فلسطين جرحنا الغائر
- حسن الرموتي - قاص
فلسطين حلقة وصل بين القارات، أسيا وإفريقيا وأروبا، مهبط الديانات وأولى القبلتين وثالث الحرمين، لذلك لم يكن غريبا هذا التكالب على أرض الأحرار من الفلسطينيين. لذلك فالقضية الفلسطينية هي جرحنا الغائر مادام هذا الشعب العربي مازال يعاني من الاحتلال والتهجير، ومازال يقاوم ضد الغطرسة الإسرائيلية بدعم من الدول الغربية. القضية الفلسطينية ترتبط بي منذ قرأت ما أبدعه مجموعة من الكتاب الفلسطينيين، بداية بالشهيد غسان كنفاني خاصة عائد إلى حيفا المقررة في سنوات الباكالوريا المغربية بداية الثمانينيات من القرن الماضي، ومازالت جملة إن الإنسان في نهاية المطاف قضية تتردد في ذاكرتي، ثم رواية رجال في الشمس، بعدها قرأت اميل حبيبي وإبراهيم نصر الله وغيرهم ، ثم أشعار محمود درويش وسميح القاسم والشاعرة فدوى طوقان ومعين بسيسو، ثم جماعة من الأساتذة الفلسطينيين الذين درسنا تحت أيديهم سواء في الثانوي كالأستاذ يونس سلمى أبوزيد كان من غزة بقي ومات ودفن في الصويرة، أو في جامعة مراكش أمثال زلوم بركات وأفنان القاسم. هنا أدركت أني أمام كتاب وشعراء اكتووا بحرقة الكلمة من خلال معاناة شعبهم وتعبيرا عن مأساة شعب يعيش تحت الاحتلال، احتلت أرضهم وهجر العديد منهم. زاد إماني بهذه القضية من خلال الحلقات الجامعية المنظمة من كل الأطياف التي كانت تلتقي في الدفاع عن هذه القضية، حلقات لا تخلو من شعارات وهتافات داعمة لفلسطين وأبنائها. هكذا تشكل وعي بهذه القضية التي ظلت حاضرة في ذهني إلى اليوم أملا أن نرى هذا الشعب وقد تحرر وأقام دولة عاصمتها القدس الشريف. هذا الوعي جعلني ملتحما مع هذه القضية، ودفعني في بداية كتاباتي الإبداعية أن أكتب نصوصا شعرية عن فلسطين متأثرا بشعرائها، كما كتبت نصوصا قصصية منها قصة المحارب والمحطة في مجموعتي القصصية الأولى – مملكة القطار – حيث تحضر هذه القضية وهزيمة 1967 من رموزها، القطار رقم 67 سيتأخر كما في هذه القصة، والمحارب الذي فاته القطار. هذه القضية شكلت جزءا من كياني في مرحلة مهمة من تاريخ المغرب حيث مازال اليسار المغربي يحمل هموم الشعب المغربي ومدافعا عن القضية الفلسطينية التي كانت جزءا من مشروعه النضالي أواخر السبعينيات قبل أن تتغير الأمور اليوم حيث أصبحت الانتكاسات والخيبات ملازمة لنا. من المؤسف اليوم أن المثقف الحقيقي المغربي والعربي فقد بوصلته في ظل هذه الإخفاقات في كل ربوع الوطن العربي، وفي ظل هذه الصراعات العربية / العربية لم تترك للمثقف العربي فرصة الدفاع عن هذه القضية والالتحام معها والتي شكلت منذ عقود قضية العرب الأولى. من المؤسف اليوم أن هذه القضية لم تعد مركزية في الوقت الذي يجب أن يتحد فيه المثقفون العرب، ويشكلون كيانا واحدا وقوة للدفاع عن فلسطين، نراهم اليوم يعيشون تيها وغربة وقهرا في ظل حكومات تزيدهم تهميشا. إن ما يجري اليوم في القدس مثلا من قصف وتجهير السكان من منازلهم يجب أن يثير ذلك المثقفين العرب، بل كل أحرار العالم. في ظل هذا الصراع غير المتكافئ ستظل هذه القضية مفتوحة على كل الاحتمالات، لكنها تبقى قضية كل المثقفين النزهاء وليس مثقفي الواجهة من جهة، كما أنها تبقى من جهة أخرى قضية الفلسطينيين، وعليهم الاعتماد على أنفسهم في الدفاع عن حقهم في استرجاع أرضهم. المثقف الحقيقي الحامل للهم الفلسطيني العربي اليوم والمرتبط تاريخيا ودينيا وقوميا، قد يجد نفسه في صدام مع حكومات وسياسة بلده مما يخلق لديه احباطا مضاعفا، يجعله يعيش بؤسا أي وعيا بأزمته التي يحملها بين ضلوعه. هذا يجعلنا نطرح سؤالا هاما، هل تخلى المثقفون العرب عن القضية الفلسطينية؟ من الصعب الجواب على هذا السؤال، وتقديم جواب شاف، لكن أقول إنه رغم تخلي العديد من العرب وبعض المثقفين عن دورهم في الدفاع عنها، فإن القضية ستظل حاضرة في وعيهم بشكل أو آخر، لأنها قضية وجود، وجود شعب عربي محتل. وقضية قيم وقضية إنسان يعاني ضد عنصرية تريد أن تمحو ذاكرة شعب آخر. أقول إن عقوق بعض المثقفين اليوم هو هذا الصمت غير المبرر الذي لجؤوا إليه عوض القبض على الجمر والدفاع عن حق مسلوب، وبالتالي فإن عدم الاهتمام بالقضية وضعف الانتصار لأصحاب الحق هو من نتائج تجاهل هؤلاء المثقفين…
رغم هذه الإخفاقات التي نعيشها، ستظل فلسطين مثل الجدوة تحت الرماد، ستظل مشتعلة، وسنظل نحمل حرقتها ونكتوي بنارها رغم هذا البعد الذي يفصلنا عنها، لأننا نشأنا على حبها منذ عقود وهتفنا باسمها في ساحة الجامعة أوائل الثمانينيات بكلية الآداب بمراكش، يوم كان للنضال معنى، رغم التضييق على الحريات وزمن الرصاص، كانت فلسطين حاضرة في أذهاننا، نستمتع لأغاني مرسيل خليفة مسجلة، وقصائد محمود درويش التي كانت تدفعنا إلى الايمان أكثر بعدالة هذه القضية. نتوشح بالكوفية الفلسطينية تعبيرا على تضامننا المطلق مع الإخوان الفلسطينيين، إضافة إلى الأمسيات الشعرية التي كانت تقام بين المبدعين من الطلبة…إنه زمن الالتحام بهذه القضية التي كانت من همومنا، ولازالت بشكل أو الآخر رغم السنوات الطويلة التي مرت. وحين نقول ذلك ونحن نقف في صف الفلسطينيين، ليس لأننا أكثر من أصحاب الأرض تشبتا بها، بل نقف معها لأنها امتحان يومي لضمير العالم كما يقول الروائي إبراهيم نصر الله. خلاصة القول ستظل فلسطين ذلك الجرح الذي لن يندمل إلا برجوع الحق المسلوب والأرص إلى شعبها.