“عالم ما بعد كوفيد-19.. الحمل الكاذب” للباحث السوسيولوجي د.خالد شهبار
كتاب صدر - ◆ م.م
” لا نسعى لاصطياد الغراب بغية التأكد من سواد لونه “
”عالم ما بعد كوفيد-19.. الحمل الكاذب”، هو عنوان الإصدار الأخير للباحث السوسيولوجي الدكتور خالد شهبار، كتاب صادر في صيغة الكترونية عن مطابع الرباط نت، الطبعة الأولى 2020. ويحتوي الكتاب على مقدمة للسوسيولوجي الدكتور “عبد المالك المورد”.
الكتاب عبارة عن مرافعة نقدية لأطروحة السردية الليبرالية التي اهتزت أركانها مع وباء كوفيد-19، وفي ذات الوقت تفكيك لأسس الخطاب التبشيري المغالي في نزعة التفاؤل إزاء عالم ما بعد الوباء، حيث يؤكد المؤلف أن “التاريخ لا تصنعه الأحداث”، بل المنطق المادي للصراع، وأن القول بالقوة التغييرية للأوبئة غير مثبوتة من الناحية التاريخية، كما أن ادعاء تغيير كوفيد-19 للجغرافية السياسية للعالم مجرد وهم بالنظر لاستمرار قوة أمريكا اقتصاديا، عسكريا، ماليا وفي مجال القوة الناعمة أي تصدير المنتوج الثقافي والإعلامي.. ثم يتساءل المؤلف عن “هل سيعيد التاريخ نفسه فيعمل كوفيد-19، على تأجيج الحروب الطبقية في العالم؟.. الجواب بالسلب في ظل هوية طبقية واضحة للوباء المصاب بداء “كراهية الفقراء” واختياره لضحاياه بين الطبقات الاجتماعية المقهورة..
ويؤكد الدكتور “خالد شهبار ” أن كل الاعتقادات التي تغنت بأن عالم ما بعد أزمة 2008 لن يكون نفسه بعدها، ظلت مجرد أوهام حيث ظل تغول عالم المال والأسواق المالية هو السائد والخسائر يقتسمها الفقراء الذين لا يد لهم في هذه الأزمة.. كما انتقد النخب السياسية النيوليبرالية من خلال استحضار نقدي للتجربتين الفرنسية والإيطالية ليخلص الى أن ” النخب السياسية الحاكمة المغلولة في أغلبها بأصفاد النيوليبرالية… وقد انتصر المؤلف بشكل صريح لمقاربة سوسيوـ تاريخية وصراعية للتغيير من منطلق أن “التغيير الحقيقي هو صناعة تاريخية سياسية شاقة ومعقدة. وقد خلص المؤلف إلى أن التغيير الحقيقي لا تصنعه القيادات السياسية المهادنة التي تتقن لغة الإشارة والتلميح، بل النخب الجسورة التي تفكر بهدوء وتضرب بقوة..
في خاتمة الكتاب يستعرض الدكتور خالد شهبار الخلاصات التركيبية والأساسية لمقاربته النقدية للخطابات التي تبشر بحتمية إنتاج وفرز هذا الوباء لبنية براديغمات جديدة، حيث يعيد الباحث التأكيد على حقيقة أن عالم ما بعد كوفيد-19 لن يكون أفضل مما سبقه ولن يكون عالم الانزلاق نحو الحياة العارية بلغة الفيلسوف الإيطالي “جورجيو أغمامبين” ، لكن وبنوع من التفاؤل الديمقراطي يستبعد “المؤلف” أن تتحول أنظمة الديمقراطية الليبرالية بين عشية وضحاها إلى أنظمة استبدادية توتاليتارية، طالما أن القيم والقواعد المؤسسة للمشروع الديمقراطي أصبحت بمثابة بؤرة هوية للمجتمعات الديمقراطية الليبرالية ومرجعية رابطها الاجتماعي الدامج، واسمنت عيشها المشترك، مثل التعددية السياسية والتداول السلمي على السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، وفصل السلط، ودولة الحق والقانون والمواطنة المساواتية الشاملة، والفصل بين السلطة السياسية والسلطة الدينية.
الكتاب جدير بالقراءة باعتباره مقاربة شجاعة تجمع بين نقد النزعة التفاؤلية المبالغ فيها واستحضار الشروط المادية والموضوعية لتغيير البنيات المادية والرمزية، من منطلق أن التغيير الحقيقي عملية سوسيوـ تاريخية يحكمها منطق الصراع وميزان القوى، وليس أحداثا أو أوبئة نحملها أكثر مما تحتمل ونبني عليها رهانات سياسية ومشاريع مجتمعية هي من محض اليوتوبيا..