المثقف المغربي ومطلب التغيير
دة. فيروز فوزي - باحثة في سوسيولوجيا الثقافة والهجرة ( جامعة مونريال – كندا )
هل ما تزال هناك حاجة للمثقف في عصر الشبكات الاجتماعية؟… كيف يمكن إعادة احياء وظيفة المثقف في المجتمع المغربي؟… لماذا تقاعست الطبقة الوسطى المتعلمة عن الاضطلاع بمهمة النقد والتنوير؟… كيف يمكن إحياء الحس الوطني وأخلاق المواطنة والالتزام بقضايا المجتمع والشأن العام لدى هذه الفئة المنسحبة من الطبقة الوسطى المتعلمة والمستقلة ماديا وفكريا (جامعيون، أطباء، محامون، مهندسون، موثقون، أطر عليا في الادارة، رجال ونساء الأعمال …)؟… كيف يمكن الانتقال من منطق بيع الخدمة وتقديم الخبرة expertise للجهات التي تطلبها، إلى منطق الفكر النقدي وانتاج المعرفة العالمة وإشاعة روح العلم والعقلانية والنقد؟..
المثقف ليس بالضرورة صاحب مشروع فكري ورصيد أكاديمي وأدبي فقط، بل هو كل من يعتبر أن المعرفة العقلانية والروح النقدية والتنوير هم يومي ينبغي أن يكون حاضرا في صميم كل نشاطاته الوظيفية وحياته الشخصية وتفاعله مع المحيط الاجتماعي… إنه الفرد الذي يؤمن ايمانا يقينيا بضرورة الإسهام في التغيير والاصلاح الثقافي المجتمعي الذي يتأسس عليه لزوما الاصلاح السياسي والنهضة الاقتصادية للبلد.. المثقف لا يكون الا عضويا وملتزما، إذ هو من يتمثل بحسم مسألة القطيعة مع شروط التخلف وإعادة انتاج منظومة التقليد والهيمنة في المجتمع من حيث هو ،أي المثقف، متمسك بالانتماء له ومصر على فرض وجوده وحضور صوته داخله. لابد إذن من التمييز الصارم بين المتاجرين بالثقافة وادعيائها والمحترفين/ المنتحلين الاستعراضيين لصورة المثقف.. لابد من التمييز بين المثقف الفعلي، أي صاحب الكلمة الصريحة والمواقف الجريئة والمشارك في هموم المجتمع وانشغالاته بشكل تلقائي ومباشر من جهة، والمثقف الذي يركب على الأحداث ويستثمرها لأغراض نفعية وذاتية ضيقة من جهة ثانية. إن المثقف الحقيقي، الجدير بهذه التسمية، هو الذي يجتهد ـ تفكيرا وممارسة، للتأثير الإيجابي في المجتمع، وليس بحثا عن الأضواء، فهو ليس رجل / امرأة إعلام واشهار واستعراض، بل إنه ضمير مجتمع في مرحلة تاريخية وثقافية خاصة.
ولأنه طغت على ساحتنا الثقافية نماذج كثيرة من مثقفي الاستعراض، فليس غريبا أن نجد مجتمعنا اليوم يتخبط في إشكالية فشل النموذج التربوي المؤطر لاختيارات المجتمع الكبرى. إن أي حديث عن معضلة فشل التعليم ببلادنا اليوم، بشكل منفصل عن السياق المجتمعي والوضع الثقافي والسياسي، ليس ولن يكون، سوى نوع من الديماغوجيا التضليلية.
إن فشل النموذج التربوي بالمغرب انعكاس واضح لفشل مشروع التحديث وبناء الدولة الوطنية العصرية، والأمر في العمق تعبير صريح عن فشل الاصلاح الثقافي وافلاس النخبة السياسية والثقافية والاقتصادية.
لنقلها إذن بصريح القول: لا تنمية حقيقة للمجتمع بدون رافعة الثقافة، أي بدون الحضور القوي للمثقف في سيرورة التغيير الثقافي للمجتمع، وانخراطه الفاعل في مختلف معارك وقضايا المجتمع المصيرية، وفي مقدمتها قضايا التربية والمواطنة الحقة والديمقراطية السليمة…