الأشعة.. موت من أجل الحياة
وأنت تشاهد سلسلة Emergency room الأمريكي أو مسلسل لحظات حرجة المصري، أو حتى بعض الأشرطة الوثائقية قد تندهش من الدور الذي يقوم به العاملون بمصلحة المستعجلات لإنقاذ الأرواح. لكن خلف تلك المصالح الخارجية، قاعات في قمة الحساسية، لا تقل أهمية عن المستعجلات، إلا أنها لم تحظى بفرصة تصويرها عبر كاميرات المخرجين، وفي أحسن الأحوال قد تحظى بمشهد عابر، قد ينساه المشاهد بمجرد انتهاء الحلقة.. إنها قاعات الأشعة.
عالم الأشعة هذا، يصطلح عليه بعين الطب، أو “مسباره الفضائي” للنفاذ لعمق الجسم البشري، يساعد على اكتشاف مكان الخلل في حالة وجود كسور في العظام، أو إشكال رئوي على سبيل المثال، تساهم الأشعة في اختصار الزمن وربح الوقت في الحالات الحرجة، ويعتبر مقدسا في الكشف عن السرطان، و قد تشكل الأشعة أيضا مدخلا للعلاج عبر تقنيات العلاج بها. مدة الكشف تمتد إلى خمس دقائق في حالة التصوير بالأشعة السينية، و قد تصل إلى ساعة في حالة استعمال التصوير بالرنين المغناطيسي قد تبدو المدة ضئيلة لكنها كافية لكشف ما بداخل الإنسان من أسرار و إن كان الضرر بضعا من ميليمترات.
قد يبدو إلى حدود كتابة هاته الأسطر أن العمل في الأشعة مسألة سهلة، وتقديم لخدمة نبيلة اعتيادية، لكن إذا طُلب من أحد المختصين توصيفها فلن بتردد بتشبيهها بالقمر، فرغم وجهها المضيء، يبقى لها أيضا وجه مظلم. فتلك الأشعة نفسها التي تنقذ حياة المرضى، هي ذاتها قد تشكل حبلا يلتف تدريجيا حول أعناقنا. فمن الضروري تجهيز القاعات بالرصاص العازل للحماية من التسرب، كما توصي بذلك الجهات المسؤولة عن المراقبة والسلامة الصحية، إضافة إلى اعتماد العاملين على مبادئ الوقاية من الأشعة الثلاث المعروفة لدى المختصين في الميدان، والمتمثلة في تقليل الكمية المستعملة في التشخيص، وخلق توازن بين الكمية وجودة الصورة، ومن المهم التنبيه إلى أن تسرب كمية من الأشعة، بشكل يومي إلى جسم العامل ولو بكمية قليلة جدا قد يؤدي بنا مع مرور الوقت إلى مضاعفات صحية ليست بالهينة، بدءا بالطفحات الجلدية مرورا بالعقم ووصولا إلى أشد أنواع السرطانات فتكا. دون أن ننسى خوف العاملين في مراكز تستعمل جرعات كبيرة من الأشعة، كمصالح العلاج بها أو الطب النووي فالخطأ فيها يكلف حياة العامل.
عن نفسي لست نادم عن اختياري لهاته المهنة، فسعادتي لا توصف حين أساعد في إنقاذ حياة الآخرين خصوصا في هذا الزمن الوبائي الأغبر، لكن يبقى السؤال الذي يراودني كل صباح و أنا أفتح المصلحة.. ماذا لو كانت الجرعة التي سأتلقاها اليوم من الأشعة هي السبب في معاناتي مستقبلا ؟؟