المنتخبون والتدبير المفوض تواطؤ أم عبث

◆ صلاح الحسني - الكاتب المحلي للحزب الاشتراكي الموحد، ابن مسيك مولاي رشيد.

تحت‭ ‬وعود‭ ‬وشعارات‭ ‬تحديث‭ ‬تدبير‭ ‬المرافق‭ ‬العامة‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬قدرات‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬في‭ ‬الفعالية‭ ‬والابتكار‭ ‬انخرط‭ ‬المغرب‭ ‬نهاية‭ ‬التسعينات‭ ‬في‭ ‬نمط‭ ‬جديد‭/‬قديم‭ ‬من‭ ‬التدبير‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية،‭ ‬خاصة‭ ‬بالمدن‭ ‬الكبرى،‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬الاستعانة‭ ‬بشركات‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تدبير‭ ‬مرافق‭ ‬أو‭ ‬خدمات‭ ‬عمومية،‭ ‬و‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬اصطلح‭ ‬عليه‭ ‬التدبير‭ ‬المفوض‭.‬

فبعد‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬24‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬توقيع‭ ‬أول‭ ‬عقد‭ ‬تدبير‭ ‬مفوض‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬بمدينة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬صار‭ ‬جليا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬قد‭ ‬أثبت‭ ‬فشله‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الملفات‭ ‬التي‭ ‬اعتمد‭ ‬فيها،‭ ‬بدء‭ ‬من‭ ‬توزيع‭ ‬الماء‭ ‬والكهرباء،‭ ‬مرورا‭ ‬إلى‭ ‬النقل‭ ‬العمومي‭ ‬والنظافة‭ ‬و‭ ‬ومواقف‭ ‬السيارات‭ ‬وغيرها‭… ‬إذ‭ ‬أنه‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬تبخرت‭ ‬وعود‭ ‬النجاعة‭ ‬والفاعلية‭ ‬والابتكار‭ ‬ووجد‭ ‬المواطن‭ ‬نفسه‭ ‬رهينة‭ ‬لهذا‭ ‬النمط،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬مدنا‭ ‬كاملة‭ ‬صارت‭ ‬أسيرة‭ ‬له،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يبقى‭ ‬لمجالسها‭ ‬ومنتخبيها‭ ‬أي‭ ‬سلطة‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬شركات‭ ‬تقوم‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تشاء‭ ‬دون‭ ‬حسيب‭ ‬أو‭ ‬رقيب‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬بهبات‭ ‬واستثمارات‭ ‬مصدرها‭ ‬أموال‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭.‬

الحكم‭ ‬بالفشل‭ ‬على‭ ‬نمط‭ ‬التدبير‭ ‬المفوض‭ ‬ليس‭ ‬مرتبطا‭ ‬فقط‭ ‬بفشله‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬وعوده‭ ‬وأهدافه،‭ ‬وليس‭ ‬مرتبطا‭ ‬فقط‭ ‬بانهيار‭ ‬مستوى‭ ‬الخدمات‭ ‬العمومية‭ ‬والخصاص‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬التجهيزات‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬التي‭ ‬وعد‭ ‬بتعزيزها،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬هو‭ ‬حكم‭ ‬مستنبط‭ ‬من‭ ‬تقارير‭ ‬رسمية‭ ‬كشفت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬عيوبه‭ ‬وأبرزت‭ ‬أسباب‭ ‬فشله،‭ ‬لعل‭ ‬أبرزها‭ ‬تقرير‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للحسابات‭ ‬لسنة‭ ‬2014،‭ ‬تقرير‭ ‬المجلس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والبيئي‭ ‬لسنة‭ ‬2015،‭ ‬وأيضا‭ ‬دراسات‭ ‬كتلك‭ ‬المنجزة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬فيدرالية‭ ‬اليسار‭ ‬الديمقراطي‭ ‬بكل‭ ‬من‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ (‬2019‭) ‬والقنيطرة‭ (‬2020‭) ‬والتي‭ ‬ركزت‭ ‬على‭ ‬مجال‭ ‬النقل‭ ‬العمومي‭.‬

وقد‭ ‬شخصت‭ ‬هذه‭ ‬التقارير‭ ‬والدراسات‭ ‬عدة‭ ‬أسباب‭ ‬لفشل‭ ‬نمط‭ ‬التدبير‭ ‬المفوض،‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬منه‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬اختصاصات‭ ‬وصلاحيات‭ ‬المنتخبين‭ ‬الجماعيين،‭ ‬هذه‭ ‬أبرزها‭:‬

الإطار‭ ‬القانوني‭ ‬للتدبير‭ ‬المفوض‭:‬‭ ‬

إذ‭ ‬رغم‭ ‬توقيع‭ ‬عقود‭ ‬مع‭ ‬شركات‭ ‬خاصة‭ ‬بدء‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬1997‭ ‬بالدار‭ ‬البيضاء‭ ‬و1998‭ ‬بالرباط‭ ‬وسلا‭ ‬فإن‭ ‬الإطار‭ ‬القانوني‭ ‬لهذه‭ ‬العقود‭ ‬لم‭ ‬يصدر‭ ‬سوى‭ ‬سنة‭ ‬2006‭ ‬عبر‭ ‬القانون‭ ‬54‭.‬05،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬مراسيمه‭ ‬التطبيقية‭ ‬لم‭ ‬تصدر‭ ‬بالكامل‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،‭ ‬كما‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬بوضوح‭ ‬تقرير‭ ‬المجلس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ! ‬هذا‭ ‬مع‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬مسيري‭ ‬وأعضاء‭ ‬المجالس‭ ‬المنتخبة‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭ ‬برلمانيون‭ ‬أيضا،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يسجل‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬أي‭ ‬تحرك‭ ‬لطرف‭ ‬منهم‭ ‬لتصحيح‭ ‬الوضع‭ ‬سواء‭ ‬بمبادرات‭ ‬تشريعية‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬مساءلة‭ ‬الحكومة‭ ‬و‭ ‬خاصة‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭.‬

عقود‭ ‬التدبير‭ ‬المفوض‭:‬

‭ ‬معظم‭ ‬عقود‭ ‬التدبير‭ ‬المفوض‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬توقيعها‭ ‬نهاية‭ ‬التسعينات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭ ‬هي‭ ‬المفاوض‭ ‬الرئيسي‭ ‬فيها،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬مرتبطة‭ ‬أكثر‭ ‬بعلاقات‭ ‬المغرب‭ ‬الدولية‭ ‬وتدبير‭ ‬هواجس‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بالخدمات‭ ‬العمومية‭ ‬بالمدن‭.. ‬ففي‭ ‬حالة‭ ‬ليدك‭ ‬بالدار‭ ‬البيضاء‭ ‬مثلا،‭ ‬سبق‭ ‬لرئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬السابق‭ ‬عبد‭ ‬الإله‭ ‬بن‭ ‬كيران‭ ‬التصريح‭ ‬بأن‭ ‬ملفها‭ ‬أكبر‭ ‬منه،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬منتخبي‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬لم‭ ‬يتوفروا‭ ‬على‭ ‬نسخ‭ ‬من‭ ‬عقود‭ ‬ليدك‭ ‬كما‭ ‬صرحوا‭ ‬بذلك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬و‭ ‬لم‭ ‬يصرح‭ ‬عمدة‭ ‬المدينة‭ ‬بتوزيع‭ ‬نسخة‭ ‬من‭ ‬العقد‭ ‬سوى‭ ‬في‭ ‬الدورة‭ ‬الاستثنائية‭ ‬الأخيرة‭ ‬لمجلس‭ ‬المدينة،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬24‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬توقيع‭ ‬عقد‭ ‬ليدك‭. ..‬

الالتزامات‭ ‬المالية‭ ‬والاستثمارات‭:‬

‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬عقود‭ ‬التدبير‭ ‬المفوض‭ ‬تشير‭ ‬بوضوح‭ ‬إلى‭ ‬التزامات‭ ‬مالية‭ ‬للجماعات‭ ‬والشركات،‭ ‬لعل‭ ‬أبرزها‭ ‬تحويل‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الأرباح‭ ‬إلى‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬البنيات‭ ‬التحتية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬هذه‭ ‬الالتزامات‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬التطبيق‭ ‬فمن‭ ‬جهة،‭ ‬يتهاون‭ ‬أو‭ ‬يتواطؤ‭ ‬رؤساء‭ ‬الجماعات‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بالاستثمارات‭ ‬المبرمة‭ ‬في‭ ‬العقد،‭ ‬مما‭ ‬يوفر‭ ‬ذريعة‭ ‬للشركات‭ ‬المفوض‭ ‬لها‭ ‬لعدم‭ ‬الوفاء‭ ‬بالتزاماتها‭ ‬المالية‭ ‬والاستثمارية‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬شركة‭ ‬ليدك‭ ‬مؤخرا‭ ‬حيث‭ ‬صرحت‭ ‬علنا‭ ‬بأنها‭ ‬لم‭ ‬تقم‭ ‬باستثمارات‭ ‬معينة‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬نتيجة‭ ‬عدم‭ ‬احترام‭ ‬الجماعة‭ ‬لالتزامها‭ ‬المالي‭ ‬الموقع‭ ‬معها،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الشركة‭ ‬تجني‭ ‬أرباحا‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬جيوب‭ ‬المواطنين‭ ‬البيضاويين‭. ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬تنجح‭ ‬الشركات‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬أو‭ ‬تحيين‭ ‬الشروط‭ ‬الاستثمارية‭ ‬والمالية‭. ‬وخير‭ ‬دليل‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬شركة‭ ‬ألزا‭ ‬للنقل‭ ‬حيث‭ ‬تمكنت‭ ‬نهاية‭ ‬2020‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬شروط‭ ‬مالية‭ ‬وضريبية‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬مجلس‭ ‬مدينة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬بعد‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬توقيع‭ ‬عقدها‭ ‬الأول‭ ‬أكتوبر‭ ‬سنة‭ ‬2019‭. ‬وحتى‭ ‬كتابة‭ ‬هذه‭ ‬السطور،‭ ‬لم‭ ‬يصرح‭ ‬مجلس‭ ‬المدينة‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬الشروط‭ ‬والامتيازات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬منحها‭ ‬لشركة‭ ‬ألزا‭ ‬للنقل‭ ‬خلافا‭ ‬لتوقيع‭ ‬العقد‭ ‬الأولي‭ ‬والذي‭ ‬تم‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬تفاصيله‭ ‬الكاملة‭ ‬مما‭ ‬يطرح‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬الاستفهام‭..‬

التتبع‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬المنتخبين‭:‬

‭ ‬يشير‭ ‬القانون‭ ‬المتعلق‭ ‬بالتدبير‭ ‬المفوض‭ ‬إلى‭ ‬تشكيل‭ ‬لجان‭ ‬للتتبع‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬السلطة‭ ‬المفوضة‭ (‬المجالس‭ ‬المحلية‭)‬،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مراقبة‭ ‬وضبط‭ ‬عمل‭ ‬الشركات‭ ‬المفوض‭ ‬لها،‭ ‬مع‭ ‬إتاحة‭ ‬عدة‭ ‬آليات‭ ‬للمنتخبين‭ ‬لمحاسبة‭ ‬ومعاقبة‭ ‬الشركات‭ ‬المفوضة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬إخلالها‭ ‬بالعقود،‭ ‬لكن‭ ‬رغم‭ ‬ذلك،‭ ‬ولأسباب‭ ‬مجهولة،‭ ‬يتغاضى‭ ‬معظم‭ ‬المنتخبين‭ ‬عن‭ ‬ممارسة‭ ‬هذه‭ ‬الصلاحية‭ ‬المهمة‭. ‬كمثال‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬خلال‭ ‬15‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬تدبيرها‭ ‬للنقل‭ ‬عبر‭ ‬الحافلات،‭ ‬لم‭ ‬تشغل‭ ‬شركة‭ ‬مدينة‭ ‬بيس‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬حالة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70‭%‬‭ ‬من‭ ‬الخطوط‭ ‬والحافلات‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬العقد،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬89‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬أسطولها‭ ‬كان‭ ‬مشكلا‭ ‬من‭ ‬حافلات‭ ‬مستعملة‭ ‬خلافا‭ ‬للعقد‭ ‬الموقع‭ ‬مع‭ ‬المدينة،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬استفادت‭ ‬من‭ ‬قرابة‭ ‬800‭ ‬مليون‭ ‬درهم‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬العمومي‭ ‬للاستثمار‭ ‬في‭ ‬الحافلات‭ ‬وفي‭ ‬البنيات،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬لجنة‭ ‬تتبع‭ ‬الشركة‭ ‬التابعة‭ ‬لمجلس‭ ‬المدينة‭ ‬لم‭ ‬تنعقد‭ ‬ل8‭ ‬سنوات‭ ‬كاملة‭ ‬من‭ ‬2008‭ ‬إلى‭ ‬2016،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬اجتماعها‭ ‬لسنة‭ ‬2016‭ ‬جاء‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬شعبي‭ ‬عارم‭ ‬بعد‭ ‬المحاولة‭ ‬الشهيرة‭ ‬لاغتصاب‭ ‬قاصر‭ ‬داخل‭ ‬الحافلة‭… ‬نفس‭ ‬الشيء‭ ‬كذلك‭ ‬بالنسبة‭ ‬لليدك‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تجتمع‭ ‬لجنة‭ ‬تتبعها‭ ‬لسنوات‭ ‬ولم‭ ‬تجتمع‭ ‬سوى‭ ‬مؤخرا‭ ‬بعد‭ ‬فضيحة‭ ‬الفيضانات‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬المدينة

الفساد‭ ‬و‭ ‬تضارب‭ ‬المصالح‭:‬

‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬السلوك‭ ‬الغريب‭ ‬لمعظم‭ ‬المنتخبين‭ ‬لا‭ ‬يفسر‭ ‬فقط‭ ‬بغياب‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬بضعف‭ ‬أحزابهم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬السلطة،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬أيضا‭ ‬منتخبون‭ ‬ارتبطوا‭ ‬بمصالح‭ ‬لدى‭ ‬هذه‭ ‬الشركات،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ : ‬التشغيل‭ (‬مع‭ ‬استغلاله‭ ‬انتخابيا‭)‬،‭ ‬علاقات‭ ‬تجارية‭ ‬مع‭ ‬شركات‭ ‬ومكاتب‭ ‬دراسات‭ ‬مملوكة‭ ‬لهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المنتخبين،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬استغلال‭ ‬ممتلكات‭ ‬وتجهيزات‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬كما‭ ‬وقع‭ ‬مؤخرا‭ ‬بحي‭ ‬مولاي‭ ‬رشيد‭ ‬بالدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬ضبط‭ ‬استعمال‭ ‬سيارة‭ ‬تابعة‭ ‬لشركة‭ ‬مفوض‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬النظافة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬أسرة‭ ‬أحد‭ ‬المسؤولين‭ ‬المنتخبين‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬إجرامية‭. ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬وغيرها‭ ‬تشير‭ ‬بوضوح‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المنتخبين‭ ‬وطيلة‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬امتنعوا‭ ‬عن‭ ‬لعب‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬انتخبوا‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬الساكنة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬التدبير‭ ‬المفوض،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬مجالات‭ ‬حيوية‭ ‬ومرتبطة‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬بمستوى‭ ‬وجودة‭ ‬معيشة‭ ‬المواطنين‭ ‬كالنظافة‭ ‬وتوزيع‭ ‬الماء‭ ‬والكهرباء‭ ‬والتطهير‭. ‬هذا‭ ‬الامتناع‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بالمرة‭ ‬حتميا‭ ‬نظرا‭ ‬لما‭ ‬يوفره‭ ‬القانون،‭ ‬على‭ ‬علله،‭ ‬من‭ ‬صلاحيات‭ ‬وآليات،‭ ‬تمكن‭ ‬المنتخبين‭ ‬من‭ ‬محاسبة‭ ‬ومعاقبة‭ ‬الشركات‭ ‬المفوض‭ ‬لها‭. ‬زد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الأحزاب،‭ ‬كحزب‭ ‬العدالة‭ ‬و‭ ‬التنمية،‭ ‬يتوفر‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬أغلبيات‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المغرب،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬البرلمان،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭ ‬كالدار‭ ‬البيضاء‭ ‬و‭ ‬فاس،‭ ‬مما‭ ‬ضيع‭ ‬فرصة‭ ‬تاريخية‭ ‬لتوفير‭ ‬أحسن‭ ‬مستوى‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬الخدمات‭ ‬للمواطنين،‭ ‬الأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬فقط‭ ‬فرصة‭ ‬ضائعة‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬الاختيارات‭ ‬تهدد‭ ‬بخنق‭ ‬ميزانية‭ ‬المدن‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد،‭ ‬كالدار‭ ‬البيضاء‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬دعوة‭ ‬من‭ ‬شركة‭ ‬مدينة‭ ‬بيس‭ ‬تهدد‭ ‬بتغريم‭ ‬المدينة‭ ‬المنكوبة‭ ‬4‭ ‬مليارات‭ ‬درهم،‭ ‬لفائدة‭ ‬شركة‭ ‬لم‭ ‬تحترم‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬جل‭ ‬تعاقداتها‭ ‬مع‭ ‬المدينة‭ ‬تحت‭ ‬صمت‭ ‬وتواطؤ‭ ‬غريب‭ ‬من‭ ‬المجالس‭ ‬المتعاقبة‭..‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى