نساء أمام باب عكاشة
◆ سارة سوجار
عادة نحكي التاريخ بطعم المذكر، وبلون سياسي جاف لا يذكر إلا معادلات الصراع والبطولات الرجالية ناسيين أو متناسين أن السياسة يصنعها إنسان، ذلك الإنسان الذي قد يكون امرأة أو رجلا وقد يكون ظالما أو مظلوما.
حكايات كثيرة تلك التي نسمعها، نتداولها وأحيانا قد نعيشها لكنها تبقى أساطير شفهية تنسى بعيدا عن تأريخ الحروف وكتابة المعاش.
عاش مغربنا تاريخيا لحظات مفصلية كان يرجى منها مراكمة ترسيخ الحرية والانتصار للكرامة، فكانت الدولة غالبا ما تختار لغة القمع والاعتقال عوض الاستجابة لريح التغيير، هذا الاعتقال الذي خلف ضحايا كثيرة ومعاناة متعاقبة لم تعوضها لا مقتضيات هيئة الإنصاف والمصالحة ولا شعارات إرادة دولة الحق والقانون.
هذا الاعتقال الذي استمر إلى يوم الحكم على الحق في الاحتجاج بعشرين سنة في مغرب 2019، ليس قمعا سياسيا أو صراعا بين الجلاد والمقاومة فقط، إنه معاناة مركبة يتداخل فيها الإنساني والسياسي وتتجاوز فيها رقعة الاضطهاد من المعتقل إلى محيطه الصغير والكبير.
ذكر تلك المعاناة لا يعني استعطاف الجلاد، ولا استعمالها من أجل تبرئة المظلوم، إنها إنصاف واعتراف لألم إنسان قهره الظلم فقط لأنه دافع عن الحق من أجله ومن أجل شعبه.
إنها معاناة إنسانية لن يفهمها إلا من عايشها، ولن يستوعب الألم الذي تتركه في دواخل الإنسان إلا من فهم معنى الحكرة والقهر.
ذلك المعتقل ليس وحيدا في السجن ولا في الألم، هناك من يتقاسم معه سواد الأسوار، تلك الأسوار التي تتجاوز حائط السجن.
قد لا يتقاسمون قساوة السجان، لكنهم يتقاسمون معه فرض قيود الحرية، إنه حرمان أم من رائحة ابنها، حرمان زوجة من دفء زوجها، فقدان حبيبة لحضن حبيبها …
ذكر النساء هنا ليس لأن المعاناة حكر عليهن، لكن هؤلاء النساء هن مصدر صمود المعتقلين والظهر الذي يحميهم من قساوة الظلم، كما أنهن شعلة الأمل والحياة التي تبقى مضيئة لكل ذلك الظلام الظالم الذي يخيم على زنازينهم.
لا طالما حملت قضية الاعتقال السياسي نساء: مناضلات، صحافيات، أمهات وزوجات بل وكن في قيادة وريادة كل النضالات من أجل الحرية رغم أن التاريخ المكتوب لم يؤرشف إلا قليل القليل من الحقيقة.
نساء لم يطالبن فقط برفع الظلم عن ذويهن، بل دافعن عن الحق في الحرية، في الحب وفي الحياة.. عن حق شعب بأكمله في الكرامة، في العدل والعدالة.
أكتب اليوم كما تكتب وكتبت غيري من النساء، كي لا ينسى هذا الشعب يوما أن هناك نساء ضحين وناضلن إلى جانب الرجال في سبيل أن تنعم أجيال بحياة تعترف بالإنسانية وتنتصر لها قبل أي شيء.
لا أريد أن يذكر التاريخ يوما جرأة ناصر دون كلمات زوليخة، ولا صمود أحمجيق دون شعارات عالية، ولا إخلاص جلول ومجاوي والحنودي دون وفاء سعاد ورشيدة وهدى وغيرهن من أولئك النساء التي توقفت أحلامهن عند أبواب سجن عكاشة.
تلك النساء اللواتي تنهمر دموعهن شجاعة، وتتردد شعاراتهن أملا في انفراج قريب هن جزء من تحقيق أحلام شعب ستتحقق في الغد القريب لا محالة.
أسماء مثل أحمد بنجلون، السرفاتي، زعزاع وغيرهم لم تكن تعكس فقط مبدئية رجل وفقط بل كانت تعكس أيضا سورا عاليا وعصيا عن السقوط كان يمنح الكثير من الصمود والأمل والأهم الكثير من الحياة ذلك السور كان في أغلب الأحيان أما، زوجة، رفيقة، حبيبة … أو محيطا متماسكا جعله يصنع تلك البطولات رغم قهر السجان.
هذا لا يعني أن النساء كن فقط مرافقات للمعتقلين، بل كن معتقلات وشهيدات وتقاسمن القمع والاعتقال والاضطهاد وأحيانا بقساوة أكثر من الرجل.
التاريخ لم ينصف النساء، لكن زنازين الجلاد، شوارع البلاد وطقوس الليالي الباردة تتذكر صمود نساء قاومن كل أنواع الاستبداد كي تنعم الأوطان بحلم العدالة يوما ما.
الدموع التي تسيل كل أسبوع عند باب سجن عكاشة ليست إلا أنهارا لن يكون عنوانها إلا التغيير والحرية، فالتاريخ لم يتذكر يوما سيرة الجلادين لكنه ذكر بمداد من فخر دائما بطولات المقاومين، تلك المقاومة التي كانت دائما امرأة ورجلا.