عين على الساحة… متى سنمارس حق تقرير المصير؟
◆ زياد السادري
من ضمن المشاريع المعروضة على الحكومة، مشروع رقم 78.18 الذي يرمي إلى تجهيز سفن الصيد البحري في المياه الإقليمية المغربية، بالتجهيزات التقنية اللاسلكية، حتى يسهل تحديد مكانها وتحركاتها، وهذا عادي، بل أنه جاء متأخرا جدا، إذ تم غض الطرف عن نهب الثروات البحرية؛ ومع ذلك فأن تحديد السفن المعنية يطرح سؤال السبب الدافع إلى حصرها في تلك التي تقل حمولتها أو تعادل ثلاث وحدات السعة؟ لكن الموضوع الذي سنتكلم عنه في هذا الركن هو موضوع قديم متجدد، وضعه مشروع القانون أمام أعيننا مرة أخرى، بكل إصرار الدولة والحكومة للحفاظ على ديمومته إلى” يوم القيامة”.
يرمي المشروع إلى تغيير وتتميم فصلين في ظهير 31 مارس 1919 الذي أسس مدونة التجارة البحرية، وما أكثر المرات في تاريخ المغرب التي غير فيها الظهير بظهائر ومراسيم دون المساس به.
فماذا يقول هذا الظهير الذي تم إصداره في ظل صعود الاستعمار الفرنسي تحت ما سمي بالحماية؟ هناك عدد من المراسيم تتعلق بالسفن البحرية وحتى هناك ظهير 23 نونبر 1973 يتعلق بتنظيم الصيد البحري يمكن إدخال التتميم والتغيير الجديد في أحدها وهناك أيضا ظهير 27 ابريل 2016 يتعلق بالسفن البحرية وبنائها وتجهيزها وترميمها وقعه رئيس الحكومة السابق بنكيران، لكن يظهر أن الحكومة لديها ولدى شريحة تستفيد من ربط الاقتصاد المغربي بدواليب فرنسية، رغبة عميقة في أن تذكرنا في كل مرة، بأننا ما نزال لم نتحرر، وما نزال قاصرين، وأننا مشدودون بالدولة الفرنسية القديمة التي جددت نفسها منذ ذلك التاريخ، وبقيت شريحتنا المغربية تحن إلى تلك العلاقات القديمة، بمعنى أن فرنسا تخلت عن الاستعمار المباشر، في حين ما يزال عندنا من يحن إلى أيامه.
الظهير المشؤوم تم فيه التوقيع على ثلاثة نصوص هي التجارة والملاحة والصيد بحرا، وأطلق على كل منها اسم مدونة أو قانون، ومن حسن الحظ أن الطرف المغربي في إعداد هذه المدونات والذي هو مثل الفأر مع القط، وضعيف إلى أبعد الحدود، حرص فيه على أن يوضح المنطقة التي تطبق فيها تلك النصوص على أنها جزء من كل، بعبارة : “المنطقة الفرنسية” من “الإيالة الشريفة” ويقصد بهذه الأخيرة مفهوم المملكة التي وردت في إعلان قيمة الاشتراك في هذا العدد من الجريدة الرسمية ل 21 إبريل 1919 الذي نشر فيه الظهير، وتعني الدولة المغربية التي وردت في إعلان أماكن تسجيل الاشتراك : ” أن يطلب من إدارة الجريدة الرسمية للدولة المغربية بالرباط ومن جميع بنيقات البوسطة بالمغرب “، وهذا يوضح إلى جانب عدد كبير من الحقائق عكس ما يرمي إليه المستلَبون بالثقافة السياسية للاستعمار الفرنسي أوالذين كانوا أدلاء ومبشرين له على أن المغرب هو بالضبط المنطقة الواقعة تحت سيطرة الاستعمار الفرنسي. والظهير لم يوقع بطبيعة الحال من طرف حاكم مغربي لوحده بل وقع من طرف محمد المقري بصفته ممثلا للدولة المستعمَرة وليوطي بصفته ممثلا للدولة الاستعمارية.
ما هو السر يا ترى لتحافظ البرجوازية المغربية منذ الاستقلال الشكلي إلى الآن على هذه النصوص التي عدلت وتممت عدة مرات في الثلاثينات وبعد الاستقلال؟ السر هو أن النصوص تسمح ببقاء الحبل السري بضم السين (السرة) مع الرأسمال الفرنسي في الصيد البحري وفي التجارة البحرية والقانون المحدد لهما وفي الوقت نفسه استفادة الطبقة الحاكمة من بقايا الريع في هذا الميدان. إن النصوص سمحت للسفن الفرنسية بأن تصبح مغربية الإقامة شرط توفرها على ميناء، وهذا كان شيئا بسيطا لأن الدولة تحت الحماية الفرنسية، وتسمح أيضا بأن تكون الضرائب تحت عتبة الحد الأدنى، وتسمح بكثير من الامتيازات. ومن سوء الحظ أننا لم نتقدم كثيرا، في الجريدة ، في إعداد ملف حول هذا القطاع الحيوي رغم أنه مدرج على جدول أعمالنا بسبب قلة عدد أفراد هيئة التحرير المتفرغين للعمل الصحافي، ولكننا مصممون على إنجازه وعلى تخطي كل العراقيل.
ماذا كان سيضير البورجوازية المغربية أن تتصف بشيء من الشجاعة وتسترد لفائدة الدولة الثروات البحرية التي تنهب يوميا؟ لقد سلكت العديد من الدول هذا المسلك، وفي المغرب هناك إصرار على الحفاظ على العلاقات الاستعمارية في الاقتصاد كما هي، وهذه العلاقات هي التي تفسر بقاء العلاقات التقنية والسياسية والقانونية والثقافية واللغوية على حالها حتى أصبح داخل المغرب من يدعو إلى أن تبقى أبدية.
عندما نقول إن الشعب المغربي ما يزال يناضل لكي يمارس حق تقرير مصيره فإننا لا نبالغ ولا نجدف، بل ننطلق من حقيقة أن الاستقلال الشكلي كان خديعة استعمارية أوصلتنا إلى فقدان جزء كبير من الثروة وجزء من الأراضي، وحتى الشرفاء الذين كانوا يرون ضرورة استرجاع ذلك الجزء لمواصلة النضال من اجل الجزء المتبقي وجدوا أنفسهم أمام تحالف جديد بين الاستعمار القديم والجديد والذي تمكن في الأخير من قلب الموازين.