Uncategorizedالمرأة

النساء في زمن الوباء

◆ زهراء الجوهري

منذ بدأ انتشار فيروس كورونا المستجد Covid-19 في أرجاء العالم وتصنيفه كوباء عالمي، كانت جل الإحصائيات الدولية تشير إلى أن نسب المصابين بين الرجال والنساء متساوية تقريبا في العالم بأسره.وهو ما أكدته دراسة أجراها المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، والتي نشرت شهر فبراير من العام الجاري، مما يعني أن الفيروس لا يفرق بين رجل وامرأة، والاثنان لديهما نفس الاحتمالية لالتقاط العدوى. لكن تداعيات هذه الأزمة الصحية العالمية أظهرت أنه يمكن أن يكون للفيروس تأثير مختلف على المرأة والرجل كل على حدة.

توزيع جميع الحالات المؤكدة بالإصابة بالفيروس في الصين حسب العمر والجنس إلى حدود 11 فبراير 2020، A مدينة ووهان،  B إقليم هوبي، C الصين ككل: تقرير المركز الصيني لمكافحة الأمراض


النساء في الصفوف الأمامية لمواجهة الفيروس:
بحكم ارتفاع نسب دخول النساء إلى سوق الشغل عبر العالم وتحديدا في مجال الصحة والرعاية الاجتماعية، أصبحت تشكل المرأة أزيد من 70٪ من نسبة الأخصائيين الصحيين والاجتماعين حول العالم مما يضعهن في جبهة القتال ومواجهة الوباء، مع العلم أن نصف مساهمة المرأة في الصحة العالمية تأتي على شكل مساعدة غير مدفوعة الأجر تصل إلى 3 مليار دولار أمريكي كل سنة حسب منظمة الصحة العالمية. وليس هذا فقط بل والأكثر من ذلك أن الفترة الوبائية يمكن أن تكون سببا في عدم تمكن النساء من الحصول على الرعاية الصحية والعلاج الطبي اللازم. ففي حين توجه فيه النظم الصحية اهتماماتها وطاقاتها نحو مواجهة الوباء، غالبا ما يتم تجاهل خدمات ومستلزمات الصحة الجنسية والإنجابية للنساء. هذا بالإضافة إلى التأثير السلبي الذي يطال النساء الحوامل اللواتي تحتجن للرعاية الصحية والمتابعة الطبية بانتظام، وبالخصوص في الظرفية الحالية نظرا لغياب المعطيات الكافية لتقييم مدى حساسية النساء الحوامل تجاه الفيروس، أو مدى تأثيره عليهن، علما أن المرأة تخضع لتغيرات فيزيولوجية ومناعية خلال فترة الحمل، مما قد يجعلها أكثر حساسية و عرضة للمضاعفات الفيروسية للجهاز التنفسي، كما هو الحال بالنسبة للإنفلوانزا أو السعال الديكي، وهما مرضان يجب على النساء الحوامل التطعيم ضدهما، وبتتبع النوبات السابقة من عدوى الفيروس التاجي سارس التي حدثت سنة 2003، فقد أظهرت الدراسات أن النساء اللواتي  التقطن عدوى فيروس سارس خلال فترة الحمل زادت عندهن مخاطر الولادة المبكرة أو مخاطر الإجهاض أو وفيات الأجنة. كما أن الحمى التي يتسبب بها الفيروس للمريضة أثناء الثلث الأول من الحمل تزيد من خطر التشوهات لدى الجنين.
لذلك فمن الواجب التأكد والحرص على أن تتلقى جميع النساء الرعاية الصحية الجيدة والكافية خصوصا في حالات الاشتباه أو تأكيد الإصابة بفيروس كورونا.
وقد أصدر صندوق الأمم المتحدة مذكرة تفسيرية وضح فيها أن الوباء ليس له نفس التأثير على كلا الجنسين، إذ أن الفترة الوبائية تزيد من تفاقم التفاوتات المبنية على أساس النوع وتزيد من حدتها.
الحجر الصحي، خطر أم وسيلة وقائية؟
بعد تقييد الحركة وفرض تدابير الحجر المنزلي في العديد من الدول وفرض قوانين زجرية لمعاقبة كل من يخرق التعليمات، ظهرت بعض الفئات هنا وهناك تصفق لتقلص نسب التحرش الجنسي خلال هذه الفترة، بينما تناسى الجميع أن التحرش ليس أسلوب العنف الوحيد الذي يمارس على المرأة. ففي الآونة الأخيرة ظهرت موجات تنمر وتهكم على المرأة عن طريق نكات وفيديوهات.. يتداولها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي للسخرية من النساء خلال فترة الحجر من قبيل “أنقذوني.. ثرثرة زوجتي ستقتلني” أو “لم أعد قادرا على تحمل زوجتي”، وهي سخرية بدأت تأخذ طابعا عنصريا مبنيا على التمييز على أساس النوع والجنس، فالأمر ليس بالبساطة التي قد تبدو عليها، لأن هذه السخرية تعمل على بلورة وعي جمعي متقبل لرفض الآخر والتنقيص منه، بل ولتبرير قمعها وتعنيفها أيضا.

و في هذا الصدد دقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر في الخامس من الشهر الجاري حيث أطلق الأمين العام للأمم المتحدة نداء جديدا للسلام حول العالم، داخل المنازل هذه المرة، داعيا جميع الحكومات إلى الحرص على سلامة المرأة و محاربة العنف الممارس عليها وجبر الضرر الواقع جراءه، واعتبار محاربة هذا العنف جزءا رئيسيا من خططها الوطنية للتصدي لوباء كورونا. لأن المنزل لم يعد يعتبر المكان الآمن للاحتماء فيه من مخاطر المرحلة بالنسبة للعديد من النساء اللواتي وجدن أنفسهن حبيسات مع معنفيهن على مدار اليوم، ومحرومات من إمكانية الفرار أو طلب المساعدة من طرف الأسرة أو من طرف منظمات وجمعيات حقوق النساء أو مراكز الاستماع أو خلايا العنف التابعة للشرطة بسبب إجراءات الحجر. مما أدى إلى ارتفاع مهول للعنف المنزلي في العديد من الدول؛ حيث سجلت المملكة المتحدة ارتفاعا بنسبة ٪25 من خلال تقارير و مكالمات الإبلاغ عن العنف المنزلي، كما سجلت إسبانيا ارتفاعا بنسبة ٪16 و ٪20 في تكساس و ٪40 إلى ٪50 بالبرازيل. أما في تونس فقد صرحت وزيرة النساء و الأطفال و كبار السن أن عدد الاعتداءات ضد النساء المبلغ عنها قد زاد 5 أضعاف مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2019، إذ تم الإبلاغ عن أكتر من 40 امرأة من ضحايا العنف ما بين 23 و29 من شهر مارس. وهي اعتداءات تطلبت دخول المستشفى عند حالتين.

تعطي هذه الأرقام بعض الأدلة على حجم المشكلة ودرجة استفحالها، لكنها تغطي فقط البلدان التي توجد فيها أنظمة لإعداد التقارير: فمع انتشار الفيروس في البلدان التي تعاني من ترهل مؤسساتها الاجتماعية ضعف بنية التتبع، فهي لا تتوفر على بيانات والمعلومات أقل، لهذا فمن المتوقع أن يكون مقدار الاعتداءات على النساء والفتيات أعلى.

فضحايا العنف المنزلي مع الحالة الوبائية في تزايد، كما هو الحال في المغرب، إذ لم يتمكن حتى الآن من توثيق تأثير الوباء على الزيادة في عدد الاعتداءات على النساء،  و لم يقترح بدائل للرد عليها بشكل ملموس، زد على ذلك أن إطلاق سراح السجناء المتورطين في قضايا العنف والجرائم  في حق النساء والعفو عنهم خلال هذه الفترة، هو عنف في حد ذاته ممارس من طرف الدولة على النساء وبشكل مضاعف وتسلط على المجتمع ككل.
يمكن أن نفسر ارتفاع أعداد ضحايا هذا العنف في شتى أنحاء العالم بتزايد الضغوطات المرتبطة بالحجر المنزلي والضغوطات الاقتصادية بسبب تسريح العمال و فقدان الدخل أو محدوديته، وكذلك إلى هيمنة النظام البطرياركي المترسخ في الأذهان عن طريق الأعراف و التقاليد و الدين… نظام يميل دائما إلى كفة الرجل وإلى استضعاف المرأة،هذا من جهة، ومن جهة أخرى يرجع هذا الارتفاع بالأساس إلى ضعف ومحدودية القوانين التي تجرم العنف ضد النساء، بل وتشرعنه في بعض الأحيان في بعض الدول النامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى