ثريا المسرح المغربي

◆ مخلص الصغير

◆ مخلص الصغير

منذ‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬ظلت‭ ‬ثريا‭ ‬جبران‭ ‬تمشي‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬انحناء‭ ‬وكبرياء،‭ ‬يوم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬المسرح‭ ‬مفروشا‭ ‬أو‭ ‬مكللا‭ ‬بالأزهار،‭ ‬ولكنه‭ ‬كان‭ ‬مشتعلا‭ ‬بالجمار‭. ‬بعدها‭ ‬بسنوات،‭ ‬تعرضت‭ ‬ثريا‭ ‬للاختطاف‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬مجهولين،‭ ‬إبان‭ ‬سنوات‭ ‬الجمر‭ ‬والرصاص،‭ ‬لما‭ ‬كانت‭ ‬تستعد‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬تلفزيوني‭. ‬وقد‭ ‬قامت‭ ‬تلك‭ ‬الجهات‭ ‬المجرمة‭ ‬بحلق‭ ‬شعرها،‭ ‬تنكيلا‭ ‬بامرأة‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬ذنب‭ ‬غير‭ ‬محبة‭ ‬الجمال‭.‬

فن‭ ‬المسرح‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬اختطف‭ ‬ثريا‭ ‬جبران‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬قبل‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬اليوم،‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1964،‭ ‬تحديدا،‭ ‬مع‭ ‬فرقة‭ ‬“الأخوة‭ ‬العربية”،‭ ‬حين‭ ‬ظهرت‭ ‬ثريا‭ ‬في‭ ‬مسرحية‭ ‬“أولاد‭ ‬اليوم”،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المصادفة،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬“النظرة‭ ‬الأولى”‭. ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬كل‭ ‬عشق‭ ‬وغرام‭. ‬كان‭ ‬زوج‭ ‬أختها‭ ‬محمد‭ ‬جبران‭ ‬يتدرب‭ ‬مع‭ ‬فرقة‭ ‬الأخوة،‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬وهو‭ ‬يؤدي‭ ‬دور‭ ‬عاشق‭ ‬ارتبط‭ ‬بفتاة‭ ‬حملت‭ ‬منه‭. ‬وبينما‭ ‬هو‭ ‬يعبّر‭ ‬عن‭ ‬خوفه‭ ‬من‭ ‬أب‭ ‬المعشوقة،‭ ‬وقد‭ ‬اقترب‭ ‬موعد‭ ‬الولادة‭ ‬مع‭ ‬تقدم‭ ‬الزمان،‭ ‬وظهرت‭ ‬علامات‭ ‬الحمل‭ ‬للعيان،في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬كانت‭ ‬زوجة‭ ‬محمد‭ ‬جبران‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬على‭ ‬فراش‭ ‬الولادة،‭ ‬حيث‭ ‬طلبت‭ ‬الأسرة‭ ‬من‭ ‬الطفلة‭ ‬ثريا‭ ‬أن‭ ‬تتوجه‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬تتدرب‭ ‬الفرقة،‭ ‬وحيث‭ ‬يوجد‭ ‬زوج‭ ‬أختها،‭ ‬لتداهم‭ ‬ثريا‭ ‬أعضاء‭ ‬الفرقة،‭ ‬وهم‭ ‬يتدربون،‭ ‬وتقتحم‭ ‬الفضاء،‭ ‬مخاطبة‭ ‬خالها‭: ‬“عزيزي،‭ ‬راه‭ ‬تزادت‭ ‬عندك‭ ‬بنت”،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬زوجته‭ ‬قد‭ ‬أنجبت‭ ‬منه‭ ‬بنتا‭.‬

ومن‭ ‬حينها،‭ ‬أنجبت‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬المسرحية‭ ‬ممثلة‭ ‬لا‭ ‬تضاهى‭ ‬في‭ ‬مسرح‭ ‬المغاربة‭ ‬اسمها‭ ‬ثريا‭ ‬جبران‭. ‬وكان‭ ‬المخرج‭ ‬عبد‭ ‬العظيم‭ ‬الشناوي‭ ‬قد‭ ‬انجذب‭ ‬لطلعة‭ ‬ثريا‭ ‬جبران‭ ‬وتلقائيتها‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬والكلام،‭ ‬منذ‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة،‭ ‬فقرر‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بالمشهد‭ ‬في‭ ‬مسرحية‭ ‬“أولاد‭ ‬اليوم”،‭ ‬والاحتفاظ‭ ‬بثريا،‭ ‬التي‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬عروض‭ ‬لهذه‭ ‬المسرحية،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تعبر‭ ‬مسارا‭ ‬حافلا‭ ‬من‭ ‬مسرحية‭ ‬“أولاد‭ ‬اليوم”‭ ‬إلى‭ ‬فرقة‭ ‬“مسرح‭ ‬اليوم”،‭ ‬مرورا‭ ‬بفرقة‭ ‬“الشهاب”‭ ‬وفرقة‭ ‬“المعمورة”‭ ‬و”القناع‭ ‬الصغير”،‭ ‬ثم‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬“مسرح‭ ‬الطيب‭ ‬الصديقي”،‭ ‬وتجارب‭ ‬ومواهب‭ ‬أخرى‮…‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬مهما‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تعيينها‭ ‬وزيرة‭ ‬للثقافة‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحتل‭ ‬منصبا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬المغاربة.

درب‭ ‬السلطان

ثريا‭ ‬جبران‭ ‬هي‭ ‬خريجة‭ ‬درب‭ ‬السلطان،‭ ‬أحد‭ ‬أقدم‭ ‬وأعظم‭ ‬أحياء‭ ‬مدينة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬ومهد‭ ‬الكفاح‭ ‬الوطني‭ ‬ومسرح‭ ‬الشهداء‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الحي‭ ‬سقط‭ ‬خالها‭ ‬المقاوم‭ ‬المعروف‭ ‬بـ”السي‭ ‬علي”‭ ‬شهيدا‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬الفداء‭. ‬ودرب‭ ‬السلطان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬مسقط‭ ‬رأس‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المشاهير‭ ‬المغاربة،‭ ‬مبدعين‭ ‬وفنانين‭ ‬ورياضيين،‭ ‬وهو‭ ‬درب‭ ‬الرجا،‭ ‬ودرب‭ ‬الأب‭ ‬جيكو‭ ‬وبيتشو‭ ‬والظلمي،‭ ‬من‭ ‬نجوم‭ ‬الكرة،‭ ‬والحاجة‭ ‬الحمداوية‭ ‬ورجاء‭ ‬بلمليح‭ ‬في‭ ‬الغناء،‭ ‬والشناوي‭ ‬والتسولي‭ ‬وصلاح‭ ‬الدين‭ ‬بنموسى‭ ‬وعبد‭ ‬القادر‭ ‬مطاع‭ ‬وسعاد‭ ‬صابر‭ ‬وعائلة‭ ‬البدوي،‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬والتمثيل‭ ‬وكل‭ ‬فنون‭ ‬الآداء‭.‬

هنا،‭ ‬في‭ ‬درب‭ ‬السلطان،‭ ‬ولدت‭ ‬“ثريا‭ ‬المسرح‭ ‬المغربي”،‭ ‬كما‭ ‬يسميها‭ ‬صديقها‭ ‬الشاعر‭ ‬المغربي‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف‭ ‬اللعبي،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬زمن‭ ‬الاحتلال‭ ‬الفرنسي‭ ‬للمغرب‭. ‬والمفارقة‭ ‬أن‭ ‬ثريا‭ ‬ولدت‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬يدعى‭ ‬“حي‭ ‬الإسبان”،‭ ‬وهو‭ ‬يحمل‭ ‬اسم‭ ‬المستعمر‭ ‬الإسباني‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحكم‭ ‬قبضته‭ ‬على‭ ‬شمال‭ ‬البلاد‭.‬

بعد‭ ‬سنتين،‭ ‬وتحديدا،‭ ‬سنة‭ ‬1954،‭ ‬سوف‭ ‬تنتقل‭ ‬أسرة‭ ‬ثريا‭ ‬إلى‭ ‬درب‭ ‬الشنتوف،‭ ‬في‭ ‬درب‭ ‬السلطان‭ ‬دائما‭. ‬التحقت‭ ‬ثريا‭ ‬بـ”مدرسة‭ ‬الفداء‭ ‬بنات”،‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬سقط‭ ‬فيه‭ ‬خالها‭ ‬“السي‭ ‬علي”‭ ‬بطلقات‭ ‬من‭ ‬“رصاص‭ ‬موليير”،‭ ‬وهي‭ ‬كانت‭ ‬ضمن‭ ‬الفوج‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬التلميذات‭ ‬المغربيات‭ ‬اللواتي‭ ‬تخرجن‭ ‬من‭ ‬المرحلــة‭ ‬الابتدائية‭ ‬مع‭ ‬فجر‭ ‬استقلال‭ ‬المغرب‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬سوف‭ ‬تعيش‭ ‬الطفلة‭ ‬ثريا‭ ‬مخاضات‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬الحماية‭ ‬إلى‭ ‬الاستقلال،‭ ‬كما‭ ‬يحكي‭ ‬لنا‭ ‬رفيق‭ ‬دربها‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬وفي‭ ‬درب‭ ‬السلطان‭ ‬أيضا،‭ ‬الكاتب‭ ‬المسرحي‭ ‬محمد‭ ‬بهجاجي‭. ‬ومن‭ ‬هنا،‭ ‬شكلت‭ ‬ثريا‭ ‬ولا‭ ‬تزال،‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬“ذلك‭ ‬الحلم‭ ‬الذي‭ ‬عانقه‭ ‬جيل‭ ‬الاستقلال‭ ‬ورافق‭ ‬انكساراته‭ ‬وتعثراته”،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬الكاتب‭ ‬المغربي‭ ‬محمد‭ ‬برادة‭ ‬ذات‭ ‬شهادة‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬ثريا‭.‬

قصيدة‭ ‬مسرحية

إذا‭ ‬كان‭ ‬المسرح‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬شعرا،‭ ‬فإن‭ ‬ثريا‭ ‬جبران،‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها،‭ ‬قصيدة‭ ‬مسرحية‭ ‬بلا‭ ‬منازع‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬“الشعر‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬ثريا‭ ‬هو‭ ‬المسرح‭ ‬الأصفى”،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الشاعر‭ ‬المغربي‭ ‬محمد‭ ‬بنيس‭. ‬وقد‭ ‬استطاعت‭ ‬ثريا‭ ‬جبران‭ ‬أن‭ ‬تصعد‭ ‬بالشعر‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬تقو‭ ‬قصيدة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭. ‬فمع‭ ‬الطيب‭ ‬الصديقي،‭ ‬في‭ ‬“مسرح‭ ‬الصديقي”،‭ ‬قدمت‭ ‬سنة‭ ‬1980‭ ‬مسرحية‭ ‬“ديوان‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬المجذوب”،‭ ‬التي‭ ‬أبدع‭ ‬نسختها‭ ‬الأولى‭ ‬سنة‭ ‬1967،‭ ‬وهي‭ ‬تستعيد‭ ‬فيها‭ ‬الشاعر‭ ‬الصوفي‭ ‬الشعبي‭ ‬المجذوب،‭ ‬وحكمه‭ ‬الخالدة،‭ ‬كما‭ ‬قدمت‭ ‬في‭ ‬مسرح‭ ‬الصديقي‭ ‬مسرحية‭ ‬“أبو‭ ‬نواس‭” ‬سنة‭ ‬1984‭.‬

في‭ ‬سنة‭ ‬1985،‭ ‬قدمت‭ ‬مع‭ ‬الطيب‭ ‬الصديقي‭ ‬عملا‭ ‬مسرحيا‭ ‬عربيا‭ ‬كبيرا،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المسرحية‭ ‬التاريخية‭ ‬“ألف‭ ‬حكاية‭ ‬وحكاية‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬عكاظ”،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬فرقة‭ ‬الممثلين‭ ‬العرب،‭ ‬التي‭ ‬أسسها‭ ‬الصديقي‭ ‬رفقة‭ ‬اللبنانية‭ ‬نضال‭ ‬الأشقر،‭ ‬بمشاركة‭ ‬ممثلين‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬والأردن‭ ‬وفلسطين،‭ ‬وثريا‭ ‬جبران‭ ‬من‭ ‬المغرب‭.‬

في‭ ‬سنة‭ ‬1987،‭ ‬سوف‭ ‬تسطع‭ ‬شمس‭ ‬ثريا‭ ‬جبران‭ ‬في‭ ‬فرقة‭ ‬“مسرح‭ ‬اليوم”،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عملها‭ ‬الأول‭ ‬“حكايات‭ ‬بلا‭ ‬حدود”،‭ ‬وقد‭ ‬اقتبسها‭ ‬زوجها‭ ‬المخرج‭ ‬عبدالواحد‭ ‬عوزري‭ ‬عن‭ ‬نصوص‭ ‬للشاعر‭ ‬السوري‭ ‬الراحل‭ ‬محمد‭ ‬الماغوط،‭ ‬وهو‭ ‬“البدوي‭ ‬الأحمر”‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬نصوصا‭ ‬مفعمة‭ ‬بالسخرية‭ ‬والمفارقات‭ ‬التي‭ ‬ضمنت‭ ‬الفرجة‭ ‬المسرحية‭ ‬لهذا‭ ‬العمل،‭ ‬حيث‭ ‬تألقت‭ ‬به‭ ‬فرقة‭ ‬“مسرح‭ ‬اليوم”،‭ ‬في‭ ‬يومها‭ ‬الأول،‭ ‬ودشنت‭ ‬لتجربة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬المغربي،‭ ‬بل‭ ‬والعربي‭ ‬عامة‭. ‬وقد‭ ‬عرضت‭ ‬المسرحية‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬بغداد‭ ‬المسرحي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬السنة،‭ ‬وفي‭ ‬مهرجان‭ ‬دمشق‭ ‬للفنون‭ ‬المسرحية‭ ‬سنة‭ ‬1988‭.‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬المسرح‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬شعرا،‭ ‬فإن‭ ‬ثريا‭ ‬جبران،‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها،‭ ‬قصيدة‭ ‬مسرحية‭ ‬بلا‭ ‬منازع‭.‬

ساعات‭ ‬شاتيلا

أما‭ ‬العرض‭ ‬المسرحي‭ ‬“أربع‭ ‬ساعات‭ ‬في‭ ‬شاتيلا”،‭ ‬الذي‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬سنة‭ ‬2001،‭ ‬وهو‭ ‬نص‭ ‬للكاتب‭ ‬الفرنسي‭ ‬جان‭ ‬جنيه،‭ ‬بترجمة‭ ‬محمد‭ ‬برادة،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬يقل‭ ‬شاعرية،‭ ‬وهو‭ ‬يستعيد‭ ‬روائع‭ ‬الشعر‭ ‬الإنساني،‭ ‬من‭ ‬ملحمة‭ ‬جلجامش‭ ‬إلى‭ ‬قصيدة‭ ‬“حالة‭ ‬حصار”‭ ‬للراحل‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭. ‬هذا‭ ‬مع‭ ‬التذكير‭ ‬بأن‭ ‬أقوى‭ ‬اللحظات‭ ‬التي‭ ‬عاشتها‭ ‬ثريا‭ ‬جبران،‭ ‬وهي‭ ‬وزيرة‭ ‬للثقافة‭ ‬المغربية،‭ ‬كانت‭ ‬يوم‭ ‬سلم‭ ‬“بيت‭ ‬الشعر‭ ‬في‭ ‬المغرب”‭ ‬جائزة‭ ‬“الأركانة”‭ ‬للشاعر‭ ‬الراحل‭ ‬محمود‭ ‬درويش،‭ ‬سنة‭ ‬2008،‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬مسرح‭ ‬محمد‭ ‬الخامس‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬المغربية‭ ‬الرباط،‭ ‬وهي‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬تألقت‭ ‬فيه‭ ‬ثريا‭ ‬جبران‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬زمان‭.‬

وفي‭ ‬تجربة‭ ‬مسرحية‭ ‬شاعرة،‭ ‬مع‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف‭ ‬اللعبي،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬الاشتغال‭ ‬على‭ ‬ديوانه‭ ‬“الشمس‭ ‬تحتضر”،‭ ‬ومسرحته‭ ‬مسرحة‭ ‬مؤثرة،‭ ‬استدرجت‭ ‬ثريا‭ ‬اللعبي‭ ‬إلى‭ ‬خشبة‭ ‬مسرح‭ ‬محمد‭ ‬الخامس،‭ ‬وهو‭ ‬يفتح‭ ‬ديوانه،‭ ‬ويقرأ‭ ‬ما‭ ‬تيسر‭ ‬منه‭.‬

يتذكر‭ ‬المغاربة‭ ‬كيف‭ ‬تحولت‭ ‬المسرحية‭ ‬إلى‭ ‬أمسية‭ ‬شعرية،‭ ‬قرأ‭ ‬فيها‭ ‬اللعبي‭ ‬بصوته،‭ ‬وقرأت‭ ‬فيها‭ ‬ثريا‭ ‬بصوتها‭ ‬وتعبيراتها‭ ‬وإيماءاتها‭ ‬الباذخة‭. ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬المسرحية‭ ‬يقول‭ ‬اللعبي،‭ ‬وهو‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬صديقته،‭ ‬التي‭ ‬جاورته‭ ‬وحاورته‭ ‬شعريا‭ ‬ومسرحيا‭: ‬“يبدو‭ ‬لي‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬تقرأ‭ ‬في‭ ‬جراحي‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أقرأ‭ ‬في‭ ‬جراحها‭. ‬ولم‭ ‬نكن‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬للكلمات‭ ‬قصد‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬ذلك”‭.‬

انتهى‭ ‬كلام‭ ‬اللعبي،‭ ‬وانطلق‭ ‬كلام‭ ‬الجسد،‭ ‬مع‭ ‬ثريا‭ ‬جبران‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الممثلة،‭ ‬ومع‭ ‬فرقة‭ ‬“مسرح‭ ‬اليوم”،‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬الدعوة‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬المخرج‭ ‬المسرحي‭ ‬السويسري‭ ‬أدولف‭ ‬آبيا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬“إلغاء‭ ‬دراما‭ ‬الكلمة”،‭ ‬وإعطاء‭ ‬الكلمة‭ ‬للجسد،‭ ‬حتى‭ ‬ينطق‭ ‬ويتكلم‭ ‬حين‭ ‬يتألم‭. ‬لكن‭ ‬روح‭ ‬ثريا‭ ‬جبران‭ ‬المرحة‭ ‬والشاعرة‭ ‬ظلت‭ ‬أكثر‭ ‬تعبيرية‭ ‬وجمالية،‭ ‬واشد‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬معانقة‭ ‬ارواح‭ ‬المغاربة‭. ‬لذلك،‭ ‬فهي‭ ‬حين‭ ‬ترحل‭ ‬عنا‭ ‬اليوم‭ ‬فلكي‭ ‬تقيم‭ ‬في‭ ‬قلوبنا‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى