العمل الوطني الفلسطيني.. بين الانقسام وآمال الوحدة
◆ رامز مصطفى عضو المكتب السياسي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة
لم يعد خافياً ما تتعرض له القضية الفلسطينية من مخاطر وتحديات هي الأكثر خطورة، من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني. حيث بذلت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وحكومة العدو الصهيوني برئاسة بنيامين نتنياهو، جهوداً محمومة هدفت ولا زالت إلى تصفية القضية الفلسطينية، عبر عدة مسارات. الأول، إبقاء السلطة الفلسطينية على ثلاثة رهانات، عبّر عنهم رئيس السلطة السيد محمود عباس في اجتماع الأمناء العامين في بيروت ورام الله في 3 أيلول من العام الماضي، حيث أكّد على التمسك ب “حل الدولتين”، والتمسك بالرباعية الدولية، واستئناف المفاوضات. والثاني، تمثل في الإعلان عما تسمى ب “صفقة القرن”، ومقدماتها، الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة للكيان، ونقل السفارة الأمريكية من مغتصبة تل أبيب إلى مدينة القدس. وبالتالي تنفيذ “خطة الضم”، التي وإن قد تمّ تأجليها فهي تنفذ على الأرض، من خلال السياسات التي تتبعها حكومة كيان الاحتلال. والثالث، مسار اتفاقات التطبيع التي وقعتها كل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، مع كيان العدو الصهيوني. تلك الاتفاقات التي تتخذ سياقاً خطيراً لتشكيل تحالفات خدمة لتحقيق هدفين متلازمين، الأول، لاستبدال أولويات الصراع، بدل أن يكون مع كيان الاحتلال الصهيوني، ليتحول صراعاً مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومحور المقاومة. والثاني، تهميش القضية الفلسطينية، من خلال عزلها عن واقعها العربي والإسلامي، تمهيداً لتصفيتها، وفرض حلها وفق الرؤية الصهيونية، القائمة على أساس خيار الوطن البديل (الخيار الأردني)، في انتظار تغير في بيئات المملكة الأردنية، بالمعنى السياسي والاقتصادي والديمغرافي. لأن هناك قناعة راسخة لدى الحركة الصهيونية، أنّ الأردن لا يمكن أن يبقى على وضعه الراهن، بل سيشهد تحولات تُسهّل تنفيذ وتطبيق خيار الوطن البديل للفلسطينيين.
لقد شكّل الموقف الفلسطيني الرافض ل”صفقة القرن” على المستويين الرسمي والشعبي، فرصة حقيقية أمام الفصائل الفلسطينية، لصياغة رؤية وطنية شاملة لمواجهة الصفقة، والتحديات التي تحاول فرضها على عناوين القضية الوطنية. وذلك من خلال تنفيذ مقررات المجلس المركزي والوطني، لجهة وقف العمل باتفاقات “أوسلو”، وسحب الاعتراف بالكيان، ووقف التنسيق الأمني، وبرتوكول باريس الاقتصادي. وصولاً إلى إنهاء الانقسام من خلال إعادة إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية تطويراً وتفعيلاً وفق ما توافقت عليه في العام 2003 و2005 و2011 في القاهرة، على أسس سياسية وديمقراطية، وتحقيق شراكة وطنية كاملة، وجعل وثيقة الوفاق الوطني في العام 2007 سقفاً سياسياً لمنظمة التحرير الفلسطينية.
غير أنّ السلطة الفلسطينية لم تبادر إلى اتخاذ خطوات جادة في سياق التحرك لرأب الصدع والانقسام في الساحة الفلسطينية. وأبقت على رفضها وقف التعاون مع الكيان وإدارة الرئيس الأمريكي ترامب، من دون اتخاذ أية خطوات عملية، كمؤشر على جديتها. ومن خارج المتوقع ومن دون علم الفصائل، تحركت مياه الانقسام الراكدة بين فتح وحماس، من خلال إطلالة إعلامية لكل من الشيخ صالح العاروري نائب رئيس حركة حماس، وجبريل الرجوب عضو اللجنة المركزية لحركة فتح في تموز 2020، تأكد من خلالها أنّ سياقاً حوارياً ثنائياً قد قطع شوطاً متقدماً بين الحركتين، نتج عنه لقاء تمهيدي للفصائل في رام الله أواخر تموز، ولقاء الأمناء العامين في بيروت ورام في 3 أيلول 2020، ولقاءاً ثنائياً بين حماس وفتح في اسطنبول أواخر أيلول 2020. وقد اتفقا خلاله على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني الفلسطيني. غير أنّ خلافاً قد برز بين الحركتين يتعلق بمفهومي التوازي والتوالي لتلك الانتخابات، حيث اتهمت فتح حركة حماس أنها تراجعت عن الاتفاق على توالي الانتخابات الثلاثة. وما زاد الأمر سوءاً إعادة السلطة تعاونها مع الكيان بشتى المجالات، ووافقت على استلام أموال المقاصة المستحقة للسلطة لدى الكيان لصهيوني. مما أعاد مشهد التفاؤل بإنهاء الانقسام إلى المربع الأول، أي ما قبل لقاء الأمناء العامين في أيلول، ونسف مخرجات ذاك اللقاء.
وكما بدأت حوارات حماس وفتح في تموز الماضي من دون مقدمات، تراجعت حركة حماس عن اشتراطاتها بتوازي الانتخابات، والموافقة على تواليها، من خلال رسالة بعث بها السيد اسماعيل هنية رئيس حركة حماس، لرئيس السلطة الفلسطينية، التي رحب بها. خطوة حماس بررتها بتلقيها نصائح تركية ومصرية وقطرية مع ضمانات مقدمة من تلك الدول بإنجاز الانتخابات بمراحلها الثلاثة. بعد موافقة حماس أصدر السيد محمود عباس رئيس السلطة المراسيم اللازمة لإنجاز الانتخابات الثلاثة بتواريخ محددة، تبدأ في أيار القادم بانتخابات التشريعي، وتنتهي في أب 2021 باستكمال تشكيل المجلس الوطني.
مع إصدار المراسيم الانتخابية، بات الطريق معبداً أمام إجراء حوارات فلسطينية – فلسطينية، توجت بتوجيه القيادة المصرية الدعوة لأربعة عشرة فصيلاً فلسطينياً هم (حماس، وفتح، والجبهة الشعبية – القيادة العامة، والجبهة الشعبية، وحركة الجهاد الإسلامي، والجبهة الديمقراطية، وقوات الصاعقة، والمبادرة الوطنية، وحزب الشعب، وجبهة التحرير الفلسطينية، وجبهة النضال، والجبهة العربية، وجبهة العربية الفلسطينية، وحزب فدا. بالإضافة لعدد من المستقلين استقدمتهم حركة فتح من رام الله). من أجل البدء بحوار يوم الاثنين 8 شباط الجاري، بحضور وزير المخابرات المصرية، وقادة الفصائل المشاركين في الحوار. والذي استمر إلى مساء الثلاثاء 9 شباط.
وكما كان متوقعاً، الاجتماع لم يوضع له جدول أعمال، فالواضح أنّ التوجه لدى القائمين على الحوار، أي المصريين، ومعهم حركتي حماس وفتح، كانت نقطة الانتخابات هي الوحيدة التي يريدون مناقشتها، وترحيل الانتخابات الرئاسية والمجلس الوطني إلى موعد لاحق. وهذا ما أكد عليه الوزير المصري عباس كامل في جلسة افتتاح الحوار، حيث قال: “لابد من مناقشة الإجراءات العملية والاتفاق على آليات للانتخابات المتعلقة بالتشريعي”. الأمر الذي استدعى احتجاج معظم الفصائل من خلال مداخلات رؤساء الوفود، فقد جرى التأكيد على أهمية مناقشة كل الملفات باعتبارها سلة واحدة. وأكد المتحدثون وخاصة الفصائل الخمسة وهي (القيادة العامة، والجهاد، والشعبية، والصاعقة، والديمقراطية)، أنّ الأساس في الحوار إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير في بنائها وميثاقها. ولا يمكن أن تستقيم الأمور، إلاّ من خلال ذلك.
وتمّ طرح جملة من القضايا المتعلقة بالشعب الفلسطيني، الذي لا ينحصر فقط في الضفة وغزة ؟ ، فهناك حوالي 14 مليون فلسطيني، من الضروري الاهتمام بهذا لأمر، وإلاّ الانقسام سيبقى قائماً، والحديث ناقصاً. المسألة الفلسطينية والمخاطر التي تتعرض لها تتهدد الكيانية الفلسطينية في كل مكان، والقفز على هذا الموضوع يمكن أن يؤدي إلى الفشل، إذا لم تتم معالجة كافة الملفات بشكل متكامل. وبالتالي فإنّ المجلس التشريعي السابق كان على أساس “أوسلو”. وأنه في طبيعة الأمر، كل ما يتعلق بهذه السلطة ومؤسساتها لم يكن معنياً بوضع الشعب الفلسطيني في الخارج، ولم يكن مهتماً به. لذلك يجب في هذه المرحلة تصحيح المعادلة، فلا يمكن أن نتحدث فقط عن جزء من شعبنا، في تجاهل لموضوع اللاجئين، ودور الفلسطينيين أينما تواجدوا في الشتات.
إضافة لذلك فإنّ القلق كان واضحاً في المداخلات، بأنّ الانتخابات تجري بناءاً لمطلب ورغبة دولية. والخشية أن يجري القفز على بقية العناوين وتطيير الترتيبات الخاصة بالمجلس الوطني، حيث اللجنة التحضيرية التي اجتمعت في بيروت العام 2017، وضعت الآليات والتوصيات الواجب العمل عليها. والخشية أيضاً عدم الدخول في العمق، بما يتعلق بالمنظمة، لذلك من الضروري الفصل بين السلطات، أي بين المنظمة والسلطة. وفي السياق ذاته هناك من تساءل عما سيحصل بعد الانتخابات ؟، وكيف سيتم نعي الانقسام ؟، وكيف سيتم إنهاء مظهره على الأرض ما بين الضفة وغزة ؟. هذه التفاصيل من الواضح أن الطرفين لم يتفقا عليها، وكانت موضع أخذ ورد. إلاّ أنهما أي فتح وحماس تقولان أنّ هذا الموضوع لن يشكل عائقاً في قبول نتائج الانتخابات، والاستمرار في ترسيخ المصالحة وإنهاء الانقسام. وهنا علامة استفهام كبيرة ؟.
انتهت جلسات الحوار مساء الثلاثاء 9 شباط، بإصدار بيان ختامي، يمكن تسجيل الملاحظات التالية عليه :
1. الفصائل المشاركة في الحوار لا يمكن أن تحصل على كل ما تريده، لأنّ البيان هو توافقي بين الجميع، شريطة ألاّ يتم تغليب المحصلات على الأساسيات، بمعنى أنّ المدخلات والبدايات يجب أن تكون من منظمة التحرير وإصلاح مؤسساتها وأولها إعادة تشكيل المجلس الوطني.
2. التأكيد على أنّ الانتخابات ستجري بالاستناد إلى التوافقات والاتفاقيات الفلسطينية السابقة، لاسيما وثيقة الوفاق الوطني ومخرجات اجتماع الأمناء العامين في 3 أيلول 2020. وهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أنّ الانتخابات ليست مسقوفة باتفاقات “أوسلو”، بل هي ستجري وفق تلك الاتفاقات مهما حمل البيان من عبارات. وما ورد ذر للرماد في عيون الشعب الفلسطيني، والفصائل من خارج حماس وفتح.
3. على أهمية عقد اجتماع الفصائل مرة جديدة في أذار القادم، إلاّ أنه جاء كمن يمنح جائزة ترضية للآخرين، مقابل تمرير التأكيد على أنّ الانتخابات التشريعية مدخل للشراكة الوطنية، وهي غير ذلك تماماً. بل خطوة الاجتماع القادم لطمأنة المتوجسين من الفصائل حول استكمال تنفيذ ما يتعلق بالمجلس الوطني.
4. تكريس مظاهر الانقسام بين الضفة والقطاع، أولاً، بتشكيل محكمة قضايا الانتخابات، التي تشكل توافقياً من قضاة بالضفة وغزة والقدس، وجعل مرجعيتها مبهماً بعد الخلاف على تشكيل المحكمة الدستورية. وثانياً، تولي الشرطة في الضفة مسؤولية أمن الانتخابات هناك، على أن تتولى الشرطة في القطاع مسؤولية أمن الانتخابات.
5. ترحيل معالجة إفرازات الانقسام بكل جوانبها الإنسانية والاجتماعية والقانونية، إلى ما بعد انتخابات المجلس التشريعي وتشكيل الحكومة. وكأن المعالجة مشروطة باستكمال وإنجاز انتخابات التشريعي.
المؤسف أنّ التطلعات المعقودة على حوارات الفصائل لم تكن على قدر النتائج التي خلصت إليها تلك الحوارات ، حتى من داخل بعض الفصائل والعديد من النخب الفلسطينية على كافة مستوياتها. وبالتالي هناك مخاوف مشروعة تتعلق بالتطورات السياسية، لجهة تحريك مياه المفاوضات الراكدة بين السلطة والكيان، بدفع من إدارة الرئيس الأمريكي بايدن، والرباعية الدولية، وواقع إقليمي تبين أنه هو من ووقف خلف إقناع حماس للتراجع عن شرط التزامن والقبول بتوالي الانتخابات. وهذا ما عبر عنه الشيخ صالح العاروري نائب رئيس حركة حماس في مداخلته في افتتاح جلسات الحوار، بالقول : إنّ الظروف الضاغطة على القضية هي من فرضت على حماس الاتصال بفتح والتوافق على إجراء الانتخابات.”
في مقابل ما تمّ عرضه واستعراضه، تبقى هناك مهمتان ملحتان. الأولى، تتعلق بالفصائل من خارج حماس وفتح، في قدرتها على التحشيد بهدف تثبيت مواقفها المعلنة خلال جلسات الحوار، وذلك في الاجتماع القادم في آذار 2021، فيما يتعلق بالمجلس الوطني على اعتباره المدخل لإصلاح منظمة التحرير ومؤسساتها الوطنية. ودون ذلك ستبقى القضية الفلسطينية بعناوينها االوطنية عرضة إلى مزيد من التبديد والتصفية . والثانية، تتمثل فيما سيقدم عليه كيان الاحتلال من إجراءات في مواجهة استحقاق الانتخابات، إن لجهة منعها وأقله في مدينة القدس، خصوصاً بعد الاعتراف الأمريكي بأنها العاصمة الموحدة للكيان الصهيوني. أو لجهة التضييق عللى المرشحين من الفصائل والشخصيات من خارج حركة فتح.