تَوْليفـــات حُلْمِيـَّــة
بنيونس عميروش - تشكيلي وناقد فني
في سلسلة أعمالها الجديدة (ضمن معرضها الاستعادي بالمكتبة الوطنية بالرباط من 08 إلى 29 مارس 2019)، تتخذ تجربة شمس الضحى أطاع الله إيقاعا متصاعدا على مستوى الإنتاجية، فيما تسجل تحولا مُفارِقا على صعيد الأسلوب، بحيث تم الانتقال من التَّمَثُّل الواقعي للشخوص والمشاهد الاحتفالية التي شكلت فيها عوالم المرأة قطب الرحى، إلى المقاربة التَّرميزيَّة التي تنطلق من التفاصيل المعزولة بقدر من المعالجة المُوَجَّهَة بنَفَس تخييلي ثَرِي ومُجَنّح.
في المقابل، يظل الخط (La ligne) في مقدمة التَّمَظْهُرات التوليفية كأداة تركيبية وتعبيرية في آن. فإذا كان الخط عنصر ترسيم تشخيصي مدعم بكثافة التنقيط وتدرُّجاته في لوحاتها الحكائية السابقة، فإنه عنصر بنائي في تجربتها الراهنة الموصوفة بقدر من التجريدية البادية، بحيث يُعَدُّ الخط المنطلق والأساس في توليد الشكل واسترساله في تكوين الامتدادات البصرية من خلال التداخلات والتَّعَرُّجات والتَّضْفيرات وعبر استدراج الأحجام المتماهية مع التفريعات اللّامَّة والمُنفَرِجَة منها.
كيف يتم ذلك؟ في زيارتي الأولى لمرسمها في طريق زعير بالرباط، عاينت الفنانة شمس الضحى وهي تحمل في يدها قطعة خشبية متلاشية كما كانت ملقاة في الطبيعة، لتجعلها منها المُحَفِّز والمنطلق لبناء اللوحة، من خلال رسم أولي يروم تَقَصّي تراكيب التفريعات والمنحنيات والحياكات (Les textures)، كأن الأمر يتعلق بزرع بذرة «سحرية» تعمل على جَلْب المُكَمِّل واللّامُتَوَقَّع، بحيث يضحى مركز اللوحة بمثابة الرحم الولود. إنها الخصوبة التي تطلق العنان، بعد حين، لتمديد الخطوط وحفر مجراها الذي يعكس سلاسة إيقاع اليد المدفوعة بعِناية ذاتية، هادئة ورصينة، ضمن عملية استلهام الجُزْء لاستكمال الكُلّ الذي يؤلف اللوحة كوحدة تعبيرية، الكُلّ الذي قد يحتفظ بمَرْئِيَّة البداية في اللوحات الصغيرة المطبوعة بالمونوكروم (ذات اللون الأُحادي)، بينما يطمس أثر المنطلق في الأعمال المُلْحَقَة بالتلوين (أقلام بستل Pastel) الذي يبقي في مجمله خاضعا للشكل الذي يُبْرِز خطوط محيطه باستمرار.
في هذه الأعمال المُطبوعَة بتلوينات رمادية (Les gris colorés)، تؤكد الفنانة شمس الضحى أطاع الله مرة أخرى على عشقها المستدام للأسناد الورقية التي تُفْرِغ أطرافَها من ثِقل اللون، حيث الخَلْفِية (Le fond) منذورة للخِفَّة التي تترك المجال لامتدادات المركز وما يفرزه من رمزيات بصرية معبرة ودالة، منبثقة من داخل التكوينات الكلية، حيث تتفاعل أنماط الغرافيك عبر تشكيلات تفصيلية دقيقة لتنشيط الأشكال التي تعيدنا مباشرة إلى مفردات الطبيعة وأسرارها، خاصة وأن الأعمال تعلن الانتصار لمشهدِيَّة البَيْئَة ومُجاوراتها، إذ تُحيلنا على ما يشدنا إلى التراب، إلى صلب الطبيعة، عبر روح الخَشَب كما هي في الطبيعة العذراء والمتوحِّشَة. فيما التَّمَفْصُلات التجسيمية التي تتشكل كعضوية بشرية تدعونا لاستحضار ضغوط الجسد والنَّفْس، وكذا الصور المَخْفِية في دفتر الحياة، وبذلك تضعنا في وضعية جوار مع دواخل الفنانة الموسومة بحس فانطاستيكي يعكس أبعادا رمزية لعوالم حُلْمِيَّة عميقة ومطمورة.