمرار‭ ‬اليقظة‭ ‬والحذر‭ ‬والاستعداد‭ ‬لمواجهة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يمس‭ ‬حق‭ ‬المواطن‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬رأيه‭ ‬سلميا‭ ‬وبكل‭ ‬الوسائل‭ ‬المتاحة‭.‬

ها‭ ‬نحن‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬عوض‭ ‬أن‭ ‬تنجز‭ ‬المهام‭ ‬التي‭ ‬يمولها‭ ‬دافعو‭ ‬الضرائب،‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬مبرر‭ ‬وجودها،‭ ‬تنسحب‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المهام‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬قرارات‭ ‬وشعارات‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬جذابة،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬تأويلها‭ ‬ما‭ ‬يؤثر‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬الطبقات‭ ‬المسحوقة‭ ‬أصلا،‭ ‬بالبطالة‭ ‬وبالاقتطاعات‭ ‬من‭ ‬الأجر‭ ‬والغرامات‭… ‬ولعل‭ ‬السىء‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القرارات‭ ‬وربما‭ ‬ليس‭ ‬الأسوأ‭ ‬الدعوة‭ ‬الى‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬العمومي‭ ‬والخاص‭ (‬p.p.p‭) ‬والتي‭ ‬تهدف‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬الى‭ ‬التغطية‭ ‬على‭ ‬فتح‭ ‬مجال‭ ‬الخدمات‭ ‬الاساسية‭ ‬للقطاع‭ ‬الخاص‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬يستحوذ‭ ‬على‭ ‬مجالات‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬والسكن‭.‬اما‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التشغيل‭ ‬فلم‭ ‬تبق‭ ‬العقدة‭ ‬المحدودة‭ ‬المدة‭ ‬سلاحا‭ ‬ضد‭ ‬كل‭  ‬محاولة‭ ‬تنظيم‭ ‬نقابي‭ ‬أو‭ ‬مجرد‭ ‬المطاابة‭ ‬بتحسبن‭ ‬شروط‭ ‬العمل‭ ‬اذ‭ ‬انتقلت‭ ‬العقدة‭ ‬الى‭ ‬مجالات‭ ‬تعنى‭ ‬بالأمن‭ ‬البدني‭ ‬والنفسي‭ ‬والروحي‭ ‬للمواطن‭.‬لتعم‭ ‬الهشاشة‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭.‬ان‭ ‬لجوء‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬التشغيل‭ ‬المؤقت‭ ‬في‭ ‬مناصب‭ ‬دائمة‭ ‬وفي‭ ‬الوظيفة‭ ‬العمومية‭ ‬بشكل‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للإنسان‭ ‬ان‭ ‬يعطي‭ ‬فيها‭ ‬الا‭ ‬اذا‭ ‬كان‭ ‬يشعر‭ ‬بالاستقرار‭ ‬والأمان‭.‬لذلك‭ ‬فان‭ ‬تدني‭ ‬مستوى‭ ‬الخدمات‭ ‬ونقصان‭ ‬المردودية‭ ‬ليس‭ ‬مرده‭ ‬ضعف‭ ‬مستوى‭ ‬أو‭ ‬استقامة‭ ‬الموظف‭ ‬المغربي‭ ‬كما‭ ‬يحاولون‭ ‬ان‭ ‬يوهمونا‭ ‬وقد‭ ‬برهن‭ ‬موظفو‭ ‬وأعوان‭ ‬الصحة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تصديهم‭ ‬البطولي‭ ‬لهذه‭ ‬الجائحة‭ ‬التي‭ ‬نتمنى‭ ‬التخلص‭ ‬السريع‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬انها‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬زائلة‭.‬وتبقى‭ ‬الجائحة‭ ‬الاكبر‭ ‬والدائمة‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬نتخلص‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬بتوحيد‭ ‬الصفوف‭ ‬والنضال‭ ‬المستميت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬والديمقراطية‭ ‬الحقيقية‭.‬

ان‭ ‬ما‭ ‬عرفه‭ ‬المغرب‭ ‬منذ‭ ‬برنامج‭ ‬اعادة‭ ‬التصميم‭ ‬الهيكلي‭ ‬وما‭ ‬رافقه‭ ‬من‭ ‬قمع‭ ‬وتضييق‭ ‬على‭ ‬الحريات‭ ‬خاصة‭ ‬خلال‭ ‬سنتي1983‭-‬1984

تلك‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬املتها‭ ‬مراكز‭ ‬الهيمنة‭ ‬الامبريالية‭ ‬والتي‭ ‬مازال‭ ‬المغاربة‭ ‬يكتوون‭ ‬بنارها‭ ‬والتي‭ ‬ثبت‭ ‬وباعتراف‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬نفسه‭ ‬بنواقصها

وتأثيراتها‭ ‬السلببة‭ ‬على‭ ‬اقتصادات‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬استجابت‭ ‬لتوجيهات‭ ‬واملاءات‭ ‬مراكز‭ ‬الهيمنة‭ ‬المتحكمة‭ ‬في‭ ‬مصائر‭ ‬الأمم‭ ‬والشعوب‭.‬لقد‭ ‬آن‭ ‬لتنظيمات‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬نقابات‭  ‬واحزاب‭ ‬وخصوصا‭ ‬بعد‭ ‬تجربة‭ ‬كرونا‭ ‬ان‭ ‬تنهض‭ ‬بالمسؤوليات‭ ‬الملقاة‭ ‬على‭ ‬عاتقها‭ ‬وان‭ ‬تتوجه‭ ‬للمستقبل‭ ‬بخطى‭ ‬تابثة‭ ‬قصد‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬العدل‭ ‬والحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬النضال‭ ‬والصراع‭ ‬الطبقي‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وسياسيا‭ ‬بدءا‭ ‬بالنضال‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬ديموقراطية‭ ‬يقرر‭ ‬فيها‭ ‬الشعب‭ ‬مصيره‭ ‬بواسطة‭ ‬الانتخابات‭ ‬الحرة‭ ‬والنزيهة‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬تو‭ ‬ظيف‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬العرق‭ ‬او‭ ‬القبيلة‭ ‬وبذلك‭ ‬سيفتح‭ ‬المغاربة‭ ‬نافذة‭ ‬على‭ ‬المستقبل‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى