حوار مع الروائي عبد الكريم الجويطي
1 – هناك من يعتبر روايتك “المغاربة ” نقطة تماس قوية بين التاريخ والأدب.. من خلال هذه التجربة، كيف تنظر إلى العلاقة بين الكتابة التاريخية والكتابة الإبداعية؟
تشترك الكتابة الابداعية وكتابة التاريخ في كونهما يعيدان بناء الماضي في الحاضر وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من آلية محو عظيمة: الزمن. يشتركان أيضأ في اعمال الخيال، وإن بأقدار مختلفة ولغايات متباينة. تحرر الكتابة الروائية، حين تستلهم أحداث الماضي، التاريخ من وثوقيته وتنتصر فيه للمهزومين والمهمشين والصامتين الذين لم يحفل بهم التاريخ الرسمي الذي كتبه المنتصرون… تجبر الرواية التاريخ وبقدراتها على السخرية والمفارقة على أن يتحرر من جديته ومهابته وتعيد اكتشاف الحياة بداخله في تعقيدها الكبير بدل التبسيط الذي تقدم به في كتب التاريخ. كما أنها تنتصر للأشياء المظلمة في التاريخ ولتمزقات الابطال ويأسهم وللأحداث الصغيرة الدالة التي لم يحفل بها أحد. يفترض في الرواية حين تنزل للتاريخ أن تكون كالزوبعة التي ترج وتخلخل الأساطير الوطنية وتفضح الاكاذيب.
2- الملاحظ ان رواية “المغاربة ” حققت رقما قياسيا من حيث عدد الطبعات في مدة وجيزة ( أربع طبعات الى حد الآن) .. بم تفسر هذا الإقبال على هدا النص الإبداعي بالذات؟
ربما لأن الرواية كتبت بجرأة ولامست أشياء في الهوية المغربية. وربما لأنها حاولت أن تجيب عن سؤال يطرحه كل واحد على نفسه: ما معنى ان أكون مغربيا. في كل الاحوال مبعث الغبطة الوحيد بالنسبة لي هو أن القراء لا يكتفون بقراءة واحدة للنص. تحريك الرغبة في إعادة القراءة هو أهم شيء لأنه يحمل معنى احتفاظ النص بشيء متمنع. وحدها النصوص التي تقرأ مرات من طرف القارئ هي التي تصمد وتتحدى الزمن…
3 – بغض النظر عن كون “المغاربة “رواية، هل يمكنك تصنيف هذا العمل ضمن نمط معين من أنماط الكتابة ...
حاولت في رواية المغاربة أن أستثمر كل ممكنات السرد التي أعرفها. ووظفت تقنيات كتابة المقالة والمسرحية والشذرة. وأردت من النص أن يكون محفلا لكل أصوات المغاربة… نص تتجاور فيه التقنيات والرؤى واللغات والمراحل التاريخية.
4 – لا شك أن الحياة الثقافية بالمغرب تمر اليوم من وضع فيه كثير من الاختلالات.. إذا كان الأمر كذلك، كيف يمكنك توصيف هذا الوضع.
عموما لم يعد المثقف مسموعا في المغرب. أخذ مكانه التقنوقراطي ورجل الدين. وكل مظاهر تراجع المغرب ترجع لهذا السبب. صار المثقف معزولا يراقب ما يجري بحسرة كبيرة. فلا الأحزاب صارت في حاجة لصوته ومشورته ولا حالة الجامعة والبحث الاكاديمي تؤمن تلك المهابة والسلطة المعرفية التي كانت مبجلة في المجتمع ولا المدن تخلق آليات للنقاش العمومي يبرز فيها المثقف بقدرته على الإقناع. يبدو الوضع اشبه بغابة يعمل فيها حطابون شداد غلاظ ليل نهار وتعوي فيها ذئاب لا تملك الا العواء.
5- من بين الأفكار الواردة في كثير من كتاباتك وحواراتك، القول بأن الارتهان الى الماضي في ممارساتنا الثقافية والاجتماعية يشكل أحد العوائق الأساسية لتطور المجتمع.. هل يمكن أن توضح لنا هذه ” الأطروحة ” أكثر…
قلتُ مرارا بأن مشكل المغرب يتمثل في خلط الافراد بين القيم الصالحة للأسرة والقيم الصالحة للمجتمع. إذا كانت، مثلا ، طاعة الأب وتقدير دوره وتجنب مواجهته فضيلة في الأسرة، فإن اسقاط هذا داخل الادارة والحزب واعتبار زعيم الحزب ومدير المؤسسة أبا آخر يعطل ملكات النقد والاقدام والمساءلة التي لا يتطور مجتمع ما دون تبنيها. نحن ننتج التقليد ونتحايل به على التطورات الاجتماعية ونسمي ذلك أصالة ووفاء للتقاليد بينما هو محض تلفيق بين متطلبات العصر والبنى المتآكلة التي ما زلنا نصر على الاحتفاظ بها.