الثقافة

في الثقافة والحوار والهوية

دون الدخول في فذلكة التعاريف المتعلقة بالثقافة سنلج الموضوع من بوابة نقاش الثقافة كإشكالية معرفية كبرى وفي السياق سنحاول أن نقدم بعض التعاريف التي يقتضيها التناول…

اتجاهات في ترجمة مفهوم الثقافة للعربية:
مع بداية الاتصال الفكري والمعرفي بين المجتمع العربي والمجتمعات الأوروبية انتقل مفهوم “Culture” إلى القاموس العربي واتخذت الترجمة اتجاهين:
أاتجاه ترجمة مفهوم “Culture” إلى اللفظ العربي “ثقافة”: كان المفكر سلامة موسى – في مصر- أول من أفشى لفظ ثقافة مقابل “Culture”- وقد تأثر في ذلك بالمدرسة الألمانية في تعريف ربط الثقافة بالأمور الذهنية، حيث عرّف الثقافة بأنها هي المعارف والعلوم والآداب والفنون التي يتعلَّمها الناس ويتثقفون بها، وميَّز بين الثقافة “Culture” المتعلقة بالأمور الذهنية والحضارة “Civilization” التي تتعلق بالأمور المادية. ولقد عرفت اللفظة العربية بنفس المضمون الأوروبي للمفهوم، مما شجع الدعوة إلى النقل وإحلال القيم الغربية محل القيم العربية والإسلامية انطلاقًا من مسلمات الانتشار الثقافي والمثاقفة.
باتجاه ترجمة “Culture” إلى اللفظ العربي “حضارة“: وهو اتجاه محدود برز في كتابات علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا العرب في ترجماتهم للمؤلفات الأوروبية في هذين الحقلين، وفي المقابل ترجموا لفظ “Civilization” باللفظ العربي “مدنية”.

المثاقفة
تشعب مفهوم المثاقفة حتى أصبح جزءًا من العلوم الاجتماعية وخاصة علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية، والذي عليه تقوم افتراضات النظريات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية حول تاريخ المجتمعات وتطورها وصورها السابقة والقوانين التي تحكمها، ويتخذ علم الأنثروبولوجيا مفهومي (Culture – Civilization) جوهرًا أساسيًا لمقولاته ونظرياته.
وينطلق علم الأنثروبولوجيا من ثلاث قواعد أساسية تنبع منها نظريات علمائه، وهذه القواعد هي:
1 – المجتمعات تسير في نسق تطوري في نمط متصاعد؛ انطلاقًا من الحالة البدائية الأولى التي وجد عليها الإنسان في مرحلة ما بعد انفصاله عن عالم الحيوان إلى المرحلة الراقية التي وصل إليها الإنسان الذي يحتل قمة سلم التطور التدريجي، ويتم تقسيم المجتمعات طبقًا لمعايير نابعة من الـ “Culture”. إلى مجتمعات تعبر عنها مفاهيم مثل: ، مجتمعات طور النمو واللحاق بركب التقدم، وهذا مفهوم موجه للمجتمعات والشعوب التي ما تزال تعاني من التخلف، ومفاهيم الحداثة وما بعد الحداثة وهي معايير تعبر عن مجتمعات ذات مستويات ارتقائية عليا…
2 – الـ “Culture” تنشأ في مجتمع معين ثم تنتشر في المجتمعات الأخرى، فيما يطلق عليه “الانتشار الثقافي”، أي انتقال الثقافة من المجتمع الأكثر رقيًا إلى المجتمعات الأدنى أو الأقل تطورًا، وتحت هذا المعنى برزت مفاهيم مثل: مجتمعات التخلف والمجتمعات البدائية ومجتمعات ما قبل رأسمالية والمجتمعات الإقطاعية التقليدانية والمجتمعات الاستبدادية الأوتوقراطية والثيوقراطية فهل يمكن انتشار الثقافة بمستوياتها الحداثية وانتقالها بفعل عوامل الاستعمار والتدخل الخارجي أو الهيئات والمنظمات؟؟ أم أن الضرورة تقتضي ثورة ثقافية وإصلاحات جذرية وعميقة؟

3 – “Acculturation” أي التثاقف أو المثاقفة، ويقصد بها تأثر الثقافات بعضها ببعض نتيجة الاتصال بينها، أيَّا كانت طبيعة هذا الاتصال أو مدته، ولقد عرّف “مليفن هرسكوفيتز” التثاقف بأنه: التغيير الثقافي في تلك الظواهر التي تنشأ حين تدخل جماعات من الأفراد الذين ينتمون إلى ثقافتين مختلفتين في اتصال مباشر، مما يترتب عليه حدوث تغييرات في الأنماط الثقافية الأصلية السائدة في إحدى الجماعتين أو فيهما معًا. وغالبًا ارتبط هذا المفهوم بالدور الاستعماري للغزاة الأوروبيين في إفريقيا. وحتى مع محاولات ما سمي بالتحديث التي أعقبت الاستقلال الشكلي الذي عرفته شعوب القارة الإفريقية والشعوب العربية، فكثيرا ما كانت تلك المحاولات شكلية وواجهتها الأنظمة الاستبدادية المهيمنة بالفرملة والكبح وعرقلت أي تطور أو ارتقاء مبقية على الموروث بكل ما يحمله من تخلف وتضليل مشيعة ما يتوفر لها وما تنتجه من حمولات إيديولوجية أي كل ما يعرقل الوعي ويضلل وينشر التخلف ويديم استمرار استبدادها…
ويعتبر التطور في مفهوم “Culture” نتيجة منطقية للجذر اللاتيني له، حيث يعبر عن طبيعة الإنسان الأوروبي ودوره في العصور الحديثة تجاه المجتمعات غير الأوروبية مجتمعات التخلف والاستبداد، فطبيعة إنسان التشكيلات الإقطاعية والاستبدادية أنه صاحب حضارة زراعية يستمد منها رموزه الفكرية، وأفكاره ومعتقداته، التي تتميز بالمحافظة والاستسلام لتلك الأحكام والمعتقدات…

وتوهمنا القوى الاستعمارية الجديدة بما تشيعه من مطالب حول الحريات والحقوق والمساواة… وما تشجع على ظهوره من اختلافات إثنية وطائفية ومذهبية… وما تعتني به من فلكلور حيث تقدم حوله الدراسات… وما تدعمه وتشجع عليه من نزعات وتفكير زائف، هادفة إلى إشاعة الفرقة وتخريب وحدة المجتمعات وتمزيقها معرقلة كل الممرات التاريخية والتطورية التي يقتضيها التحول كالقومية ووحدة الأمة واكتمال استقلال التراب والاقتصاد الوطني … وقد تلجأ إلى القوة والدسائس لأجل غرس القيم الجديدة وحصد ثمار التبعية، معتبرة أن استسلام الشعوب وبؤسها وقبولها بالاستبداد والتبعية ومختلف المظاهر الكاذبة والمضللة تطلق عليها القوى الإمبريالية لفظ “Culture” والنظام الحر…كل ذلك تعتبره تمهيدًا ومقدمة لحصاد ما تنتجه هذه المجتمعات التابعة سواء من خلال هجرة العقول المبدعة واليد العاملة الكفأة، أو ما يتم استنزافه منها من خيرات ومنتوجات فلاحية وخامات معدنية وما تستورده تلك البلدان التابعة من منتوجات وأسلحة للقمع وللحروب الممكن التحريض عليها من أجل تغذية عجلة الاقتصاد الإمبريالي…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى