التجنيد الإجباري وأزمة الممارسة الديمقراطية بالمغرب
مروان اديشو
صادق مجلس النواب ( الغرفة الأولى للبرلمان بالمغرب ) على قانون التجنيد الإجباري أو الخدمة العسكرية الإلزامية يوم 28 دجنبر من السنة الماضية، وذلك بإلزام الشباب، ذكورا وإناثا، من عمر 19 الى 25 سنة بالتجنيد الإجباري لمدة عام كامل بذريعة “مساهمة المواطنين والمواطنات في الدفاع عن الوطن ووحدته الترابية و لإذكاء روح الوطنية لدى الشباب في إطار التلازم بين حقوق المواطن وواجباته”. لكن المعارضة لهذا القرار داخل البرلمان لم تتعد الحديث عن جعل الخدمة العسكرية اختيارية وليست إلزامية، دون التطرق للخلفيات الحقيقية لهذا القانون والمطالبة بالإجابة عن الظروف التي تغيرت وطنيا ودوليا ما بين سنة 2007 تاريخ إلغاء الخدمة الإجبارية والعودة لفرضها مجددا الآن.
وللإشارة فهناك 98 دولة في العالم ألغت نظام التجنيد الإلزامي تتصدرها الدول الرائدة حضارياُ، من بينها الدول الاسكندنافية واليابان وأستراليا ومعظم الدول الأوروبية والهند والأرجنتين، وذلك لأسباب عدة كحق الإنسان في رفض حمل السلاح أياً كانت دوافعه وغرائزه٬ في حين ابتكرت 41 دولة أشكالاً بديلة للخدمة الوطنية بحيث يكون الجيش للبناء والإعمار في السلم، ويستنفر الناس في حال الحرب، دون أن يكون فيها أي إلزام للمواطن بحمل السلاح.
واذا استحضرنا السياق التاريخي للخدمة العسكرية بالمغرب حيث يرجع أول مرسوم ملكي خاص بالخدمة العسكرية إلى سنة 1966، حينما فرضت الخدمة العسكرية على جميع الموظفين، مع بعض الاستثناءات، وكانت مدة التجنيد الإجباري تستغرق 18 شهراً وذلك “لتكوين المواطن المغربي تكوينا أساسيا يستطيع معه أن يقوم بواجب الدفاع عن حوزة وطنه في جميع الظروف بفعالية”، و هو نفس التعليل الذي جاء به قانون التجنيد الإجباري سنة 2018 إلا أنه يجب الاشارة الى أوجه التطابق بين المرحلتين حيث أن سنة 1965 هي سنة انتفاضة 23 مارس المعروفة بالانتفاضة التلاميذية البطولية حيث تصدت لكل السياسات و المشاريع الهادفة لتدمير المنظومة التعليمية بالمغرب والتي تجلت بفرض تقنين سن الالتحاق بالسلك الثاني الثانوي للتلاميذ الذين يبلغ عمرهم أقل من 17 سنة وإحالة ما فوق 17 سنة على التعليم التقني… لكن كعادة الأنظمة السلطوية سلطت قواتها القمعية ضد المتظاهرين مما خلف العديد من القتلى والمعتقلين٬ وهو السينارية نفسه الذي تابعنا تفاصيله مع كل الحركات الشعبية والاحتجاجية بالمغرب منذ سنة 2010 ذات المطالب الاجتماعية والسياسية. وقد تم استعمال التجنيد الإجباري في حق قيادات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كنفي مقنع وقمع يستهدف إضعاف إطارهم ونضالاتهم .
وإذا تطرقنا الى الطريقة التي فرض بها مجددا هذا القانون فهي لا تتماشى سواء من حيث الشكل أو المضمون مع مقتضيات الديمقراطية لاعتبارات عدة من بينها :
– غياب أية محاولة لفتح حوار اجتماعي مع الفئة المستهدفة (الشباب) و الإطارات المعنية والاستعانة بدراسات ميدانية تمكن من تطوير النقاش في الموضوع في ضرب صريح للديمقراطية التشاركية المنصوص عليها في الدستور الممنوح لسنة 2011 .
– عدم ورود مشروع اقتراح التجنيد الاجباري او الخدمة العسكرية الالزامية في أي برنامج انتخابي لأحزاب الاغلبية ولا لأحزاب المعارضة، وهذا ما يؤكد أزمة الديمقراطية التمثيلة، وتقزيم دور الأحزاب مما يعمق أزمة ثقة المواطن بالمؤسسات التمثيلية والاطارات السياسية.
– الارتباط بالوطن يتم من ضمان المواطنة الشاملة ومن خلال التعليم الجيد ووضع قيم المواطنة كأولوية في البرامج التعليمية و أيضاً من خلال المبادرات التحسيسية والتوعوية، وليس بالضرورة من خلال الخدمة العسكرية، مما يتطلب ضرورة إصلاح جذري للمنظومة التعليمية في المغرب لتمكين التلميذ من اكتساب الروح الوطنية وقيم المواطنة والتعايش والاختلاف وتنمية قدراته الفكرية.
وفي هذا السياق يمكن العمل بنظام الخدمة المدنية كحل يمكن أيضا من تطعيم الإدارة العمومية بالموارد البشرية، وسد الخصاص المسجل في عدد من القطاعات وأيضا اكتساب الشباب لمهارات تفيدهم في مسارهم المهني والحصول على عمل وتضمن حرية الاختيار لا الإكراه.