التعليم عن بعد في ظل جائحة كوفيد-19 / التدبير- الحصيلة – الآفاق
◆ المصطفى زوبدي
التعليم عن بعد.. مرتكزات وتدابير
إذا كان التعليم عن قرب (حضوري) يعاني من أعطاب بنيوية، لم تفلح كل الوصفات في تجاوزها، بحكم الاختيارات الطبقية، السجينة في كنف التبعية، فإن التعليم الذي اصطلح على تسميته ب:(التعليم عن بعد) الذي فرضته قوة قاهرة، لن يكون أحسن حالا لاعتبارات موضوعية، مردها الأزمة البنيوية المستحكمة، ورغم أن الحديث عن التعليم بالمغرب، حديث ذو شجون، فإن حصر الموضوع في تناول تجربة استمرار الدراسة عبر آلية (التعليم عن بعد) يقتضي الاكتفاء باستحضار بعض المرتكزات التي تكون قد أخذت بالاعتبار في هذا الجانب، فمم ينبغي البدء؟:
مرتكزات التأطير
مع بداية الألفية الثالثة أكد مدبرو الشأن التعليمي أن التعليم بالمغرب سيدخل عصر التكنولوجية والرقمنة، وقد دبج ذلك التأكيد ضمن وثاق حاملة لهذه الرؤيا، وإن شئنا القول النوايا، بدءا بالميثاق الوطني مرورا بالبرنامج الاستعجالي، وانتهاء بالقانون الإطار في علاقته بالرؤيا الإستراتجية (2015/2030)، بناء عليه، وحتى يكون لطرحنا مرتكز عائد إلى أهله، نشير إلى بعض الدعامات والمواد المتعلقة بالموضوع المتضمنة بالوثائق المشار إليها أعلاه، ومنها:
* الدعامة العاشرة من الميثاق الوطني للتربية والتكوين والتي ورد بموادها (119/120 /121…) الحديث عن ضرورة توظيف التكنولوجيا لتيسير عملية التعليم والتعلم، مع التنصيص على أن الشروع في العمل وفق هذا البرنامج، سيكون مع بداية الدخول المدرسي 2000/2001.
*-المشروع e1p 10 الوارد بالبرنامج الاستعجالي أكد عزم الوزارة إدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال ضمن مجال التعلمات، وقد تضمن ثلاثة محاور،سنكتفي بالتعاطي مع المحور الأول، لارتباطه بالمسالة المتناولة، ويتعلق الأمر ببرنامج genie الذي يطمح إلى المساهمة في تحسين جودة التعلمات، من خلال تعميم أداة المعلومات والاتصال بمختلف استعمالاتها داخل المدارس المغربية، وتتضمن هذه الإستراتجية المحاور الآتية :
- تجهيز كافة المؤسسات بالعتاد المعلوماتي وربطها بشبكة الانترنيت.
- تكوين وإنماء القدرات المهنية في مجال استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المجال التربوي لفائدة الفاعلين التربويين(هيئة: التدريس – التأطير التربوي- الإدارة التربوية).
- اقتناء وملاءمة إنتاج الموارد الرقمية، ووضعها رهن إشارة المدرسات والمدرسين، والتلميذات والتلاميذ، عبر أقراص مدمجة، وكذلك عبر شبكة الانترنيت على البوابة الرقمية لوزارة التربية الوطنية.
- تطوير استعمالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، من خلال التحسيس بقيمتها المضافة في التدريس، ومصاحبة وتتبع الممارسات المرتبطة بإدماج هذه التكنولوجيا في منظومة التربية والتكوين.
- قيادة البرنامج من خلال تصريف الاستراتيجية على الصعيد الجهوي والإقليمي والمحلي، في إطار تدبير تشاركي بين الإدارة المركزية والأكاديميات الجهوية والنيابات (المديريات ) الإقليمية.
إن هذا البرنامج الذي تم تدبيجه بالوثائق والترويج له شيء، وتنفيذه شيء آخر، إذ تؤكد المعطيات الميدانية، من خلال الاتصال بالعديد من المدبرين والممارسين المباشرين، وعينات من المستهدفين، أن البرنامج كان متعثرا، ولم يتجاوز اللقاءات والأنشطة الشكلية، ونتائجه كانت جد متواضعة.
* الرافعة الثانية عشرة من الرؤية الاستراتيجية (2015/2030)، في شقها المتعلق بالنجاعة والابتكار، ورد بمادتها (77) ما يلي” تعزيز إدماج التكنولوجيات التربوية في النهوض بجودة التعليم، وإعداد إستراتجية وطنية جديدة لمواكبة المستجدات الرقمية، والاستفادة منها في تطوير مؤسسات التربية والتكوين والبحث، وخاصة على مستوى المناهج والبرامج والتكوينات منذ المراحل الأولى من التعليم، بإدماج البرمجيات التربوية الإلكترونية، والوسائل التفاعلية، والحوامل الرقمية، في عمليات التدريس وأنشطة التعلم والبحث والابتكار.” فهل بنية الاستقبال والعدة الديداكتيكية توفرت، وبالجودة المطلوبة؟
* وأخيرا قانون الإطار رقم 17▪51 الذي يعتبر وعاء التنزيل الإلزامي لما تضمنته الرؤية الإستراتجية، جاء في مادته رقم 33 الآليات الآتية :
- “تعزيز إدماج تكنولوجيا المعلوميات والاتصال في النهوض بجودة التعلمات وتحسين مردوديتها.
- إحداث مختبرات للابتكار وإنتاج الموارد الرقمية، وتكوين مختصين في هذا المجال.
- تنمية وتطوير التعلم عن بعد- باعتباره مكملا للتعلم الحضوري.
- تنويع أساليب التكوين والدعم الموازية للتربية المدرسية والمساعدة عليها.
- إدماج التعليم الإلكتروني تدريجيا في أفق تعميمه.
وحيت أن الموضوع يتعلق بتقييم تجربة التعليم عن بعد، كإجراء طارئ فرضته قوة قاهرة مردها جائحة كورونا، وحيث أن هناك التزامات عبرت عنها المستندات الواردة أعلاه، فالموضوعية تقتضي استعراض ما تم انجازه وتوفيره من معطيات وآليات، اعتمدت كمدخلات لمواجهة الطارئ في حدود مقبولة، لضمان اسمرار الدراسة عبر التكيف مع المستجد، وانطلاقا من التراكم الذي تم تحقيقه، إن كان هناك بالفعل تراكم، وفي هذا الإطار استعرض بعجالة التجارب الآتية :
- إن المتتبع للشأن التعليمي وفقا لمقتضيات الميثاق الوطني، التي أقرت اعتماد تكنولوجيا المعلوميات في التدريس مع بداية الموسم الدراسي2000/2001 سيلاحظ أن القرار ظل متعثرا، إن لم نقل بقي حبرا على ورق.
- إن هذا التعثر تم الالتفاف عليه من خلال البرنامج الاستعجالي، باعتماد برنامج جنيني الذي تم استعراض مرتكزاته، فإلى أي حد تم تنفيذها؟ وهل وفر القطاع الوصي كل ما التزم به؟ وما النتائج التي تم تحقيقها إن على مستوى المدبرين أو على مستوى المستهدفين؟ إن طرح هذه الأسئلة الغاية منها معرفة ما تحقق من تراكم يفضي إلى امتلاك خبرة نوعية، وما مدى الاستفادة من توظيفها في التعاطي مع إكراهات الجائحة الغير مسبوقة، لضمان التعلمات في حدود مقبولة، أكيد أنه إذا كان اعتماد هذه التكنولوجيا قد تم في إبانه، وبالكيفية اللازمة، سيمكن وبمهارة من التعاطي الجيد مع حالة الطوارئ، هذا ما سيتضح من خلال استعراض التدابير التي تم اعتمادها لضمان تدريس يتكيف مع ظرفية الجائحة.
تدابير استمرار الدراسة
* أخذ الوباء المغرب كباقي العالم على حين غرة، وبعد الإعلان عن حالة الطوارئ، فرض الحجر الصحي بتاريخ 18مارس 2020، فساد نوع من الارتباك والغموض حول مصير السنة الدراسية، وطرحت سيناريوهات من أبرزها توقيف الدراسة واعتماد سنة بيضاء تجنبا لمخاطر الوباء، وبعد أخذ ورد تقرر اعتماد التعليم عن بعد، وبالرغم من الارتباك الذي سبق اتخاذ القرار، وتجسد في التصريحات المتناقضة الصادرة عن المسؤولين، في علاقة مع ردود فعل المعنيين مباشرة بالعملية (المدبرون المباشرون- المستهدفون- الأسر)، فقد شرع في تنفيذ قرار استئناف الدراسية، فبأية كيفية تم الأمر؟ وما الخطوات التي اتبعت والوسائل التي وظفت؟ وما النتائج المحققة؟
الوسائل والنتائج
بعد اتخاذ قرار استئناف الدراسة عن بعد، حفزت الوزارة المعنيين بالعملية، مؤكدة عبر التصريحات والبلاغات أنها ستوفر الوسائل اللوجستية اللازمة، وستتخذ الخطوات المطلوبة لتدليل الصعاب، وفي هذا الإطار، وبتعاون مع شركاء يشتغلون في مجال تكنولوجيا الإعلام، تم بناء منصات رقمية وتوظيف قنوات تلفزية، من أهمها:
- موقع تلميذ تيس tlmidtice الذي استغل في تقديم الدروس المصورة، والدروس السمعية البصرية عبر (الفيديو).
- موقع الموارد الرقمية المصورة التي انتجت 3000 مورد.
- أطلقت الوزارة العمل بالخدمة التشاركية (teams) للتعليم عن بعد، عبر الأقسام الافتراضية، كي تتيح إمكانية إشراك التلاميذ في العملية التعليمية التعلمية، وإلى غاية فاتح أبريل، تم إنشاء 400 ألف قسم افتراض بالنسبة للمؤسسات التعليمية العمومية، و30 ألف بالنسبة للمؤسسات الخصوصية، مع التأكيد على ضمان مجانية الولوج طبقا لشراكة بين الوزارة وشركات الاتصال والوكالة الوطنية لتقنين الاتصال، ووزارة التجارة والاقتصاد الرقمية، ويبدو أن هذه المجانية مكذوب عليها، بحكم أن الكل مطالب بتعبئة الهاتف.
- وعبر قنوات تلفزية (الثقافية-الأمازيغية-العيون-الرياضية) شرع في تقديم دروسا مصورة يوميا، حددت في 56 درسا في اليوم.
وقد عبر بلاغ رسمي دعت فيه الوزارة نساء ورجال التعليم إلى تقديم الدروس عبر الوسائل الرقمية لمختلف المستويات من خلال ما وفر من منصات وقنوات، باستخدام الأجهزة المتوفرة لديهم (الحواسب – الهواتف الذكية..)، وقد بذل الأساتذة والأستاذات جهودا مشكورة اعتمادا على إمكاناتهم المادية والمهارية، رغم الصعوبات المترتبة عن التعاطي الأولي مع المسألة، فكيف كانت النتائج :
* الموضوعية تقتضي القول : إنه بالرغم من الارتباك البين المترتب عن المباغتة الوبائية، وهشاشة بنية الاستقبال المزمنة، فقد تم احتواء الأمر، والقيام بتدابير ضمنت نوعا من التعاطي مع الموضوع، بما ضمن الحد الأدنى من الاستمرار في الدراسة، والانفتاح المؤسس على نافذة أخرى للتعليم والتعلم، بعد تكيف المعنيين مع المسألة واستئناسهم بها (المنفذون-المستهدفون- الأسر)، إلا أن هذا التدبير بقيت متواضعة، بحكم الاعتبارات السابقة، ومن تمظهراتها :
- التفاوت في الاستفادة بين المستويات الثلاثة : ابتدائي- إعدادي- تأهيلي والتفاوت في الاستفادة أيضا على المستوى المجالي والفئوي، وقد كان مستوى التعليم الابتدائي الأكثر تضررا، وهو ما يؤكد انعدام تكافؤ الفرص على كل المستويات.
- إجراء امتحانات الباكالوريا في الجزء لأول من المقرر المدرس حضوريا فقط، مما يؤكد ضعف مردودية التعاطي مع العملية عبر آلية البعد، كما يمكن اعتباره تقليصا للقيمة العلمية المتعلقة بشهادة الباكالوريا.
- إلغاء الامتحانات الإشهادية المتعلقة بالسنة السادسة من التعليم الابتدائي، والسنة الثالثة من التعليم الثانوي الإعدادي، والاكتفاء بنقط المراقبة المستمرة، للانتقال المستوى الأعلى.
من خلال هذه التمظهرات يبدو أن هذه النتائج متواضعة ومكلفة في الآن نفسه، للاعتبارات الآتية :
* إن التعاطي مع الطارئ الغير المتوقع، يرتبط بالأزمة البنيوية التي يعرفها الوضع التعليمي بالمغرب، وأن المبادرات والخطوات في الغالب لا تتجاوز استنساخ تجارب، وضعت لبيئة غير البيئة المغربية بحكم التبعية، وتهميش الكفاءات المغربية، إضافة إلى كون اعتمادها تم :
ـ بتسرع يطبعة غياب الشفافية، والبيرقراطية، وبنية استقبال تعاني من اختلالات كثيرة.
ـ ضعف المؤهلات بحكم غياب معايير الانتقاء الموضوعي، الذي يستحضر التدبير العقلاني المنتج، وعدم استحضار التباين الكبير بين الفئات والمستويات والمجالات.
* وبحكم أن النتائج المسجلة، خلال الظروف العادية، كانت متواضعة، فإنها ستكون أكثر تواضعا في حالة الاستثناء، إذ تؤكد المعطيات والوقائع أن السلبيات، في هذه التجارب أكثر من الإيجابيات، ويتأكد ذلك من خلال أمرين :
- إن التنزيل الفعلي غالبا ما يتم تجاهله، أويتم ببط صارخ، كما هو الشأن بالنسبة للميثاق الوطني للتربية والتكوين ، والرؤية الإستراتجية (2015/2030) وقانون الإطار رقم 17-51، ومرد ذلك يرتبط بالبيروقراطية وغياب الشفافية.
- هدر المال العام في صفقات تحوم حولها شبهات، وتغيب فيها ضوابط الصفقات العمومية، وهكذا تنجز مشاريع وتقتنى معدات غالبا ما يكون مصيرها التوقف أو التلاشي والتلف، بل حتى الاختفاء، وأسطع مثال على ذلك فضيحة البرنامج الاستعجالي الذي خصصت له ميزانية تناهز 33 مليون درهم صرف منها ما يقارب 25 مليون درهم، دون تحقيق النتائج المرجوة، إلى درجة أن بعض التجاوزات التي طالت العديد من المشاريع والأوراش معروضة على المحاكم دون معرفة المآل.
* إن هذه الممارسات المعيبة غالبا ما تتعرى عندما يحدث طارئ ما، خاصة إذا كان من حجم كبير، وغير مسبوق، كما هو الشأن بالنسبة لجائحة كورونا، حيث ساد ارتباك بين إن على مستوى القرارات أو التدابير، ومن أبرز تجلياته :
- توقيف الدراسة الحضورية بشكل تام ابتداء من 18 مارس 2020 تنفيذا لبلاغ رسمي صادر عن وزارة التربية الوطنية واستئنافها عبر آلية البعد، وإن كان الاشتغال الفعلي عرف تأخرا وتباطؤا.
- عدم ضبط العملية، وصعوبة التحكم فيها، بفعل كونها تتم عن بعد ومن ثمة فإنها لا تمشي في وقت محدد، وهو ما يرهق الأستاذ(ة) إضافة إلى كون الأكثرية لا تنضبط ولا تواكب، وهناك معطيات أدلى بها العديد من العاملين تؤكد أن نسبة الاستفادة تنحصر بين 5 % بالابتدائي و20 إلى30 % في أحسن الأحوال بالنسبة للإعدادي والتأهيلي.
* إن هذا الأداء المرتبك والمتباين كان من نتائجه، هدر مدرسي بلغ رقمه حسب الإحصائيات الرسمية 304545: موزعة على المستويات الثلاثة كالآتي:
- التعليم الابتدائي بلغ عدد المنقطعين 76574 تلميذا وتلميذة.
- التعليم الثانوي الإعدادي حدد الرقم في 160873 تلميذا وتلميذة.
- ببنما بلغ عدد المغادرين من التعليم الثانوي التأهيلي 67134 تلميذا وتلميذة.
إن هذا الأداء ترتب عنه توتر ونزاع بين الأسر وأرباب مؤسسات التعليم الخصوصي في شأن ربط الأسر أداء المستحقات المالية الشهرية بالتعليم الحضوري، في حين رفض ذلك أصحاب المؤسسات الخصوصية، معتبرين أن تعليم التلاميذ يتم عبر الآلية الجديدة، وقد نجم عن ذلك انتقال آلاف التلاميذ والتلميذات إلى المدرسة العمومية.
يبدو أن هذه النتائج دفعت بمدبري القطاع، وفي تفاعل مع رغبة أغلب أولياء أمر التلاميذ والتلميذات إلى العودة للتعليم الحضوري بمعدل نصف حصة، أي أن التلاميذ يستفيدون فقط من نصف الزمن المدرسي بحكم تقسيم القسم لضمان التباعد، ودون الاستعانة بآلية التعليم عن بعد، وأكيد أن نتائجها وإن عرفت نوعا من التحسن فستبقى غير تامة، تأسيسا على كل هذا ما الدروس والعبر الواجب استخلاصها من الجائحة؟
الآفاق
إن الجائحة وضعت الإنسانية أمام تحديات غير مسبوقة، وأكيد أن هذه التحديات ستجعل الدول والمؤسسات الخاضعة لسلطة شعوبها، أمام مسؤولياتها، وستدفع لاستخلاص الدروس والعبر، من أجل تحصين الذات، وتقوية مناعتها عبر الاهتمام بالإنسان من خلال تسليحه بالفكر والمعرفة، ويبدو أن هذا الخيار لن يكون ضمن جدول أعمال الدول الاستبدادية إلا وفق ما يخدم أجندتها، وفي هذا الإطار سيلاحظ المتتبع ما يجري في الساحة الوطنية، ويرى أن الدولة لم تحد عن خيارتها الطبقية المتمثلة في المزيد من إحكام السيطرة والاستغلال، والتضييق على الحريات، وسيلاحظ أيضا ورغم التصريحات والمراسيم فإن استخلاص العبر والدروس من الجائحة سيبقى مجرد رجع صدى، ما لم تكن هناك إرادة جادة تحضر مشاريع منطلقها الاستثمار في الرأسمال البشري، باعتباره فاعلا حاسما في النهوض بالمجتمع، وأن هذا الاستثمار ينبغي أن يتم من خلال مشاريع تستحضر البعد الاجتماعي بكل أبعاده، وتستحضر أيضا تمكين الأجيال من امتلاك ناصية العلم والمعرفة على مختلف المستويات، أسوة بأمم شقت طريقها نحو مدارج الرقي، بناء عليه ومن باب الأمل والتفاؤل اليقظ، فالمطلوب من الدولة على أعلى مستوى امتلاك إرادة حقيقية لإيلاء الإنسان المغربي الاعتبار والأهمية اللازمة، انطلاقا من اعتباره مصدر التقدم والاستقرار إن هو تمكن من حقوقه الاجتماعية، وعلى رأسها تعليم حداثي جيد يشمل جميع المناحي الفكرية والمهارية المرتبطة بمواكبة الثورة التكنولوجية، وحيث أن مسألة التعليم تدخل ضمن صلب دمقرطة الدولة، فإن القوى الوطنية والتقدمية التواقة إلى التحرر والتقدم، مفروض فيها أيضا أن تضع ضمن برنامجها السياسي، اقتراحا ونضالا، الرؤية المتعلقة بإصلاح التعليم إصلاحا حقيقيا، بما يمكن أبناء المغاربة من امتلاك المعرفة في جميع المجالات والتخصصات، وهو ما يستدعي الاهتمام بالبحث العلمي، وتمكين الشباب من تطوير مهاراتهم المعرفية والعلمية المواكبة لكل مجالات المعرفة، وفي هذا الإطار ينبغي التنويه بالمواقف المبدئية والإسهامات الفكرية ( ندوات – دراسات – بيانات…) التي كانت ولازالت النقابة الوطنية للتعليم كدش تقوم بها تجاه المدرسة العمومية، داعية إلى تطويرها وجعلها مؤسسة تمكن كل الناشئة من تعليم مجاني حداثي جيد، مساير لكل مسارات التطور المعرفي والعلمي، تماشيا مع هذا التوجه نقول إن مطلب تطوير أداء المدرسة العمومية، مطلب ملح يستدعي تضافر الجهود، فما ضاع حق وراءه مطالب.