قراءة في مشروع ميثاق الاستثمار الجديد
- رقيي محمد
المشاريع الاقتصادية للدولة هي المؤشر والرافعة الأساسية لتقدم الدول، وقياس تقدمها أو تأخرها يتوقف على قيمة الاستثمارات ونجاعتها، وعلى الأهداف والنتائج المرسومة مسبقا في برامجها سواء على المدى الاستراتيجي المتوسط أو على المدى البعيد.
سمات مشروع الاستثمار الجديد 03.22
في قراءة أولية لمشروع قانون الإطار – ميثاق “الاستثمار” المقدم مؤخرا أمام قبتي البرلمان في افتتاح الدورة الاولى من السنة التشريعية الاولى من الولاية التشريعية الحادية عشرة للمصادقة عليه، تبرز ثلاث سمات أساسية:
- أولا، أن ميثاق الاستثمار الجديد، مشروع القانون الحالي رقم 03.22 ليس إلا نسخة ثانية، وجاء لإصلاح قانون الاستثمار رقم 18.95 الذي صدر منذ ما يزيد من أكثر من 26 سنة، والذي تشوبه عدد من الاختلالات، باعتراف رسمي من خلال تقري وزير المالية بفشل هذا القانون، فالمنظومة الاقتصادية بكاملها وشرعت للزبونية والمضاربات العقارية وتوسيع دائرة الريع والفوارق المجالية.
- ثانيا، أنه جاء عرضياً، ومن خارج الصيغ المتعارف عليها دوليا، لأن خطط الدول الديمقراطية والنامية التي عرفت نجاحات وتقدمت اقتصاديا واجتماعيا انعكست نتائج خططها في برامجها وبشكل ملحوظ على شعوب هاته الدول، من خلال معدلات النمو ومستويات الدخل الفردي، والبنية التحتية… لأنها وضعت استراتيجية واضحة في برامجها وخططها الحكومية.
- ثالثا، أن هذا المشروع من أهدافه أن يبلغ الاستثمار الخاص ثلثي الاستثمار الإجمالي في أفق 2035، بمعنى أن يشمل ويتسع القطاع الخاص على حساب الاستثمار العمومي الذي تلعب فيه الدولة دورا مهما حفاظا على القطاع العمومي، واستجابة لصندوق النقد الدولي في أفق تنفيذ البرنامج التنموي المقترح من أعلى، فهو يعدّ تجسيداً للتبعية العمياء، في عهد الحكومات السابقة والحالية.
أهداف مشروع ميثاق الاستثمار
لا يمكن أن يختلف أحد على نبل وقيمة الأهداف السبعة التي جاء بها قانون الاستثمار الجديد، والتي عرضها وزير الاقتصاد والمالية ولخصها فيما يلي:
1- إحداث مناصب شغل.
2- تقليص الفوارق المجالية بين الأقاليم والعمالات في جدب الاستثمارات؛
3- توجيه الاستثمارات نحو القطاعات ذات الاولية ومهن المستقبل؛
4- تحسين مناخ الأعمال وتسهيل عملية الاستثمار؛
5- تعزيز جاذبية المغرب لجعله قلباً قريباً ودوليا للاستثمارات الأجنبية المباشرة؛
6- تشجيع الصادرات وتعزيز مكانة المقاولات المغربية على الصعيد الدولي؛
7- تشجيع تعويض الواردات بالإنتاج المحلي.
إن كل هذه الأهداف التي رسمها مشروع الاستثمار الجديد، ومن أجل تحقيقها حددت لها ثلاثة محاور:
- محور بأربعة أنظمة لدعم الاستثمار (نظام لدعم الاستثمار، يتكون من منح مشتركة، منحة ترابية، ومنحة قطاعية؛ نظام دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، نظام دعم مشاريع الاستثمار الاستراتيجي ونظام دعم المقاولات المغربية دوليا).
- محور تحسين مناخ الاستثمار (توفير أراضي صناعية وتجهيزها مجاليا، إعفاءات وتسهيلات ضريبة وجمركية، تسهيل تنقيل العملات من وإلى خارج البلد…)
- محور إرساء حكامة موحدة، تشرف عليها اللجنة الوطنية للاستثمار.
خلاصات واستنتاجات أولية:
من بين الملاحظات التي لا يمكن إغفالها أن بنية الاستقبال التي كانت في السابق، أي مراكز الاستثمار ومكاتب الاستقبال في العمالات والإدارات المركزية (من جمارك، وإدارة الضرائب، مجلس المنافسة …) لا زالت بتركيبتها البشرية ومنظومتها كما هي، بل هي التي ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في عرقلة النمو الاقتصادي وتعطيل عملية الاستثمار، سواء بإعطاء امتيازات لمن لا يستحقها، باعتماد الزبونية، وإخفاء المعلومة على غالبية المستثمرين، أو بضرب الحق في تكافؤ الفرص، بالإضافة إلى التعقيد الإداري لمسطرة الاستثمار، سواء الداخلي أو الخارجي.
ومن أهم الخلاصات التي يجب الوقوف عليها، في مشروع هذا القانون، بالرغم أن المجال لا يتسع للتفصيل في بنوده، أنه لا يمكن فصل سياسة الاستثمار عن المنظومة القانونية في شموليتها. بل يجب مراجعة واحترام قانون المنافسة، مرسوم الصفقات العمومية، مدونة التجارة، مدونة الشغل، دون إغفال حكامة التدبير بتبسيط المساطر الإدارية وفتح المجال للجميع للاطلاع على المعلومة وتوفيرها في المكان والزمن المناسب، وإصلاح القضاء الذي يعتبر مرجع كل المتقاضين، ووضع آلية للرقابة والحكامة، لتمكين البلاد من بلوغ القيمة العالمية التي تستحقها.
ختاما كما قال الكاتب نجيب محفوظ: “عندما يأمن الموظف من العقاب سيقع في الفساد ويسوم الفقراء سوءَ العذاب”.