الحياة المدرسية: نحو تصور إبداعي لفعل التعلم

ذ. زكرياء الخياط

إذا كانت الحياة المدرسية، هي حياة المتعلم، بين أحضان المدرسة بكافة مكوناتها وفضاءاتها، ومجالا أساسيا للتربية على القيم، وخاصة قيم العمل الجماعي والحوار والتسامح وتدبير الاختلاف، وإذا كانت الحياة الديمقراطية في المؤسسات التربوية منطلقا لأية محاولة إصلاحية، فهي، أي المدرسة، الفضاء الأنسب، ليتعلم فيه الطفل مبادئ الحرية والكرامة ويعيشها، في كافة هذه المكونات والفضاءات.

في سياق الحديث عن الحياة المدرسية، وما تمثله قيمتها الجوهرية، في حياة المتعلم داخل المدرسة، أو بعد ذلك في المجتمع، لا بد من الإشارة إلى أنها أكثر أهمية من ذلك المنطق المدرسي التقليدي، الذي يربط المدرسة بما يتم تعلمه، ومراكمته من “معارف” داخل الأقسام. نظرا لأبعادها المهمة في خلق إنسان حر، مستقل ومسؤول عن اختياراته وأفعاله، لا يخضع في ذلك سوى لمبدئي الحرية والمسؤولية.. ولما تتضمنه من معان قيمية وأخلاقية مثل المواطنة والإرادة والإبداع.

ورغم أن وزارة التربية الوطنية أنتجت أدبيات مهمة في مجال الحياة المدرسية خلال العقد الأخير، غير أن التمثل العام السائد فعلا، هو أن الحياة المدرسية هي ما يقضيه المتعلم في الأقسام وهو “يتعلم المعرفة”، بل إن المدرسة تعيش انعزالا فجا عن الحياة الواقعية يعكسها الملل السائد في الأقسام، والأسوار التي تزيد التلميذ عزلة، وكأنه في سجن حقيقي، إذ يصبح صوت جرس نهاية كل حصة بمثابة خلاص من محنة حقيقية.

يمكن أن تشكل الحياة المدرسية تصورا متكاملا ترتكز عليه الغايات الأخلاقية والمعرفية للمدرسة، باعتبارها جزءا من الحياة العامة من جهة، ونموذجا مكتملا من نماذج الحياة الاجتماعية المطلوب ترسيخها في المجتمع، لما لها من دور فعال في تطوير المعرفة ونشر القيم الإنسانية..من جهة أخرى، وانسجاما مع النظريات التربوية الحديثة، التي تجعل من المتعلم فاعلا مركزيا ليس فقط في بناء ” التعلمات” ولكن أساسا في تأسيس لبنات مجتمع جديد.. إن ضعف تأثير المدرسة على محيطها الاجتماعي، وكل مستويات الفشل الذريع الذي تعاني منه المدرسة، ليس فقط بسبب فشل المناهج وتركيزها على الكم بدل الكيف، ولكن بسبب غياب تصور متكامل لدور الحياة المدرسية في هذا التغيير، وغياب الإرادة الحقيقية في تفعيل الكثير من الأدبيات القيمة حول هذا الموضوع.

تأسيسا على ما سبق، واستحضارا لإسهامات فلسفة التربية بدءا من أفلاطون الذي يرى أن التربية تضفي على الجسم والنفس كل جمال ممكن لها، وصولا إلى الفلسفة المعاصرة مع جون ديوي الذي يعتبر أن التربية هي الحياة، وهي عملية تكيف بين الفرد وبيئته، يمكننا إعادة التأكيد على أهمية العناية بمختلف جوانب “الحياة التي يعيشها المتعلم بالمدرسة”، وإلى أهمية الاشتغال المنهجي على مختلف العناصر التي تساعد على خلق هذا المواطن الحر والمستقل. في هذا الصدد، يبدو الفضاء المدرسي والاعتناء به من أولى الأولويات بما يجعل المدرسة فضاء للتفاعل والإنتاج والفعل والإبداع، بدل ما نراه اليوم من فضاءات مملة وتدعو إلى النفور. كما أن منظورا جديدا للزمن المدرسي من شأنه أن يغير منظور المجتمع للمدرسة باعتباره زمنا لحصص التعلم، نحو تصور يجعل المدرسة فعلا فضاء للحياة بالنسبة للمتعلم، يتضمن ترفيها وعملا منتجا، وتربية على المهارات والاتجاهات والقيم وغيرها.. وهو منظور يجب أن يتخلص من الهاجس الكمي للتعلم، نحو تصور إبداعي لفعل التعلم قائم على المشاركة والفعالية والإنصاف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى