يمر العالم بأزمة كبرى ومتعددة الأبعاد، فبعد سنتين على جائحة كورونا التي خلفت الملايين من الضحايا، وألقت بعشرات الملايين في مهاوي الفقر، وأزمت الاقتصاد العالمي، اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية التي تسببت في حدوث أزمات الطاقة، والمواد الأولية الاستراتيجية، وخاصة الحبوب، مما جعل الأسعار تتضاعف، وتصل إلى مستويات غير مسبوقة. في ذات الوقت، استفحلت تداعيات التحولات المناخية، والأعاصير والفيضانات في عدة مناطق، وجفاف قاس في مناطق أخرى كشمال أفريقيا.
إن الأوضاع الدولية أصبحت مطبوعة بتصاعد الصراع الجيو-استراتيجي بين الغرب بقيادة الإمبريالية الأمريكية من جهة، والمحور الأوراسي بزعامة روسيا والصين في الجهة المقابلة، ويحمل هذا الصراع، مخاطر حقيقية بالتسبب في حرب عالمية ثالثة قد تعجل بفناء البشرية. فقمة مجموعة العشرين بأندونيسيا، ومؤتمر المناخ بشرم الشيخ بمصر، شكلا في الآونة الأخيرة فرصتين ثمينتين لتدارك الانزلاق السريع نحو الهاوية، لكن يبدو أن القوى العظمى، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية لازالت مصرة على إدامة أحاديتها القطبية، بممارسة الضغوط القوية على البلدان الصاعدة، لأنها ترى في نمو حصة هذه الاخيرة في الأسواق الدولية تهديدا لامتيازاتها وسلطتها التي أصبحت تتمتع بهما طيلة العقود الثلاثة الماضية، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية الثنائية القطبية.
على المستوى الإقليمي، لازالت محاولات ترميم نظام الجامعة العربية، محكومة بالحسابات الضيقة لأنظمة الفساد والاستبداد المتسلطة على شعوب المنطقة الممتدة من الخليج العربي الى المحيط الاطلسي. والغريب والمؤلم، أن هذه الانظمة عاجزة عن استثمار الفرصة التاريخية التي تتيحها التحولات الدولية الجديدة، على الأقل لإعادة بناء نظامها الإقليمي، وتحصين سيادتها، وحماية الشعب الفلسطيني من تغول اليمين الصهيوني المتطرف، وفرض حل الدولتين المنصوص عليه دوليا. على العكس من ذلك لم تخجل بعض الأنظمة في مد يدها للكيان الصهيوني وتطبيع علاقاتها معه، خوفا وطمعا في حماية الإمبريالية الأمريكية من تهديدات إقليمية محتملة. فالهواجس الأمنية، وما تمليه من خوض معارك استباقية ديبلوماسية واستخباراتية تتطلب تعبئة موارد ضخمة على حساب تلبية الحاجات الأساسية لشعوب المنطقة، في سياق مطبوع بتداعيات الجائحة والجفاف والحرب الدائرة في أوكرانيا.
في سياق كهذا، تستمر حكومة البورجوازية الريعية في بلادنا في نهج سياسة تدبير الأزمة لصالح الأقلية الطبقية المسيطرة، متجاهلة حتى ما سمي بالنموذج التنموي الذي تطلب سنتين من النقاش والمشاورات لينتهي مثل سلفه تقرير الخمسينية بوضعه على الرفوف. وللإشارة فإن قانون المالية الذي يمثل الأداة الأساسية للدولة لإنعاش الاقتصاد من خلال دعم الاستثمار المنتج، والقدرة الشرائية للمستهلكين، ظل في هذه السنة محكوما بنفس التوجهات السابقة، بل وتضمن إجراءات تمثل هجوما على مختلف شرائح الطبقة الوسطى، وهو ما أدى إلى خوض فئات هذه الطبقة لاحتجاجات غير معهودة في مواجهة هذه السياسة، وهو ما دعا لتنظيم التظاهرة الاحتجاجية للجبهة الاجتماعية المغربية ليوم 04 دجنبر لمواجهة موجات الغلاء التي تجتاح البلاد بسبب اختيارات الدولة اللاشعبية.
لا مناص للقوى الديمقراطية والتقدمية من خوض الصراع على جبهتين، الجبهة الداخلية ضد التراجعات الحقوقية وتغول السلطوية وقوى الفساد والاستبداد، والجبهة الخارجية للدفاع عن الوحدة الترابية، والتصدي للمخططات الصهيونية والامبريالية واسقاط صفقة التطبيع المذلة والمخجلة.
في ذات الدينامية، تنخرط مكونات فيدرالية اليسار في الخطوات النهائية للوحدة الاندماجية لبناء قوة تقدمية وازنة بإمكانها المساهمة مع باقي القوى المناضلة في تغيير ميزان القوى، وتجاوز حالة الانسداد السياسي والاجتماعي والحقوقي التي تعاني منها جماهير شعبنا.