النقيب عبد الرحمن بن عمرو: الانفتاح على مختلف الثقافات لا يعني إحلال لغاتها محل اللغة الرسمية للبلاد

يعرض حاليا على مجلس النواب، قصد المناقشة والمصادقة، مشروع قانون – إطار رقم 17. 51 يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي…
وقد برز، فيما يخص لغة التدريس للمواد العلمية، اتجاهان: أحدهما، يرى بأن تدريسها يجب أن يكون باللغة العربية، وثانيهما، يرى عكس ذلك بالفرنسية.
– ونحن مع الاتجاه الأول للأسباب والمرتكزات والتوضيحات الآتية:
الدستور ولغة التدريس:
– يجب التذكير، بأن الدستور هو أعلى قانون في البلاد، وأن جميع مقتضياته تعتبر من النظام العام وبالتالي لا يجوز مخالفتها سواء جاءت المخالفة في شكل قانون أو مرسوم أو قرار تنظيمي أو فردي…
– ومن المعلوم أن الدستور المغربي ينص، من خلال فصله الخامس:
– على أن اللغة العربية لغة رسمية وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، الأمر الذي ينتج عنه وجوب استعمالها في جميع المجالات بما في ذلك مجال التدريس بها في جميع أنواع العلم وفي مختلف درجات التعليم.
– و ينص الفصل الخامس المذكور، في فقرته السادسة، على أن الدولة تسهر على تعلم وإتقان اللغات الأجنبية في العالم، بدون أن يحدد أسماء هذه اللغات الأجنبية ولا حتى معايير تحديدها.
– و باستثناء اللغتين العربية والأمازيغية المرسمتين، دستوريا، فإنه لا يوجد أي نص في الدستور يرسم أي لغة أجنبية بما في ذلك اللغة الفرنسية،.. الشيء الذي يترتب عليه عدم جواز استعمالها (اللغة الأجنبية) في الإدارات والمؤسسات العمومية والشبه العمومية و في مختلف المجالات الرسمية … ، بل لا يجوز استعمالها حتى من قبل الأفراد والمؤسسات الخاصة التي تقدم خدمات للمواطنين…
التطبيقات الناتجة عن رسمية اللغة العربية:
– من بين هذه التطبيقات :
– على المستوى التشريعي : على وجه المثال:
• الفصل 5 من القانون رقم 64 . 3 المؤرخ في 22 رمضان 1384 ه (26/01/1965) المتعلق بتوحيد المحاكم: وهو الفصل الذي نص على: « أن اللغة العربية هي لغة المداولات والمرافعات والأحكام».
–  وعلى مستوى تفعيل الفصل 5 من الدستور من قبل السلطة التنفيذية:
فقد صدرت العديد من القرارات والمنشورات، من بينها على وجه المثال:
–  قرار وزير العدل رقم 65 – 414 والمؤرخ في 29 /6/1965، وهو القرار المتعلق باستعمال اللغة العربية لدى المحاكم والذي جاء فيه ما يلي: «يجب أن تحرر بالعربية، ابتداء من فاتح يوليوز 1965، جميع المقالات والعرائض والمذكرات، وبصفة عامة، جميع الوثائق المقدمة لمختلف المحاكم».
–  وجه العديد من الوزراء الأولين (رؤساء الحكومات) إلى الوزراء، والكتاب العامين، ورؤساء الأقسام والمصالح التابعة لهم، منشورات تدعوهم فيها إلى استعمال اللغة العربية في الإدارات والمؤسسات التي يرأسونها وفي علاقاتهم مع بعضهم ومع المواطنين، على وجه المثال:
•  المنشور رقم 122 المؤرخ في 5/10/1973 الصادر عن الوزير الأول أحمد عصمان..
•  المنشور رقم 98 /58 الصادر عن الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي..
•  المنشور رقم 2008 /4 الصادر عن الوزير الأول عباس الفاسي…
•  المنشور رقم 16/2018 والمؤرخ في 20 صفر 1440 الموافق ل30 /10 /2018 والصادر عن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني…
–  على مستوى تفعيل الفصل 5 من الدستور من قبل السلطة القضائية:
•  لقد صدرت العديد من الأحكام القضائية، على مختلف درجات التقاضي وعلى رأسها محكمة النقض، وكلها أحكام تؤكد على رسمية اللغة العربية دستوريا وترتب على استعمال الفرنسية في مختلف الوثائق والمقررات والقرارات الإدارية الإلغاء والبطلان، وفي بعض الحالات التعويض عن الأضرار؛ ونسوق بعض الأمثلة في هذا الخصوص:
–  القرار رقم 1346 المؤرخ في 28 /12/ 2005 و الصادر عن الغرفة التجارية لدى محكمة النقض في الملف التجاري عدد 87/03/01/2002.
–  حكم إدارية الرباط رقم 2100 بتاريخ 25/10/2007 ملف عدد 583 /07/05 والذي جاء في قاعدته : « بأن إقدام الوزير الأول على إصدار منشور باللغة الفرنسية يشكل خطأ مرفقيا تسأل الدولة عن الأضرار المترتبة عنه – نعم».
–  حكم صادر عن إدارية الرباط قضى بإلغاء أمر إداري لتحريره بلغة أجنبية (الفرنسية)
( حكم رقم 4550 بتاريخ 03/11/2017 في الملف عدد 846 / 10 / 7 / 2017).
–  حكم صادر عن إدارية الرباط بتاريخ 20/10/2017 في الملف عدد 845 /10/7/2017.
–  حكم رقم 4110 صادر عن إدارية الرباط بتاريخ : 01/10/2018، والقاضي بإلغاء القرار المطعون فيه لتحريره بالفرنسية، ومما جاء في حيثيات هذا الحكم ما يلي : « وحيث تؤاخذ الطاعنة على القرار المطعون فيه كونه متسما بتجاوز السلطة لعيب مخالفة القانون. وحيث أن الثابت من الفصل الخامس من الدستور أن العربية هي اللغة الرسمية للدولة وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها، وتعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء، وحيث استنادا إلى ذلك، فإن الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بجميع مرافقها تكون ملزمة باستعمال اللغتين العربية والأمازيغية في جميع تصرفاتها وأعمالها، من بينها اعتمادها في تحرير قراراتها وعقودها ومراسلاتها وسائر الوثائق المحررة بمناسبة تدبير جميع المرافق التابعة لها سواء كانت وثائق داخلية أو موجهة للعموم، وفي جميع حالات التواصل والتخاطب الكتابي أو الشفوي مع المواطنين، وفي جميع حالات التواصل والتخاطب الكتابي والشفهي بأية وسيلة كانت مع المغاربة والأجانب، سواء داخل التراب الوطني أو خارجه، من قبل ممثلي الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية والمرافق والإدارات العمومية التابعة بصفتهم هذه، في الحالات التي يكتسي فيها الأمر طابعا رسميا وعلنيا، فضلا عما يتعين على الدولة القيام به من إجراءات وتدابير بغاية حماية اللغة العربية وتطويرها وتنمية استعمالها وفقا للمقطع الأول من الفصل الخامس أعلاه، وحيث، إنه تأسيسا على ما ذكر، فإن إصدار الخازن العام لأمر محرر باللغة الفرنسية وقرار ضمني برفض إعادة تحريره باللغة العربية مؤثر في المركز القانوني للطاعنة يعد عملا مخالفا لقواعد الدستور، وهو بذلك مشوب بعيب المخالفة الجسيمة للقانون، ذلك أن اللغة الرسمية المقررة بنص دستوري تعد مظهرا من مظاهر سيادة الدولة، في بعدها الثقافي والتاريخي ذي الامتداد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ولذلك فإن استعمال الإدارة للغة أجنبية بديلة عن اللغة الرسمية في المجالات المذكورة أعلاه يشكل تنازلا عن هذه السيادة في أبعادها المشار إليها، وانتهاكا لإرادة المواطنين المجسدة بنص الدستور الذين اختاروا العربية والأمازيغية لغتين لمخاطبتهما من قبل الدولة وجميع المرافق العمومية الأخرى، كما أنه تصرف لا يمكن تبريره بأية مسوغات واقعية أو قانونية جدية، لأن الحاجة للانفتاح على مختلف الثقافات بما تشمل عليه من لغات والحرص على تعلمها وتعليمها إلى جانب اللغتين الرسميتين في إطار توسيع وتنويع المبادلات الإنسانية والاقتصادية والعلمية والتقنية والثقافية مع كل بلدان العالم، حسب ما ورد بديباجة الدستور، لا يتم قطعا عن طريق إحلال هذه اللغات بديلة عن اللغة الرسمية، ومن تم فإن استعمال اللغة الفرنسية من قبل الإدارات العمومية المغربية يعد عملا مخالفا للدستور، لأن اللغة المذكورة غير منصوص على استعمالها الرسمي بأي نص قانوني، فضلا على أنها لا تمثل أي مظهر من مظاهر الهوية المغربية ماضيا وحاضرا وليس لها أي امتداد تاريخي بالمغرب ذي بعد وطني ومشروع. وحيث أنه تأسيسا على ما ذكر يكون القرار المطعون فيه مشوبا بعيبي مخالفة القانون والشكل، مما يجعله متسما بتجاوز السلطة ويتعين تبعا لذلك الحكم بإلغائه.»
•  تعتبر الفقرة الخامسة من المادة 31 من مشروع قانون – إطار رقم 17 . 51 يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي مخالفة للفصل الخامس من الدستور ولكافة القوانين والمراسيم والمنشورات والأحكام القضائية المطبقة له وذلك حسب التوضيحات الآتية:
–  جاء في الفقرة 5 من المادة 31 مشروع قانون رقم 17 – 51 المشار إليه أعلاه ما يلي:
« إعمال مبدأ التناوب اللغوي من خلال تدريس بعض المواد، ولاسيما العلمية والتقنية منها أو بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد بلغة أو بلغات أجنبية .»
–  وكما يتجلى من الفقرة المذكورة، فإنه من المسموح فيه تدريس بعض المواد، ولاسيما العلمية والتقنية منها، بلغة أو لغات أجنبية.
–  وإن السماح المذكور لا يمكن اعتباره إلا خرقا سافرا للفصل الخامس من الدستور وللقوانين والأحكام القضائية المطبقة له.
–  يعتبر السماح بتدريس بعض المواد بلغة أو لغات أجنبية بمقتضى الفقرة الخامسة من المادة 31 من مشروع قانون إطار رقم 17 -51 يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، يعتبر، فيما يتعلق بتنويع لغات التدريس، خرقا حتى للرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015 – 2030، وهي الرؤية التي خرج بها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي والتي اعتمد عليها مشروع القانون الإطار رقم 17 – 51 – في صياغة مواده.
–  ويتجلى الخرق المذكور: في كون الرؤية الإستراتيجية حصرت تنويع لغات التدريس في : «.. تعليم بعض المضامين أو المجزوءات، في بعض المواد، باللغة الفرنسية، ابتداء من التعليم الثانوي التأهيلي في المدى القريب ومن الإعدادي في المدى المتوسط، وبالإنجليزية ابتداء من الثانوي التأهيلي في المدى المتوسط…»
–  ويتبين مما ذكر أن الرؤية الإستراتيجية تحصر التدريس في نطاق : « بعض المضامين أو المجزوءات لبعض المواد»، لا في كل المادة أو المواد…
–  استمرار خرق الدستور والأحكام القضائية المطبقة له:
–  رغم رسمية اللغة العربية التي أكدت عليها الدساتير المتعاقبة منذ الاستقلال والتي يترتب عليها وجوب استعمالها في جميع الإدارات والمؤسسات العمومية والخاصة، سواء على مستوى عملها الداخلي أو في علاقتها مع بعضها أو في علاقتها مع المواطنين…
–  ورغم الأحكام القضائية النهائية المتواترة التي أكدت على رسمية اللغة العربية ورتبت على خرقها البطلان والإلغاء للتصرفات والأوامر والقرارات والمحاضر المحررة بلغة أجنبية (الفرنسية)، بالإضافة، في بعض الأحيان، إلى الحكم بالتعويضات المالية عن الأضرار الناتجة عن الخرق المذكور، فإن الإدارة المغربية والمؤسسات العمومية لا زالت، بصفة عامة، تستعمل الفرنسية بمختلف مصالحها. ومن بين مظاهر هذا الاستعمال، على وجه المثال، ما قام به وزير التربية الوطنية والتكوين المهني السابق (رشيد بن المختار) من توجيه مذكرتين، إلى السيدتين والسادة مديرتي ومديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين:
–  الأولى:  مؤرخة في 19/10/2015 وتحمل رقم 15 -384 وموضوعها: « لغة تدريس الرياضيات بشعبة العلوم الاقتصادية والتدبير»  ومن بين ما جاء فيها بأنه : « تقرر، ابتداء من الدخول المدرسي المقبل 2016 / 2017 تدريس مادة الرياضيات بالسنة الأولى بكالوريا شعبة علوم الاقتصاد والتدبير، والسنة الثانية بكالوريا بمسلكي العلوم الاقتصادية وعلوم التدبير المحاسباتي باللغة الفرنسية على غرار باقي المواد المميزة لهذه الشعب والمسالك المتفرعة عنها. ويمكن، إن توفرت الشروط الضرورية لذلك، بدء تدريس الرياضيات بالسنة الأولى بكالوريا بشعبة علوم الاقتصاد والتدبير ابتداء من الدخول المدرسي الحالي 2015 /  2016 باللغة الفرنسية»
–  والثانية: مؤرخة في 19 / 10 / 2015 وتحمل رقم 15/385، وموضوعها: « لغة تدريس الرياضيات والعلوم الفيزيائية بالجدع المشترك التكنولوجي وشعب ومسالك التقني صناعي»، ومما جاء في هذه المذكرة ما يلي: «تقرر ابتداء من الدخول المدرسي المقبل  2016 / 2017 ، تدريس مادتي الرياضيات والعلوم الفيزيائية باللغة الفرنسية بالجدع المشترك التكنولوجي والسنة الأولى بكالوريا بشعبتي العلوم والتكنولوجيات الميكانيكية والعلوم والتكنولوجيات الكهربائية، والسنة الثانية بكالوريا بمسلكي العلوم والتكنولوجيات الميكانيكية والعلوم والتكنولوجيات الكهربائية، وذلك على غرار باقي المواد المميزة لهذه الشعب والمسالك. كما يمكن للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بدء تدريس هذه المواد باللغة الفرنسية ابتداء من الدخول المدرسي الحال 2015 / 2016 بالجدع المشترك التكنولوجي إذا توفرت لديها الشروط الضرورية لذلك. وتجدر الإشارة إلى أن الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين مطالبة بتعميم هذه الإجراءات، على كل مؤسساتها الثانوية التأهيلية، العمومية والخصوصية، الحاضنة للشعب والمسالك المشار إليها سالفا».
– وقد رفعت التنسيقية الوطنية للغة العربية دعوى أمام القضاء الإداري بالرباط ضد وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني للمطالبة ببطلان وإلغاء المذكرتين المشار إليهما بسبب خرقهما للدستور وللرؤية الإستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتعليم في أفق المدة: 2015 – 2030 وهي الرؤية المنجزة من قبل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى