جاك رانسيير.. العمال المثقفون

◆ ترجمة: عبد الكريم وشاشا

◆ عبد الكريم وشاشا

ولد الفيلسوف الفرنسي جاك رانسيير (Jacques Rancière) في الجزائر عام 1940. شارك في كتابة «قراءة رأس المال» مع لوي آلتوسير. متخصص في الديمقراطية. مؤلف العديد من الدراسات المشهورة: «الفلسفة وفقراؤها» (فلاماريون، 1983)، «كراهية الديمقراطية» وغيرها… نقدم هنا مقتطف من حوار طويل بمناسبة تجميع نصوص Louis Gabriel Gauny (1806-1889) وهو عامل فرنسي، شاعر وفيلسوف.

 

  ‬من‭ ‬هو‭ ‬البروليتاري‭ ‬؟

‭-  ‬البروليتاري‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬فئة‭ ‬اجتماعية‭ ‬ورمزية‭ ‬تغطي‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المهن‭ ‬والحرف‭ ‬اليدوية‭. ‬في‭ ‬فترة‭ ‬ما،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬تقسيم‭ ‬أكبر‭ ‬مع‭ ‬هيئات‭ ‬الدولة،‭ ‬مهن‭ ‬متخصصة‭ ‬للغاية‭. ‬اختفت‭ ‬المعامل‭ ‬والمصانع‭ ‬الكبيرة،‭ ‬وعدنا‭ ‬إلى‭ ‬تجزئة‭ ‬العمل‭ ‬إلى‭ ‬وحدات‭ ‬صغيرة‭. ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬يتشارك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬المستخدمين‭ ‬والأجراء‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعيشها‭  Louis Gabriel Gauny  : ‬العمل‭ ‬الغير‭ ‬المستقر،‭ ‬العمل‭ ‬المؤقت،‭ ‬يليه‭ ‬فترات‭ ‬البطالة،‭ ‬نعمل‭ ‬بدوام‭ ‬جزئي،‭ ‬وعندما‭ ‬نعثر‭ ‬على‭ ‬عمل،‭ ‬ننجزه‭ ‬بأقصى‭ ‬قدر‭ ‬ممكن‭. ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الحرف‭ ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬مهيمَنين‭ ‬بطريقة‭ ‬قوية‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العاملين‭ ‬غير‭ ‬مؤهلين‭. ‬وأولئك‭ ‬الذين‭ ‬ليسوا‭ ‬عمالا‭ ‬بالمعنى‭ ‬التقليدي،‭ ‬أجراء‭ ‬للتوزيع‭ ‬الكبير،‭ ‬يقومون‭ ‬دائما‭ ‬بأشغال‭ ‬شاقة‭ ‬للغاية‭. ‬بجانب‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬من‭ ‬العمال‭ ‬الغير‭ ‬مستقرة،‭ ‬العمال‭ ‬المؤقتين،‭ ‬الذين‭ ‬يتم‭ ‬استدعاؤهم‭ ‬اليوم،‭ ‬ورميهم‭ ‬على‭ ‬الرصيف‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭.. ‬إن‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬اليوم‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬البروليتاريا‭ ‬تحدد‭ ‬طريقة‭ ‬معينة‭ ‬للوجود،‭ ‬وضعا‭ ‬اجتماعيا‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬التكنولوجي‭.‬

Gabriel Gauny  ‬هو‭ ‬ملتقى‭ ‬التقاطع‭ ‬بين‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬والمثقف،‭ ‬هل‭ ‬تشعر‭ ‬اليوم‭ ‬أنه‭ ‬توجد‭ ‬قطيعة‭ ‬تامة‭ ‬بين‭ ‬هذين‭ ‬العالمين‭ ‬؟‭   

‭- ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬قول‭ ‬ذلك،‭ ‬فلحظة‭ ‬Gabriel Gauny‭ ‬أتت‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬1789،‭ ‬بعد‭ ‬الملحمة‭ ‬النابوليونية،‭ ‬ثورة‭ ‬1830،‭ ‬إنها‭ ‬الحركة‭ ‬الرومانسية‭. ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬تم‭ ‬إضعاف‭  ‬التقسيمات‭ ‬ولاسيما‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وظهرت‭ ‬انتاجات‭ ‬فكرية‭ ‬للبروليتاريين،‭ ‬تم‭ ‬تقاسمها‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع،‭ ‬وكان‭ ‬Gauny‭ ‬وأقرانه‭ ‬يطالعون‭ ‬فيكتور‭ ‬هوجو‭ (‬Victor Hugo‭) ‬والشعر‭ ‬الرومانسي،‭ ‬كما‭ ‬صادفوا‭ ‬السان‭ ‬السيمونية‭ (‬saint-simonisme‭) ‬وأيضا‭ ‬نظريات‭ ‬أخرى‭.. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬تداول‭ ‬للأفكار،‭ ‬والتي‭ ‬نسيناها‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما،‭ ‬وهي‭ ‬مرتبطة‭ ‬بلحظة‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬سيكون‭ ‬عليه‭ ‬المجتمع‭ ‬الجديد‭. ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬إرادة‭ ‬قوية‭ ‬في‭ ‬دمج‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬الطبقات‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬كتلة‭ ‬الشعب‭. ‬فالموضوعة‭ ‬العامة‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬إعادة‭ ‬الروابط‭ ‬بين‭ ‬النخبة‭ ‬المفترضة‭ ‬والشعب‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬هناك‭ ‬تأطير‭ ‬للحركة‭ ‬العمالية‭ ‬كقوة‭ ‬مؤسسية‭ ‬بالفكر‭ ‬الماركسي‭. ‬ومع‭ ‬تفكك‭ ‬القوة‭ ‬النظرية‭ ‬للماركسية‭ ‬والقوة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للأحزاب‭ ‬والنقابات،‭ ‬وجدنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭: ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬نعرف‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬سنطلق‭ ‬البروليتاري،‭ ‬هناك‭ ‬فعلا‭ ‬انعدام‭ ‬تحديد‭ ‬الهوية‭ ‬désidentification‭  ‭(‬هو‭ ‬مفهوم‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفس‭- ‬الاجتماعي‭  ‬طوره‭ ‬الأكاديمي‭ ‬الأمريكي‭ ‬خوسيه‭ ‬إستيبان‭ ‬مونيوز‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ “‬التفرقة‭”.)‬‭ ‬بالمعنى‭ ‬السلبي‭ ‬للمفهوم‭.‬

كيف‭ ‬نفسر‭ ‬ذلك‭ ‬؟

‭- ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬أرادت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬العمال‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الثقافة‭ ‬والفكر،‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يحدث‭ ‬مجددا‭ ‬لأننا‭ ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬تحت‭ ‬الظروف‭ ‬نفسها،‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بعصاميين‭ ‬بالكاد‭ ‬ذهبوا‭ ‬إلى‭ ‬مقاعد‭ ‬الدراسة،‭ ‬علموا‭ ‬أنفسهم‭ ‬بأنفسهم،‭ ‬اليوم‭ ‬يوجد‭ ‬تعليم‭ ‬إجباري‭ ‬وأصبح‭ ‬الوصول‭ ‬سهلا‭ ‬إلى‭ ‬الثقافة‭ ‬بجميع‭ ‬الوسائل‭ (‬الانترنيت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭…) ‬وهو‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬يتم‭ ‬بشكل‭ ‬فردي‭ ‬للغاية‭. ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يجتمعون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬دعاة‭ ‬السان‭ ‬سيمونية،‭ ‬قد‭ ‬يستمعون‭ ‬اليوم‭ ‬ربما‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬الانترنيت‭. ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مؤكد‭ ‬هو‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬البنية،‭ ‬هناك‭ ‬أيضا‭ ‬إنكار‭ ‬ورفض،‭ ‬وهناك‭ ‬عقيدة‭ ‬رسمية‭ ‬تجعلنا‭ ‬نعتقد‭ ‬بأننا‭ ‬مع‭ ‬المجتمع‭ ‬الاستهلاكي‭ ‬سنكون‭ ‬جميعا‭ ‬بورجوازيين‭ ‬صغار‭ ‬وأننا‭ ‬سنتقاسم‭ ‬الظروف‭ ‬نفسها،‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬السائدة‭ ‬تجعل‭ ‬تحليل‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬صعبا‭ ‬للغاية‭.. ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬شابا‭ ‬قابلت‭ ‬عمالا‭ ‬متعلمين‭ ‬ومناضلين،‭ ‬فالنضال‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬التحول‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬وولوج‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الفكر‭ ‬والثقافة‭.. ‬واليوم‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬رؤية‭ ‬ما‭ ‬نحن‭ ‬عليه‭ ‬الآن‭… ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬اختفى‭..‬

أنتم‭ ‬الذين‭ ‬عرفتم‭ ‬ماي‭ ‬68‭ ‬و‭”‬نوي‭ ‬دوبو‭” (‬حركة‭ ‬الوقوف‭ ‬ليلا،‭ ‬حركة‭ ‬اجتماعية‭ ‬تعتصم‭ ‬ليلا‭ ‬بساحة‭ ‬الجمهورية‭ ‬قلب‭ ‬باريس‭) ‬،‭ ‬هل‭ ‬لديكم‭ ‬إحساس‭ ‬بأن‭ ‬هذين‭ ‬المتواليين‭ ‬المعينين‭ ‬أديا‭ ‬إلى‭ ‬تقارب‭ ‬طبقي‭ ‬؟؟         

في‭ ‬ماي‭ ‬68‭ ‬حدث‭ ‬تقارب‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الحواجز‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬ونقابة‭ ‬CGT‭ (‬الكونفدرالية‭ ‬العامة‭ ‬للشغل‭). ‬في‭ ‬عام‭ ‬1968‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬معمل‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬للطلاب‭ ‬الذهاب‭ ‬إليه،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬نقاش‭ ‬طرح‭ ‬فيه‭ ‬عامل‭ ‬شاب‭ ‬سؤالا‭ ‬يطرحه‭ ‬أيضا‭ ‬طلابي‭ ‬في‭ ‬الأقسام‭ ‬النهائية‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬الثانوي‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬الراقية‭.. ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬هناك‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬العمال‭ ‬الذين‭ ‬ذهبوا‭ ‬إلى‭ ‬السوربون‭ ‬وانخرطوا‭ ‬في‭ ‬نقاشات‭ ‬مع‭ ‬الطلبة،‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬من‭ ‬الفكر‭ ‬والثقافة‭.. ‬أما‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ “‬الوقوف‭ ‬ليلا‭” ‬فالأمر‭ ‬مختلف‭ ‬جدا،‭ ‬فلم‭ ‬نعد‭ ‬نتواجد‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفجوة‭: ‬الطلبة‭ ‬والعمال،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬وطلاب‭ ‬المدارس‭ ‬الثانوية‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الحركة،‭ ‬لكنها‭ ‬فئة‭ ‬مختلطة‭ ‬وغير‭ ‬محددة‭: ‬طلبة‭ ‬يمارسون‭ ‬مهن‭ ‬مختلفة‭ ‬وأعمال‭ ‬يدوية،‭ ‬فنانون،‭ ‬عاطلون‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬بين‭ ‬عوالم‭ ‬عديدة‭..‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لديهم‭ ‬أي‭ ‬مانع‭ ‬للالتحاق‭ ‬بالطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ينظر‭ ‬إليها‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬متجانسة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬سنة‭ ‬1968،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تلك‭ ‬المعايير‭ ‬عمال‭ ‬وطلبة،‭ ‬واختفت‭ ‬تلك‭ ‬الصراعات‭ ‬بين‭ ‬المنظمات‭ ‬العمالية‭ ‬الرسمية‭ ‬والطلبة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمان‭ ‬حيث‭ ‬البروليتاريا‭ ‬ومعنى‭ ‬التاريخ‭ ‬حاضرين‭… ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬اختفى،‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬غامض‭ ‬وحائر‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬عصر‭ ‬Gabriel Gauny  ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينشأ‭ ‬مفاهيمه‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬هناك‭ ‬استئناف‭ ‬موضوعات‭ ‬1968‭ ‬داخل‭ ‬حركة‭ “‬الوقوف‭ ‬ليلا‭”.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى