المناظرة الثالثة للجبايات : المعركة الكبرى ضد جيوب المواطنين
◆ محمد الخباشي
اسدل الستار على اشغال المناظرة الثالثة للجبايات، المنعقدة يومي 3 و4 ماي الجاري بالصخيرات، تحت شعار: العدالة الجبائية، باصدار ما يقارب 100 توصية. كان الهدف حسب وزارة المالية، هو اعادة التاسيس لنطام جبائي يحقق العدالة الجبائية. وقبل مناقشة التوصيات، فالشعار يستدعي وقفة متأنية. الشعار بالفرنسية هو EQUITE FISCALE وقد تمت ترجمته قصدا او خطأ الى مصطلح العدالة الجبائية، والاصح هو الانصاف الجبائي. زمهما كان القصد، فالعدالة الجبائية كما تم ترجمة الشعار، يحمل تضليلا خطيرا، بحيث لا يمكن الحديث عن عدالة ما دون اخدها ضمن السياق العام للعدالة الاجتماعية. فلا يمكن ان تتحقق عدالة ما الا ضمن العدالة الشاملة ،التي هي عدالة اجتماعية، وما تتضمنه من حقوق المواطنين شاملة، منها الاقتصادية والسياسية الخ… اضافة الى ذلك، فالعدالة لا يمكن ان تتحقق باي اصلاح جبائي مهما كان، لان النطام الضريبي هو الدي يجسد احدى تجليات الظلم الاجتماعي، من خلال التوزيع غير العادل للثروة. وباعتراف رسمي وحسب الاحصائيات التي تعود الى المديرية العامة للضرائب، فان المكون الاساسي لمداخيل الدولة من خلال الضرائب، هو الضريبة على الدخل في شقها المقتطع من المنبع للموظفين والمستحدمين. في الوقت الدي لا يشكل فيه المكون المهني الا النزر القليل. اما الجزء الاهم ايضا، فياتي من خلال الضريبة على القيمة المضافة. ومعروف ان هدا الرسم يستخلص من جيوب المستهلك النهائي للسلع والخدمات. والمحصلة، ان الطبقات الوسطى والفقيرة هي التي تتحمل العبئ الجبائي. فعن اية عدالة يتحدثون؟ اضافة الى دلك، فكيف يعقل ان يتم تضريب شركة ما بنسبة قد لا تتجاوز 17.5 بالمائة من التتيجة الصافية المحققة ، في حين يتم تضريب الاشخاص الداتيين بنسبة 38 بالمائة على نتيجة صافية مماثلة؟؟؟
الاصلاح الجبائي لا يتوجب ترسانة قانونية وحدها، بل يستدعي اصلاح اداري بالموازاة، لان الادارة لا تتوفر على الامكانيات اللازمة، اللوجستيكة والبشرية لتنفيد اي اصلاح. فما جدوى القوانين التي تبقى حبرا على ورق؟
اكبر مثال على هدا، يقود الى النظر الى التوصيات. من بين التوصيات التي قدمتها المناظرة، تجميع مختلف الرسوم والضرائب وادماجها في المدونة العامة للصرائب. والمقصود هنا دمج الرسوم المحلية وهي الضريبة على الاراضي عير المبنية، الرسم المهني، رسم السكن والخدمات الجماعية في رسم واحد يسمى الرسم العقاري، يعهد الى المديرية العامة تسييره وتدبيره. اول ملاحظة هي ان المنظمين لا يستطيعون الانفكاك من التبعية الفكرية واسلوب النقل واستقدام القوانين بل استنساخها. فهدا الرسم هو نفسه مطبق في فرنسا وبنفس الصيغة. ثانيا، الجماعات المحلية التي عهد اليها تدبير بعض الرسوم كجزء من مداخيلها لا تتوفر على انظمة معلوماتية ولا على موارد بشرية يجعلها قادرة على متابعة وتتبع تسيير هده المداخيل. اكير دليل على دلك هو الادونات التي تستعملها الجماعات التي يعود اصلها الى الفترة الاستعمارية والتي لم تتغبر على الاطلاق.
فيما يتعلق بمضمون التوصيات، فقد كان شعار العدالة الجبائية غطاء لهدف خطير، وهو البحث عن نمودج تنموي جديد كباقي الشعارات الرنانة. وتجسد هدا من خلال توصيات تقضي بضرورة توسيع الوعاء الضريبي ليشمل عددا من القطات التي كانت معفية ولا تغطيها رادارات المديرية العامة للضرائب .فقد تم استحداث ما سمي بالمقاول الداتي لادخال بعض الحرفيين الى دائرة الضوء وسياتي الدور على بفية الحرف والمهن الصغيرة. اضافة الى دلك، سيتم التوجه الى ادخال كل الاعمال الى نطاق الضريبة على القيمة المضافة بما في دلك الفللاحة ولو بسعر 0 بالمائة. ويعني دلك خضوع الفلاح للضريبة على القيمة المضافة. وحتى ادا بقي سعر هده الضريبة 0 بالمائة، وسيكون له الحق في استرجاع ما تم تاديته من رسون على مشترياته، فان المستهدف هو بائع المواد المستعملة في الفلاحة : الاليات، الاسمدة والادوية الخ…. فباسم العدالة الجبائية لن يتم اعفاء هؤلاء الباعة، باعتبارهم وسطاء في تجميع الضريبة على القيمة المضافة، سيتم اجبار هؤلاء على اضافة هده الرسوم الى سعر السلع، التي ستخرج في نهاية المطاف من جيب الفلاح. وبالنطر الى النسيج الاقتصادي وتشكيلة هدا النسيج، نستنتج ان الفلاح الصغير هو الدي سيؤدي هده الضريبة دون امكانية القدرة على استرداعها من الدولة. اما بالنسبة للفلاح الكبير الدي يعمل على شكل شركات، فسوف يطالب باسترجاع هده الضريبة او تطبيقها على مبيعاته التي تتحمل هدا الرسم، وسوف يخرج من جيب المواطن في نهاية المطاف. مما يندر بالزيادة في اسعار المنتجات الفلاحية وما يمكن ان يكون لها من اثار اجتماعية.
ما سمي بالنمودج التنموي الجديد، انبنى على ما يتم اسهتلاكه من شعار الجهوية المتقدمة. فصبت كل المداخلات على ضرورة تمكين الجماعات الترابية من موارد مالية لتتمكن من اداء المهام المنوطة بها بمقتضى دلك الشعار. بغض النظر عن مضمون هده الجهوية وقدرة الجماعات الترابية على تحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية، فان التوجه العام للنقاشات والتوصيات يصب في توسيع الوعاء الضريبي، بحثا عن موارد للجماعات الترابية.
الجماعات، من خلال نظامها الاساسي والتركيبة البشرية لاغلبيتها، لن يكون الا استنزافا للمال العام. يكفي النظر الى عدد الملفات العائدة الى الجماعات والتي اكتشف المجلس الاعلى للحسابات اختلالات بشانها. والاخطر من هدا، ان هدا التوجه يجسد تطبيقا حرفيا لتوجه الراسمالية العالمية التي يسطر عليها التوجه المالي الاوليغارشي، او ما يسمى بالنيوليبرالي، والدي يهدف الى البحث عن التمويلات من خلال جيوب المواطنين. فشعار النمودج التنموي الجديد، لا يشكل اي اجتهاد، بل تنفيد التلميد النجيب لتوجه الراسمالية العالمية، وتاكيد على الطابع الطفيلي للبرجاوزية المحلية بعدم قدرتها على خلق تنمية مندمجة مبنية على خلق استثمارات تفضي الى خلق مناصب شغل ونمو وتنمية اقتصادية واجتماعية.
ومن خلال الخلاصات التي تم تقديمها، تم الاعلان عن عزم وزارة المالية تقديم قانون اطار ينطم القوانين المالية للسنوات المقبلة في افق 2025. هنا اطرح سؤالا سادجا: ادا تم تحديد القانون الاطار لقوانين المالية الى حدود 2025، ما جدوى ما سيتم تقديمه من برامج حكومية ووعود انتخابية الخ …؟ اي مادا بوسع اية حكومة اخرى ان تقدمه كتصور للنطام الجبائي مستقبلا؟
من الغباء بمكان الاعتقاد ان الحكومة تصوغ توجهاتها. ومن الحمق ايضا الاعتقاد ان النطام الضريبي تمت صياغة خلاصاته في يومين. الاصلاحات المزمع القيام بها، كباقي القوانين التي يتم الترويج لضرورة تعديلها، وبصفة خاصة كل القوانين المرتبطة بالحياة الاقتصادية، مملاة بشكل حرفي من اسياد الدوائر المالية العالمية. وتكفي مقارنة بعض من تلك القوانين بمثيلتها في فرنسا بالخصوص حتى يتجلى الامر. احيل القارئ الى الكتاب الخامس من مدونة التجارة، الدي اراه نسخة طبق الاصل للكتاب السادس من مدونة التجارة الفرنسي.
خلاصة القول ان هناك حربا لا هوادة فيها، يتم التهييء لشنها على جيوب المواطنين تحت شعارات رنانة ومغرية. وهناك فئات واسعة من شركاء وزارة المالية وأدواتها التنفيذية انصاعت وراءها.