المقاربة القمعية في مواجهة الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد
عبد العاطي اربيعة
في الوقت الذي يرتفع فيه الاحتقان، بقطاع التربية الوطنية، مع تزايد احتجاجات مجموعة من الفئات التعليمية، وفي مقدمتهم الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، وفي الوقت الذي كان الجميع ينتظر من الوزارة الوصية التحرك السريع لحل الملفات العالقة، تأمينا للزمن المدرسي للمتعلمات والمتعلمين، وصونا لحقوق ومكتسبات الشغيلة التعليمية، وعلى رأسها المساواة بين مختلف الفئات وتكافؤ الفرص، والذي يفرض إدماج الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد في نظام الوظيفة العمومية، بما يضمن الاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي لفئة واسعة من الشغيلة التعليمية.
في هذا الوقت بالذات أصرت الدولة المغربية على اعتماد المقاربة الأمنية، والتي تجلت منذ التدخل العنيف في حق المشاركات والمشاركين في مسيرة 20 فبراير 2019، وانتقلت لفض المعتصمات الجهوية خصوصا يومي الرابع والخامس من مارس، والتي خلفت العديد من الإصابات الخطيرة في حق مربيات ومربيي الأجيال.
هذه التدخلات القمعية التي أججت الوضع أكثر، وأخرجت مختلف فئات الشغيلة التعليمية والتلاميذ والتلميذات والجماهير الشعبية للتضامن مع الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، والتنديد بالمقاربة القمعية التي تنهجها الدولة في مواجهة المحتجين السلميين.
ففي الرابع عشر من مارس خرجت مسيرات حاشدة التلميذات والتلاميذ بزاكورة تضامنا مع أساتذتهم وأستاذاتهم، بعد التدخل القمعي في حقهم بكل من زاكورة وبوجدور (من أمام مقر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل حيث تم نقل 5 منهم إلى المستعجلات).
هذه المقاربة الأمنية التي أبانت عن فشلها في ثني المحتجات والمحتجين عن مواصلة نضالهم من أجل مطالبهم، ولعل فوج الأساتذة المتدربين موسم 2016 خير مثال على ذلك، والتي تعمل على تأجيج الأوضاع أكثر وتظهر عدم رغبة الجهات المسؤولة على حل الملفات المستعجلة، وهو ما دفع التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد لتمديد الإضراب لأسبوع ثان فثالث ورابع، وعوض أن تلتقط الوزارة الوصية الإشارة وتعمل على الاستجابة لمطلبهم في الإدماج بالنظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية، حاولت الالتواء على ذلك المطلب من خلال تغيير الاسم من «الأساتذة المتعاقدين» إلى «موظفي الأكاديميات»، هذا الالتواء سينكشف مع التهديدات بالعزل في حق كل من لم يلتحق بالأقسام دون اتباع المسطرة المعمول بها مع موظفي الوزارة، تهديدات بالعزل لا لشيء إلا لممارستهم لحقهم الدستوري في الإضراب والذي أسمتهم الوزارة (انقطاعا غير مبرر عن العمل).
ومع فشل مقاربة الالتواء والتهديد، عادت الجهات الوصية لعادتها والمتمثلة في القمع حيث ستتدخل بشكل همجي بمجموعة من الأقاليم خصوصا بخريبكة وطاطا، تدخل خلف عشرات المصابين ومجموعة من الاعتقالات أياما قليلة قبل تخليد الذكرى الرابعة والخمسين لانتفاضة 23 مارس المجيدة، والتي أتبعتها بمنع العديد من الأساتذة والأستاذات من حقهم في التنقل، في محاولة لثنيهم عن تنفيذ الاعتصام الليلي ليلة 23/24 مارس بالرباط، لكن ذلك لم يزدهم إلا إصرارا على إنجاح هذه المعركة الوطنية، حيث حج ما بين ثلاثين ألف وأربعين ألف إلى الرباط.
هذا الكم الهائل الذي كذب كل ادعاءات الوزارة حول عودة الأغلبية للأقسام، دفع وزارة الداخلية إلى حشد مختلف أجهزتها القمعية لتنفيذ جريمة ليلية بشعة، مستعملة فيها خراطيم المياه والكلاب المدربة، والدراجات النارية، ليلة سوداء في جبين الدولة المغربية استمرت فيها المطاردات والتدخلات البشعة إلى حدود صباح يوم الأحد 24 مارس 2019، وسالت فيها الدماء بمختلف شوارع الرباط، ونقل معها العديد من الأساتذة والأستاذات إلى المستشفى في حالة حرجة.
هذا الوضع دفع مجموعة من الهيئات الديمقراطية إلى إعلان مساندتها وتضامنها المبدئيين مع هذه الفئة منذ اليوم الأول والذي تم تتويجه بمسيرة وطنية شعبية يوم 24 مارس 2019 بالرباط والمنظمة من طرف الائتلاف الوطني للدفاع عن التعليم العمومي، والتي حضرتها أحزاب اليسار الديمقراطي والإطارات النقابية المناضلة ومجموعة من الفصائل الطلابية، وبإضراب وطني وحدوي والذي دعا له التنسيق النقابي الخماسي أيام 26، 27 و28 أبريل 2019.
إن الالتفاف حول معركة الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد ومعهم باقي الفئات التعليمية جعل الوزارة تعيش حالة ارتباك، حيث طلبت من النقابات تأجيل الإضراب وهو ما لم يستجب له التنسيق النقابي الخماسي، ليتنصل وزير التربية الوطنية من متابعة الحوار الاجتماعي، ورمي الكرة إلى وزير الداخلية للقاء المركزية النقابية والذي استثنى منه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وهو ما جعل العديد من المتتبعين يطرح أكثر من علامة استفهام.
في هذا السياق المتوتر سارع وزير التربية الوطنية لعقد مجموعة من الندوات الصحفية والخرجات الإعلامية والتي لم يقدم خلالها غير التهديد والوعيد، عوض تقديم حلول عملية لزحزحة الوضع المحتقن وإنقاذ السنة الدراسية، وهو ما يعني أن الوزارة الوصية لا تملك حلولا عملية لملف الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، خصوصا في ظل تمسكه بكون سياسة التوظيف بالتعاقد «خيارا استراتيجيا «، وهو ما يجعلنا نتساءل حول من يتحكم في قطاع التربية الوطنية، خصوصا في ظل ما سبق وأشار إليه رئيس الحكومة من كون المغرب له التزامات مع المؤسسات الدائنة (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي).
في ظل كل هذا يتضح أن إسقاط التوظيف بالتعاقد رهين بمدى تماسك الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، وبمدى استمرار دعم الإطارات النقابية وكل القوى الديمقراطية لمعركتهم، ويذلك لن تزيدهم المقاربة الأمنية إلا صمودا واقتناعا أكثر بمشروعية مطالبهم.