فلسطين: الذّاكرة المتوهجة

 صالح لبريني

ما‭ ‬معنى‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬مرآة‭ ‬الثقافة‭ ‬؟‭ ‬

سؤال‭ ‬يثير‭  ‬الحيرة‭ ‬والإرباك،‭ ‬ويجعل‭ ‬الذات‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬نفسها،‭ ‬والأفق‭ ‬مفتوحاً‭ ‬على‭ ‬احتمالات‭ ‬وتساؤلات‭ ‬حول‭ ‬مكانة‭ ‬هذا‭ ‬الاسم‭ ‬الحامل‭ ‬تجذّره‭ ‬ورسوخه‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬باعتبارها‭ ‬الأرض‭ ‬والتاريخ‭ ‬والحضارة،‭ ‬أرض‭ ‬ممتدة‭ ‬في‭ ‬جغرافيا‭ ‬الشام‭ ‬الثابتة‭ ‬على‭ ‬الأصل‭ ‬لا‭ ‬الفرع،‭ ‬التي‭ ‬تكتب‭ ‬وجودها‭ ‬بحبر‭ ‬الامتداد‭ ‬الحضاري،‭ ‬وتاريخ‭ ‬يفصح‭ ‬عن‭ ‬مراياه‭ ‬المتعدّدة‭ ‬والمختلفة،‭ ‬التي‭ ‬تبرز‭ ‬صوراً‭ ‬كثيرة‭ ‬لآثاره‭ ‬في‭ ‬بقاع‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬هذه‭ ‬الأقانيم‭ ‬الثلاثة‭ ‬تشكل‭ ‬هوية‭ ‬فلسطين‭ ‬وكينونته،‭ ‬فالقلق‭ ‬والخوف‭ ‬يظلّان‭ ‬هاجساً‭ ‬معرفياً‭ ‬ووجودياً‭ ‬متعلّقا‭ ‬بها‭ ‬ومتحصّنا‭ ‬بكتابها‭ ‬المليء‭ ‬بالأحداث‭ ‬والتقلّبات‭ ‬والانعطافات‭ ‬،‭ ‬ممّا‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬أثر‭ ‬على‭ ‬الممارسة‭ ‬الثقافية،‭ ‬التي‭ ‬ستشهد‭ ‬مع‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬منعطفا‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬تصيير‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬محور‭ ‬الثقافة‭ ‬والتفكير‭ ‬والتأمل‭ ‬والتحليل‭ ‬والتأويل،‭ ‬ومن‭ ‬الانشغالات‭ ‬الأساس‭ ‬عند‭ ‬المثقف،‭ ‬من‭ ‬خلال،‭ ‬المقاربات‭ ‬المفكّكة‭ ‬لمعضلة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني،‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬فرض‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬سياسية‭ ‬وحقوقية‭ ‬وثقافية‭ ‬باستحضار‭ ‬تاريخ‭ ‬وحضارة‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬المغتصَبة،‭ ‬لهذا‭ ‬بقيت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الشائكة‭ ‬والملتبسة‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬الثقافة‭ ‬الإنسانية‭. ‬ومن‭ ‬الهموم‭ ‬الحارقة‭ ‬والمتّقدة‭ ‬عند‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭. ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬ارتبطت‭ ‬بالسؤال‭ ‬الثقافي‭ ‬البعيد‭ ‬عن‭ ‬الرؤى‭ ‬والتصورات‭ ‬التي‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬الإيديولوجيا،‭ ‬والذي‭ ‬جاء‭ ‬بإشكالات‭ ‬جديدة‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬التحولات‭ ‬العميقة‭ ‬على‭ ‬الصُّعُد‭ ‬كافّة،‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬هزيمة‭ ‬67،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمّى‭ ‬بالنكسة‭. ‬والتي‭ ‬وضعت‭ ‬الذات‭ ‬أمام‭ ‬مصيرها‭ ‬المؤلم‭ ‬والقاسي،‭ ‬وقوّضت‭ ‬كلّ‭ ‬السرديات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬شكّلت‭ ‬إطارا‭ ‬مرجعيا‭ ‬لمثقفي‭ ‬القومية‭  ‬والوحدة‭ ‬والهوية،‭ ‬النهضة‭ ‬والحداثة،‭ ‬لتلج‭ ‬الذات‭ ‬مرحلة‭  ‬الارتكاسة‭ ‬الوجودية‭. ‬وتتخذ‭ ‬القضية‭ ‬أولوية‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬حيث‭ ‬ارتبطت،في‭ ‬البداية،‭  ‬بالسؤال‭ ‬الشعري،‭ ‬سؤال‭ ‬المغايرة‭ ‬والمخالفة‭. ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬المثقف‭ ‬الانخراط‭ ‬الفعلي،‭ ‬برؤية‭ ‬جديدة،‭ ‬في‭ ‬تناول‭ ‬القضية‭ ‬في‭ ‬تعالق‭ ‬مع‭ ‬سؤال‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬النقدي،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬الممارسة‭ ‬الثقافية‭ ‬منحصرة‭ ‬في‭ ‬سؤال‭ ‬الذات‭ ‬بل‭ ‬منفتحة‭ ‬على‭ ‬الكوني،‭ ‬ومتجاوزة‭  ‬الأشكال‭ ‬التقليدية‭ ‬بخلق‭ ‬أشكال‭ ‬تستجيب‭ ‬لنداء‭ ‬النكسة؛‭ ‬وما‭ ‬تلاها‭ ‬من‭ ‬خيارات‭ ‬مأساوية‭ ‬كانت‭ ‬وراء‭ ‬تراجيديا‭ ‬عربية‭ ‬مازالت‭ ‬فصولها‭ ‬مستمرة‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة،‭ ‬والتي‭ ‬اكتملت‭ ‬صورها‭ ‬البشعة‭ ‬فيما‭ ‬تشهده‭ ‬بلدان‭ ‬عربية‭ ‬من‭ ‬حروب‭ ‬وخراب‭ ‬وتدمير‭ ‬وتشويه‭ ‬لوجودها‭ ‬التاريخي‭ ‬والحضاري‭. ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬اتفاقيات‭ ‬السلام‭ ‬التي‭ ‬دشنتها‭ ‬مصر‭ ‬بكامب‭ ‬ديفيد‭ ‬مع‭ ‬السادات،‭ ‬واتفاقيات‭ ‬أوسلو‭ ‬ومدريد‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬صفقة‭ ‬القرن‭ ‬من‭ ‬مدخلات‭ ‬النكسة‭ ‬ومخرجاتها،‭ ‬فإنّها،‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬عرّت‭ ‬حقيقة‭ ‬خنوع‭ ‬وخضوع‭ ‬الحكام‭ ‬العرب‭ ‬للإملاءات‭ ‬الغربية،‭ ‬مبدّدة‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬بزوغ‭ ‬صحوة‭ ‬عربية‭ ‬جديدة،‭ ‬ممّا‭ ‬عمّق‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بأسئلتها‭ ‬وجراحاتها‭ ‬العميقة‭ ‬في‭ ‬السؤال‭ ‬الثقافي‭ .‬

‭ ‬فالحديث‭ ‬عن‭ ‬فلسطين‭ ‬إبداعيا‭ ‬ليس‭ ‬باعتبارها‭ ‬قضية‭ ‬شعب‭ ‬متشبث‭ ‬بأرضهو‭ ‬أصله،‭ ‬بجذوره‭ ‬ووجوده،‭ ‬وإنما‭ ‬كقضية‭ ‬قيم‭ ‬ناضلت‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬الإنسانية‭ ‬قاطبة،‭ ‬و‭ ‬كانت‭ ‬شرارة‭ ‬متّقدة‭ ‬للخلق‭ ‬وصناعة‭ ‬متخيّل‭ ‬موسوم‭ ‬بالتّوهّج‭ ‬والحضور‭ ‬والاستمرارية‭ ‬ماضيا‭ ‬وحاضرا‭ ‬ومستقبلا،‭ ‬لهذا‭ ‬تشكل‭ ‬القضية‭ ‬ملمحا‭ ‬من‭ ‬ملامح‭ ‬الثقافة‭ ‬وتشكّلا‭ ‬من‭ ‬تشكلات‭ ‬الوعي‭ ‬الإبداعي،‭ ‬وَهَمّاً‭ ‬ملتصقاً‭ ‬بالكينونة‭ ‬كسؤال‭ ‬وكينونة،‭ ‬وإشكالية‭ ‬معرفية‭ ‬تدور‭ ‬رحاها‭ ‬حول‭ ‬الذات‭ ‬وموقعها‭ ‬في‭ ‬سيرورة‭ ‬الزمن‭ ‬وصيرورة‭ ‬الواقع،‭ ‬فجاءت‭ ‬ثقافة‭ ‬القضية‭ ‬براهنيتها‭ ‬بوساطة‭ ‬التعريف‭ ‬بها‭ ‬وتداولها‭ ‬في‭ ‬محافل‭ ‬الفكر‭ ‬والسياسة،‭ ‬وتشكيلها‭ ‬جماليا‭ ‬وفنيا‭ ‬بمختلف‭ ‬التعبيرات‭ ‬الأدبية‭ ‬من‭ ‬شعر‭ ‬ومسرح‭ ‬ورواية‭ ‬وتشكيل‭ ‬وكاريكاتير‭ ‬وغيرها،‭ ‬فصارت‭ ‬بذلك‭ ‬قضية‭ ‬العدل‭ ‬والمساواة،‭ ‬قضية‭ ‬الحق‭ ‬ضد‭ ‬الأبــــاطــــيـــل،‭ ‬قــضــيــةالــحــق‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬وواقعا‭ ‬يُدين‭ “‬الأمة‭ ‬العربية‭”  ‬والمنتظم‭ ‬الدولي‭ ‬المتقاعس‭ ‬والمتكالب‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬إنها‭ ‬قضية‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭. ‬ولعلّ‭ ‬وقفة‭ ‬متأنية‭ ‬أمام‭ ‬ما‭ ‬تحفل‭ ‬به‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬أسئلة‭ ‬الراهن‭ ‬في‭ ‬تفاعل‭ ‬مع‭ ‬الماضي‭ ‬واستشراف‭ ‬الآتي‭ ‬تأكيد‭ ‬على‭ ‬الانشغال‭ ‬العميق‭ ‬بهذه‭ ‬القيم‭ ‬التي‭ ‬تُذْبَح‭ ‬بسكّين‭ ‬الأسطورة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الحق‭ ‬لا‭ ‬يُغلَب‭ ‬أبداً،‭ ‬بالرّغم‭ ‬من‭ ‬التكالب‭ ‬الغربي‭ ‬والتخاذل‭ “‬العربي‭” ‬فقد‭ ‬نجحت‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬فضح‭ ‬حقيقة‭ ‬الصهاينة‭ ‬وإبراز‭ ‬الوجه‭ ‬القبيح‭ ‬لسياسة‭ ‬الغرب‭ ‬تجاه‭ ‬قضايا‭ ‬العرب‭. ‬وفي‭ ‬تحويل‭ ‬فلسطين‭ ‬إلى‭ ‬أسطورة‭ ‬رمزية‭ ‬للنضال‭ ‬والكفاح،‭ ‬والأكثر‭ ‬مما‭ ‬ذُكِر‭ ‬أنها‭ ‬غدت‭ ‬أيقونة‭ ‬تحمل‭ ‬معاني‭ ‬التضحية‭ ‬والاستشهاد‭ ‬والإيثار‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استعادة‭ ‬الأرض‭ ‬التاريخية‭ ‬والحضارية‭ ‬والدينية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المبدعين‭ ‬احتفوا‭ ‬بهذه‭ ‬القضية‭ ‬أيّما‭ ‬احتفاء،‭ ‬وذلك‭ ‬عبْر،‭ ‬جعلها‭ ‬ذات‭ ‬بعد‭ ‬إنساني‭ ‬بأساليب‭ ‬جمالية‭ ‬وفنية‭ ‬في‭ ‬أشكال‭ ‬تستجيب‭ ‬لنداء‭ ‬القضية،‭ ‬وذات‭ ‬دلالات‭ ‬متعدّدة‭ ‬فهي‭ ‬الأم‭ ‬والحبيبة‭ ‬والأرض‭ ‬والتاريخ‭ ‬والأسطورة‭ ‬والحضارة،‭ ‬وهي‭ ‬هذا‭ ‬الكلّ‭ ‬المنفلت‭ ‬من‭ ‬التحديد‭ ‬والإحاطة‭.  ‬هذه‭ ‬الأبعاد‭ ‬طبعت‭ ‬وتطبع‭ ‬مسار‭ ‬تشكّل‭ ‬فلسطين‭ ‬نصيا،‭ ‬بل‭ ‬خطابا‭ ‬إبداعيا،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬تأكيد‭ ‬على‭ ‬قيمتها‭ ‬الإنسانية‭ ‬والوجودية،‭ ‬وعلى‭ ‬طابعها‭ ‬الكوني‭.‬

ولاغرابة‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬مادام‭ ‬تأريخ‭ ‬التحولات‭ ‬الإبداعية‭ ‬والثقافية،‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬الإبداع‭ ‬العربي،‭ ‬مقترن‭ ‬بفلسطين‭ ‬كسؤال‭ ‬ثقافي‭ ‬لا‭ ‬يطمئن‭ ‬للعاطفة‭ ‬والمرجعيات‭ ‬الإيديولوجية،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬أفضى‭ ‬إلى‭ ‬إحداث‭ ‬القطيعة‭ ‬مع‭ ‬التصورات‭ ‬السابقة‭ ‬بإنتاج‭ ‬معرفة‭ ‬جديدة‭ ‬تتماشى‭ ‬مع‭ ‬المعطيات‭ ‬والأوضاع‭ ‬العربية‭ ‬والعالمية‭. ‬وعليه‭ ‬يمكن‭ ‬عدُّ‭ ‬فلسطين‭ ‬كتابا‭ ‬يتساءل‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يجيب،‭ ‬متأملا‭ ‬الانتكاسات،‭ ‬برؤية‭ ‬متجدّدة‭ ‬و‭ ‬معرفة‭ ‬متحولة‭ ‬ومتغيّرة،كتابا‭ ‬شاهدا‭ ‬على‭ ‬محطات‭ ‬تاريخية‭ ‬حلحلت‭ ‬كل‭ ‬التكهنات‭ ‬والاحتمالات،‭ ‬بفعل‭ ‬التأثير‭ ‬الجليّ‭ ‬الذي‭ ‬خلّفته‭ ‬الانتفاضات‭ ‬المشرقة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الصراع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الصهيوني،مما‭ ‬حتّم‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬تغيير‭ ‬البوصلة‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬معرفة‭ ‬لبناء‭ ‬الذات‭ ‬وتحصينها‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬إبادتها‭ ‬وطمس‭ ‬معالمها،‭ ‬هذه‭ ‬الذات‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬ومازالت‭ ‬تتعرض‭ ‬لأبشع‭ ‬الممارسات‭ ‬اللاإنسانية‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني،‭ ‬هي‭ ‬اليوم‭ ‬تستعيد‭ ‬هيبتها‭ ‬في‭ ‬انتفاضة‭ ‬مايو‭ ‬2021،‭ ‬إذ‭ ‬أبانت‭ ‬فيها‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عن‭ ‬شراستها‭ ‬وتطورها‭ ‬عسكريا‭ ‬واستراتيجيا‭ ‬وشعبيا،‭ ‬إذ‭ ‬تمكّنت‭ ‬من‭ ‬ردع‭ ‬الكيان‭ ‬الغاشم‭ ‬بتخييب‭ ‬أفق‭ ‬توهماته‭ ‬واعتقاداته‭ ‬بكون‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تمّ‭ ‬وأدها‭ ‬بعد‭ ‬اتفاقيات‭ ‬العار‭  ‬بين‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬اختارت‭ ‬التطبيع‭ ‬والاصطفاف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬العدو،‭ ‬لكن‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الجديدة،‭ ‬التي‭ ‬طالت‭ ‬كل‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بهبة‭ ‬شعبية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬حسبان‭ ‬الصهاينة‭ ‬والمطبعين‭ ‬وغير‭ ‬المطبعين‭ ‬من‭ ‬العرب،‭ ‬أعادت‭ ‬الحياة‭ ‬للقضية،‭ ‬ولكن‭ ‬بزاوية‭ ‬نظر‭ ‬تختلف‭ ‬عمّا‭ ‬سبق،‭ ‬وتعلن‭ ‬عن‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الصراع‭ ‬الصهيوني‭ ‬والمقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬آمنت‭ ‬بإمكاناتها‭ ‬الذاتية‭ ‬وتجاربها‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الورم‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬زرعه‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬الشرق‭ ‬العربي،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬لهذه‭ ‬الصحوة‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬بعودة‭ ‬الهم‭ ‬الجمعي‭ ‬وإحياء‭ ‬الصلة‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الفتور‭ ‬والخمود،‭ ‬بفعل‭ ‬التراجع‭ ‬البارز‭ ‬لدور‭ ‬المثقف‭ ‬الذي‭ ‬استسلم‭ ‬للأمر‭ ‬الواقع،‭ ‬والأنكى‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬شراء‭ ‬ذمم‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬بالمال‭ ‬الخليجي‭ ‬إما‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المجلات‭ ‬أو‭ ‬الجوائز‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬كالفطر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬البترودولارية‭.  ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬المثقف‭ ‬المؤمن‭ ‬بالقضايا‭ ‬الإنسانية‭ ‬ظلّ‭ ‬مرتبطا‭ ‬بالقضية،‭ ‬مدافعا‭ ‬عنها،‭ ‬ومنافحا‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬استرداد‭ ‬أرضه‭ ‬ومقاومة‭ ‬المحتل،‭ ‬بكل‭ ‬الوسائل‭ ‬التعبيرية‭ ‬المتاحة‭.‬

هكذا‭ ‬تمكّن‭ ‬المثقف‭ ‬من‭ ‬تملّك‭ ‬فلسطين‭ ‬أخرى،‭ ‬فلسطين‭ ‬الحلم،‭ ‬فلسطين‭ ‬سؤال‭ ‬التحوّل،‭ ‬فلسطين‭ ‬التحرّر،‭ ‬فلسطين‭ ‬الهوية‭ ‬التي‭ ‬كسّرت‭ ‬اختزال‭ ‬الهوية‭ ‬بتأسيس‭ ‬ثقافة‭ ‬تبني‭ ‬الذات‭ ‬في‭ ‬كلّيتها‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬التفكير‭ ‬الفرداني،‭ ‬لذا‭ ‬تشكّل‭ ‬فلسطين‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬شخصيا‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬أستمدها‭ ‬لمواصلة‭ ‬مسار‭ ‬التصدّي‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يفصلني‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬الشهادة‭ ‬والتضحية،‭ ‬والتي‭ ‬تكتب‭ ‬بدم‭ ‬الشهداء‭ ‬فصلا‭ ‬من‭ ‬فصول‭ ‬المقاومة‭ ‬والصمود‭. ‬ومن‭ ‬تمّ‭ ‬فللثقافة‭ ‬أدوار‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬القضية‭ ‬محليا‭ ‬ودوليا‭ ‬ووسيلة‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬العالَم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬نموذج‭ ‬استعماري‭ ‬متغوّل‭ ‬لا‭ ‬يفقه‭ ‬غير‭ ‬لغة‭ ‬المواجهة‭. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى