الزجال إبراهيم ازنيدر: تعدد الطاقة الشعرية
بقلم: عبد الناصر لقاح
للشاعر الزجال ابراهيم ازنيدر فرادة صارخة، موصولة في الوقت نفسه بتجارب سابقة أو متزامنة أو لاحقة، ومن ثم لا يمكن النظر في أعماله في معدى عن تجارب كل من أحمد فؤاد نجم وعبد الرحمان الأبنودي وإدريس أمغار مسناوي وأحمد لمسيح، أو في معزل عن أمثال إدريس بلعطار أو محمد الصنعاوي أو حفيظ اللمتوني ….على ما بين أولاء جميعا من وشائج قرابة فنية وألوان من الفروق الدفينة والدقيقة والتي لا يقف عليها غير الذي يتناول نصوص الجميع بتمثل وتأمل وفضل نظر، ولكل في أعماله ما يقربه من الآخرين أو يبعده عنهم.
وفي الذي أقوله إشارة من طرف خفي إلى أن الفرادة الجمالية الإبداعية لا تعني إطلاقا الصدوف المطلق عن تجارب السابقين أو المجايلين أو اللاحقين …وإلا فالأسد مجموعة خراف مهضومة جيدا كما يقول المثل الفرنسي.
واستنادا إلى ما سبق، فإننا نلحظ في أعمال شاعرنا الزجال ابراهيم ازنيدر سخرية أحمد فؤاد نجم، كما نلحظ كثيرا من تأمل عبدالرحمان الأبنودي وتأمل إدريس أمغار مسناوي ورقة أحمد لمسيح وكاريكاتورية الصنعاوي والإيقاع الطافح للعطار واللمتوني..وكل ذلك في نسيج خاص به …مما يعني عندنا غنى وثراء النص الشعري عند الشاعر ابراهيم وهو مما يحمد له في سياق ما يمكن تسميته بتعدد الطاقة الشعرية أو بالأحرى تعدد أسس هذه الطاقة الشعرية العالية الكعب.
إن الشعر ومنه الزجل خطاب استعاري يثير الدهشة والمفاجأة وخيبة انتظار المتلقي ..الأمر الذي يجعل منه خطابا مختلفا عن الخطابات السائدة المتداولة لغويا، وكل ذلك يبعث في نفس المستمع/ القاريء لذاذة جمالية تدفعه للتأمل والمشاركة في بناء النص ثانية بعد أن يفرغ من كتابته أو بنائه الشاعر /الزجال…
في هذا السياق، يمكن الوقوف على قصيدة الشاعر الموسومة ب ” بزولة الخيال “، وهي في تصوري مثال قوي وصارخ على الذي تقدم جميعه، إذ فيها من الموضوع قوته والموضوع هنا اشتغال الشاعر، هي إذن في العمق تصور الشاعر للعملية الإبداعية أو الخلق الإبداعي وهو أمر يشترك فيه كل الشعراء الكبار، أذكر في هذا السياق قصيدة بول إيلوار عمل الشاعر، le travail du poète ، وقصائد كثيرة لبودلير ولشعراء عرب قدامى ومحدثين….
الشعر معاناة وملاحقة للمعنى في الوقت نفسه، ولعبة عدول وانزياح ..هذا العدول يبدو منذ العنوان: ” بزولة الخيال ” والبزولة فيها من الإيحاءات الشيء الكثير وذلك من مثل الإحالة على الأمومة وعلى الثراء ورغد العيش لكنها تصبح أقوى وهي تقترن بالخيال في العنوان.. بالخيال لا بالحنان مثلا ..
للشعراء جميعا وبدون استثناء منبع ما يستلهمون منه شعرهم وهو البزولة في القصيدة والأم في العمق مصدر نستلهم منه بنوتنا، لكننا نستلهم منه أيضا شعرنا، ولهذا كان للخيال بزولة كريمة وإن كانت بزولة تستعصي علينا في أحايين كثيرة بل وتهرب منا إلى غيرنا…
يقول الشاعر :
شاعر
غرف من بحري
عشق قصيدة
وطار بها
طارت به
والأم حاضرة في أبعادها كلها وبشكل صارخ في أعمال الشاعر ابراهيم ازنيدر، ويتم هذا الحضور لغويا عبر ألفاظ دالة عليها أو موحية بها حتى وإن لم يكن الموضوع هو الأمومة…كما يتم بواسطة الدلالات المصاحبة وهي عمود في الشعر لا يمكن الاستغناء عنه وإلا سقط الشاعر في محاكاة وتقرير.
يقول الشاعر في غمزة الضو :
قبل ما يرشك الضو نفطة في الحلمة
قبل ما تحبل الكلمة شروق الخيال
ومثل فعل تحبل ونفطة والحلمة كثير في شعر الشاعر ولا شك أن القارئ النبيه سيتنبه إلى استعمال الشاعر لغة عالمة أو شاعرة بالمعنى الرسمي للكلمة، بل إنك في كثير من الأحيان تلحظ في شعره استعمالات عربية نحوية قديمة في لغته الدارجة العالية ومن ذلك استعمال أل الموصولية أو الطائية التي تعني الذي والتي ومنها قوله: ذك النجمة الموقفاني سما.. والموقفاني هي في الأصل ” اللي موقفاني ” أي التي توقفني وكأنه قال الأوقفني وهو مما يصح في الشعر العربي القديم والحديث ولا يصح في النثر إطلاقا..
الحديث عن أعمال الشاعر الكبير ابراهيم ازنيدر يحتاج إلى وقت أطول ووقوف أعمق.. لكني موقن أن القاريء الكريم سيقرأ شاعرا عالي الكعب مفلقا وقويا ..