منطقة سوس: الرأسمالية الطفيلية تدمر المزروعات آلاف الإبل والماعز تجتاح الحقول والأشجار

يزيد البركة

عرفت منطقة سوس مواجهات بين مربي الجمال والماعز والسكان، وصلت في بعض الأحيان إلى مواجهات دامية، بسبب الأضرار التي تخلفها الماشية في الحقول والمزروعات والأشجار، وقد تكلمت الصحافة عن ذلك، وتابعت كل ردود الفعل من تنظيم المسيرات والاحتجاجات وكل أشكال الترافع ضد الشكل الجديد من الرعي، غير أن كثيرا من المفاهيم الخاطئة رافقت الموضوع، وأعطت للرأي العام فهما مقلوبا، حيث أقنعته أنه يتعلق بالرحل والرعاة وزكى مشروع القانون هذا التصور، وسار هذان الوصفان على لسان الناس، لكن الحقيقة غير ذلك. في هذا التحقيق نسلط الضوء على الجوانب المخفية.

الرعاة / الرحل

هنالك الأن، ومنذ ثلاثة وزراء فلاحة على الأقل، ثلاثة أصناف من تربية الماشية بواسطة الرعي، الصنف الأول، وهو قديم يتعلق بالرحل ويغلب عليهم التنقل مرتين في السنة، والذين يرعون هم العائلة كاملة من أبناء ونساء ورجال. هؤلاء لا مشكل معهم قديما وحديثا، إنهم يربون أساسا لفائدة الاسرة ولا يطرقون السوق إلا لماما من أجل بيع رأس غنم لكل راع، يلبي بمدخوله حاجيات ضرورية لأسرته، إنه اقتصاد بضاعي ما يزال بسيطا، هؤلاء لا يملكون آلاف الماشية يتنقلون بها،  لهم دراية بالتنقل يسلكون السهوب بعيدا عن الحقول وعن الأشجار المثمرة ولا يدمرون شيئا، ولهم علاقات إنسانية واقتصادية مع السكان سواء في سوس أو المغرب الشرقي ونواجي وارزازات والرشيدية وغيرها، وحسب التقديرات الرسمية فإن الرعاة الرحل يقدر عددهم الآن بما بين 25 إلف إلى 30 الف نسمة ينتشرون في عدد كبير من المناطق، وكانت وزارة الداخلية أيام شكيب بنموسى في  2008  واستعدادا لانتخابات 2009 ولتحضير أكبر عدد من» الحجج « ضد استعمال البطاقة الوطنية أحصت عدد الجماعات التي يرتادها الرعاة الرحل في المرسوم رقم 736-08-2 وحددتها في 126 جماعة ، غير أنه بعد الانتخابات ولا جماعة واحدة اهتمت بهؤلاء الرحل، وكان يمكن، وبعيدا عن الهدف التقني الذي كانت تسعى إليه الداخلية كعادتها في الانتخابات، فإن المجتمع كان يمكن أن يستفيد من هذا العمل بأن تعقد الجماعات التي يجمعها تواجد الرحل لديها في وقتين مختلفين، اتفاقات تتابع وترافق بموجبها قضايا الرحل.
وهنالك فرق بين رحل الصحراء المغربية، ورحل المناطق الرعوية الجبلية، وهي أن الأوائل تغلب عندهم تربية الجمال يليها الماعز، بينما رحل المناطق الأخرى تغلب لديهم تربية الماعز والغنم ، وهذا التقسيم قديم جدا لكون الجمال المخصصة للرعي، وليس للسفر، يصعب التحكم فيها إذا كانت كثيرة لأنها تأتي على كل ما تلقاه في طريقها من نباتات خضراء، لهذا كانت شجرة الطلح في القديم، الكلأ المخصص للجمال والماعز، لأنها شجرة ملائمة لهذا النوع من التربية الحيوانية إذا كان العدد كبيرا. حاليا تدهورت شجرة الطلح في الصحراء بسبب الاستهلاك المفرط للتدفئة والوقود والقطع العشوائي وحتى أحيانا اجتثاثها من جذورها، وبسبب اهمال غرسها.

الرأسمالية الطفيلية وتربية الأبل

وزارة الفلاحة ، هي التي خلقت هذا المشكل الحالي، وقد بدأ بداية حثيثة مع وزارة الفلاحة إبان حسن أبو أيوب، ثم تطور مع الوزراء اللاحقين وخاصة مع الوزير الحالي عزيز أخنوش، إذ قررت الدولة رفع الإنتاجية في اللحوم والألبان بإدخال الرأسمال على علاقات لا تستطيع أن تواكب شروطه ، ولا أن تستوعبه، وهكذا خلقت الصنفين اللذين ظهرا في العقدين الأخيرين وهما الرأسماليون المحليون منذ حوالي 20 سنة والرأسمال الخليجي في السنوات القليلة الأخيرة والذي ما يزال في بدايته .
يقدر عدد المربين ب 1800 مربي من الصنفين ويغلب عليهم المربون المغاربة، تقدم لهم الوزارة دعما سنويا يقدر بحوالي 30 مليون درهم ويقدر الرأسمال ب 700 مليون درهم تساهم فيه الوزارة ب 400 مليون درهم والباقي من المربين. وحسب مداخلة رئيس قسم التخطيط بمديرية تنمية سلاسل انتاج الابل في البحرين سنة 2012 فإن عدد الإبل يتجاوز 190 الف غير أن هذا الرقم ارتفع الآن، ولا توجد احصائيات دقيقة ففي جهة العيون الساقية الحمراء لوحدها يوجد 105 ألف رأس من الأبل حسب احصائيات الجهة.
تكمن المشكلة في أن الوزارة تريد أن ترفع من إنتاجية اللحوم والحليب، وتغطية حاجيات السوق، وحتى السعي إلى التسويق الخارجي، لكن الأسلوب الذي اعتمدته ينم عن جهل بواقع المجال الرعوي المغربي، ذلك أن الرأسمالي الأمريكي أو الكندي يشتريان منطقة واسعة لتربية الماشية والمجال في البلدين معا لا توجد فيه دواوير وقرى تعيش على زرع الأشجار والثمار والخضراوات وهو حال المغرب الذي تغطي الساكنة المتفرقة كامل الجبال والسهول والهضاب، وفي أوروبا يشتري الرأسمالي قطعة صغيرة أو متوسطة وتكون مسيجة ويعتمد فقط على شراء العلف لأن المجال في أوروبا قريب من مجالنا في توزيع السكان وإن كان سكان المغرب أكثر تشتتا وتوزعا.
الوزارة تسوق في الخارج باستمرار خطاب أن المغرب يتوفر على 21 مليون من المراعي وفرشة مائية كبيرة وعيون وآبار، وهي تتكلم عن تربية الماشية وذلك لجذب الاستثمار الأجنبي، غير أن هذا خطأ كبير جدا، وهو تقليد أعمى لتجارب أخرى ناجحة في بلدان تحترم قواعد الرأسمالية في كل مشروع.
لا ضير أبدا في إنشاء مشروع رأسمالي يقدم صاحبه أمواله بشراء او كراء أرض شاسعة ومسيجة في الصحراء مثلا، ويزرع فيها شجرة الطلح، ويحفر فيها آبارا، وينشئ فيها بنايات خاصة لتربية الماشية فهذا سيسمى مشروعا رأسماليا، أما أن تقدم الدولة تمويلا لمجموعة من الكسابة الذين كانوا يربون الماشية حسب متطلبات السوق القريب منهم، وتعمل على دفعهم إلى الإنتاج الكبير بدون أخذ الاعتبار بواقع المجال فهذا ليس رأسمالية، والأكثر من هذا تدفع الدولة بأناس يعيشون في المدن لكي يستفيدوا من دعم الدولة مع تقديم جزء بسيط من رأسمالهم لكي يصبحوا كسابة رأسماليين.
في السنوات الأخيرة أصبح المربون الحضريون هم الأغلبية في رقم 1800 مربي وبهذا سقط تماما أحد الأهداف الأولية حول تطوير العلاقات الرعوية والرفع من انتاجها. وأصبح الرعاة الرحل وأسرهم أجراء عند الرأسماليين الطفيليين الجدد، وكثيرا ما يخطئ الناس الذين لا يفهمون الموضوع وبمجرد ما يشاهدون الرعاة وهم من الرحل يعتقدون أنهم هم المالكون بينما هم ليسوا إلا أجراء ورعاة، بل أن هناك بعض الصحف من تكلم عن المواجهات الدامية في سوس مع نشر صورة لأمرأة تمن الرعاة الرحل لا تعيش مع أولادها في مغارة ولا تملك إلا بعض الرؤوس من الماعز لا تتعدى عشرة، أما بعض المواقع الالكترونية وليس كلها فقد نشرت كلاما يصنف في دائرة الشوفينية والعرقية مثل ألفاظ « جحافل الرعاة الأعراب البدو» وغيرها من التصنيفات المشابهة.

 مشروع قانون الترحال الرعوي

جاء مشروع 113-31 ليضبب هو الآخر الصورة، ويحجب الحقيقة، إذ أنه في عنوانه يتكلم عن الرعاة الرحل لكن في بنوده وخاصة المادة 1 والمادة 2 يتكلم عن القطعان وتنقلها ومسالكها. فلو كان المشروع خاصا بالرعاة الرحل لوحدهم لكان قانونا جيدا، لكن أن يتم الخلط فيه عن قصد بين الرعاة الرحل وبين الرأسماليين الذين يملكون آلاف الأبل والماعز، فهذا يعتبر تشريعا وتقنينا وتنظيما للهجوم على ممتلكات الناس وتدميرها واتلافها مع تجميل القانون بعبارات مثل « تحديد المسالك والممرات مع عدم الاضرار» وغيرها من العبارات التي لا تعني شيئا ما دام أن القانون يحمل المجال ما لا طاقة له به. مع العلم أن جزءا كبيرا من المشروع جاء لتكريس قانون الغاب ليس فقط على السكان القرويين والمزروعات بل  بل حتى على السير، فكثيرا ما تجد عشرات المئات من الإبل تسد الطريق الرئيسية بين تارودانت وآيت ملول بشكل يشكل فعلا خطورة وبثير الاستغراب والدهشة لدى السياح على الخصوص.
لهذا فإن المشروع يجب أن يعدل في مضمونه بأن يمنع من المجال الرعوي القطعان المتنقلة وأن يصدر مشروع آخر خاص بتربية الماشية الكبيرة في وحدات إنتاجية كبيرة لها مساحتها الرعوية وعمالها وطبيبها ومساعدين له، بينما يبقى هذا المشروع خاصا بالرعاة الرحل الذين لا يشكلون خطرا على المزروعات والنباتات والأشجار في المجال الرعوي وفي المسالك إليها. كما يجب إصدار قانون آخر بالمحميات خصوصا حول تربية الخنزير يعالج الأضرار التي يسببها ويقنن تربيته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى