فاجعة مولاي بوسلهام: ما ذنب العاملة الزراعية حتى تقتل… ؟
البدالي صافي الدين
غير بعيد عن اليوم العالمي للمرأة ، الذي يصادف 8 مارس من كل سنة، تأتي فاجعة حادثة السير التي أودت بحياة حوالي 10 نساء عاملات زراعيات، وإصابة ما يقارب 24 منهن بإصابات خطيرة، بضواحي مولاي بوسلهام، نواحي القنيطرة بالإضافة إلى سائق العربة التي كانت تنقلهن إلى الضيعة الفلاحية حيث يشتغلن، وذلك يوم الأربعاء 3 أبريل2019. إنها فاجعة أخرى يعيشها الشعب المغربي بعد توالي المآسي المعروفة بمقتل عاملات زراعيات في حوادث “عربات الموت “. إن فاجعة مولاي بوسلهام ليست ببعيدة عن فاجعة انقلاب إحدى “عربات الموت” التي كانت تقل حوالي 20 عاملا وعاملة كانوا في طريقهم إلى عملهم بالضيعات الفلاحية المنتشرة على امتداد إقليم اشتوكة آيت باها في السنة الماضية, وفاجعة أخرى اثر انقلاب عربة أخرى أدت إلى إصابة 23 عاملة زراعية بجروح متفاوتة الخطورة في 2 يونيو 2017، جراء حادث انقلاب سيارة فلاحية كانت تقلهن الى مساكنهن، وذلك بالمدار السقوي لسد يوسف بن تاشفين، كما شهدت جماعة الكدية البيضاء ضواحي مدينة أولاد تايمة صباح يوم الاثنين 8 أبريل 2019 حادث انقلاب سيارة كانت تقل عاملات زراعيات، مخلفا وفاة إحداهن و إصابة أخريات بجروح متفاوتة الخطورة. وذكرت مصادر مطلعة أن السيارة التي تعرضت لحادثة سير كانت تقل حوالي 16 عاملة زراعية إلى مقر عملهن بإحدى الضيعات الفلاحية بالمنطقة. وتتوالى ضحايا الحوادث في صفوف العاملات الزراعيات حيث عرفت الطريق الاقليمية الرابطة بين حد بوموسى واولاد عياد على مستوى اولاد ناصر إقليم بني ملال الإثنين 8 أبريل 2019، حادثة سير مروعة إثر انقلاب سيارة فلاحية تقل مجموعة من العاملات الزراعيات، 5 حالات إصابتهن وصفت بالخطيرة وتم نقلهن إلى مستعجلات المستشفى الجهوي ببني ملال.
و من هنا نتساءل :
ـ ما ذنب المرأة في بلادنا أن تقتل من أجل لقمة عيش؟ وما ذنبها ان تكون ضحية العنف والتحرش وهي تسعى إلى كسب قوتها وقوت أسرتها بعرق جبينها.؟ من يحمي العاملات الزراعيات، اللواتي يتعرّضن لمختلف أنواع العنف اللفظي والجسدي، والتحرش الجنسي والاغتصاب في أماكن العمل ؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تفرض علينا الكشف عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي في بلادنا وأيضا عن الأسباب التي تنمي كل أشكال القهر والفقر ببلادنا.
أولا : لقد ظلت الدولة المغربية تنهج سياسة الريع والامتيازات لدعم برجوازية هجينة امتلكت المال على حساب الوطن بنهب ثرواته وتبديد امواله وجعل اقتصاده اقتصادا هشا بفعل الفساد والتهريب، مما فتح الباب لرياح الفقر التي أصابت فئة عريضة من المجتمع المغربي، و في المقدمة المرأة، هذا الفقر الذي سببه الأمية المتفشية في صفوف النساء بالوسطين القروي وبالأحياء الشعبية بالمدن، وغياب دور الدولة في الحماية الاجتماعية للمرأة، جعل المرأة تشكل سوق شغل رخيصة تجد البرجوازية الزراعية الجديدة ما تحتاجه فيها من يد عاملة بدافع الفقر، قابلة أن تشتغل كرها في ظروف لاإنسانية .
ثانيا : تم توفير الشروط المناسبة للبرجوازية الزراعية الجديدة /الإقطاع المتجدد، بفعل بسياسة تفقير الفلاحين الصغار حتى يتخلوا عن أراضيهم لفائدة الإقطاعيين الجدد، بثمن بخس، خاصة بعد توالي سنوات الجفاف التي عرفها المغرب في السبعينيات والثمانينيات، والتي كرست الهجرة نحو المدن والمراكز الحضارية. هذه الظرفية دفعت النظام المخزني إلى إعفاء الفلاحين من الضريبة الفلاحية والتي لم تكن إلا دعما للبرجوازية الزراعية الجديدة ومناسبة لها لنقل انشطتها للبادية خاصة وأن الدولة وفرت لها الشروط من مشاريع الري وكهربة القرى وقروض استثمارية ويد عاملة رخيصة.
رابعا: في ظل هذه الوضعية الجديدة التي أصبحت عليها البادية المغربية حيث توسعت دائرة نفوذ الإقطاع الزراعي الجديد مقابل تخلى الدولة عما تبقى من الفلاحين الصغار ليصبحوا عمالا زراعيين، وكلهم تحت رحمة المشغل الذي يستغلهم أبشع استغلال.
إن ظروف النقل على متن عربات غير إنسانية ومحفوفة بكل المخاطر. ليست آمنة وهي غير نظيفة، لأنها مخصصة في الأصل لنقل الأبقار والعجول والمواشي، وقد تكون عبارة عن عربة جرار حيث شروط السلامة الطرقية منعدمة حيث يتم شحن العاملات الزراعيات دون احترام لإنسانيتهن، وذلك أمام أعين رجال الدرك ورجال المراقبة الطرقية .
خامسا: تخلي الدولة عن اية مراقبة للضيعات وعن ظروف العمل فيها والانخراط في صناديق الحماية الاجتماعية، والتغطية الصحية والتعويضات العائلية والتأمين الصحي عن حوادث الشغل وعن مدى توفير الشروط الوقائية من الحوادث، سواء عند عملية النقل او أثناء العمل. و هو ما جعل المشغل يضاعف من استغلاله للمرأة العاملة و ما يترتب عن ذلك من انتهاك صارخ لحقوقها الإنسانية، حتى اصبح مقتل العاملات الزراعيات أمرا عاديا عند الدولة، لأنها لا تريد المس بالبرجوازية الزراعية الجديدة، التي هيمنت على ميزانية الدعم في ما يسمى بمخطط المغرب الأخضر، كما أنها أصبحت تشكل قوة داخل الأحزاب الإدارية.