مستقبل الثقافة في المغرب
عبد العزيز كوكاس
في ظل الحديث عن مجتمع المعرفة مع ما أفرزته الثورة الكوبرنيكية في مجال الاتصال والمعلومات، حيث أصبحت المعرفة موجهة لمعظم الأنشطة الإنسانية من الاقتصاد إلى القيم والسلوكات، وفي الوقت الذي أضْحت فيه الثقافة محددة للخيارات الإيديولوجية والاجتماعية للشعوب والأمم، وأحد المقاييس الأساسية لمعرفة مدى تقدم المجتمع من تخلفه، ومع ما أصبح للثقافة من دور في تحديد الهويات وبناء منظومة القيم الكونية المشتركة.. يُفجعنا الوضع الذي أصبحت عليه الثقافة بالمغرب، سواء في السياسات العمومية أو في حقل التداول العام، ونُصدم أكثر لما ستؤول إليه الأوضاع بعد عقدين من الزمن..
ففي تقرير يعود إلى (يوليوز 2006)، أنجزته المندوبية السامية للتخطيط في إطار مشروعها الواسع «مستقبلية مغرب 2030»، كشفت المندوبية نظرة الشباب المغربي لمغرب 2030، تضمن معطيات خطيرة حول التحول الموجع للمغرب الممكن في العقد القادم، إذ كشفت توقعات الشباب المستجوبين أننا سنكون أمام مجتمع لن تعني له الثقافة شيئا، فقد احتلت الثقافة في مجال اهتمامات الشباب القائمة الأدنى بنسبة (5.2 في المائة) من قائمة المستجوبين، وارتفعت نسبة الاهتمام عند الإناث بنسبة (57.6 في المائة) مقارنة بالذكور (42.2 في المائة).
وبينما ستُحرز السياسة على نسبة مهمة لدى الذكور (62 في المائة) متبوعة بالرياضة (56.7 في المائة)، فإن الثقافة، حسب ذات التقرير، لن تحتل مركز اهتمام الذكور سوى بنسبة هزيلة (4.4 في المائة) وترتفع قليلا عند النساء بنسبة (6 في المائة).
وسواء بالنسبة للشباب المنحدر من المدن أو القرى، فإن الثقافة تظل في آخر الترتيب على التوالي (5.1 في المائة) و(6.1 في المائة) بالنسبة للمنحدرين من القرى، أو حسب فرع الدراسة، فحتى الأدبيين لن تأخذ الثقافة بمجال اهتمامهم، إذ احتلت المرتبة الأخيرة (5.7 في المائة) ولدى العلميين بنسبة (7.5 في المائة).
سيصبح اهتمام الشباب أكثر براغماتية موجهاً نحو المجتمع والسياسة والاقتصاد والرياضة.. لكن بدون خلفية ثقافية، لأنها ستحتل المرتبة الأخيرة في سلم القيم والرموز التي سينجذب إليها شباب مغرب 2030 بنسبة (0.8 في المائة) من حقل الاهتمام العام!
إنه لوضع مزر، يجعلنا ندق ناقوس الخطر حول أي موقع اعتباري للثقافة والمثقفين بعد عقدين من الزمن.. لكن إذا عُرف السبب بَطُل العجب، فإذا كان أربعون ألف تلميذ يغادرون المؤسسات التعليمية في إطار ما يعرف بالهدر المدرسي، وإذا كانت الإستراتيجية التعليمية والثقافية في المغرب لا تضع في اعتبارها الهوية الثقافية في البلد، فإنه لا يمكن أن ننتظر إلا الأسوء.