افتتاحية العدد 313: وحدة الشعوب العربية ضرورة تاريخية ورهان استراتيجي
وحدة الشعوب العربية ضرورة تاريخية ورهان استراتيجي
تشكل المنطقة الجغرافية الممتدة من شبه الجزيرة العربية الى المغرب ما أصبح يعرف بالعالم العربي حسب النعت الفرنسي أو الوطن العربي وفق تسمية القوميين العرب، أما الأوساط الصهيونية والمتصهينة فتقسمه الى ثلاث مناطق: الخليج والشرق الأوسط وشمال افريقيا، ضاربة عرض الحائط بكل الأواصر والروابط التاريخية والدينية والثقافية والحضارية التي جعلت من هذه المناطق فضاء ثقافيا واسعا. ويكفي استحضار التفاعل التلقائي بين شعوب المنطقة في اللحظات التاريخية الحاسمة والمسيرات المليونية التي نظمت بمختلف أقطار المنطقة لإدراك مدى قوة ومتانة تلك الروابط.
لقد ساهمت الاعتداءات الخارجية وخاصة في القرن التاسع عشر والعشرين في بلورة الهوية العربية الإسلامية للمنطقة بالرغم مما تتضمنه هذه الهوية من أبعاد أخرى لا تقل أهمية مثل الأبعاد الإفريقية والأسيوية والأمازيغية والكردية.
إن الموقع الاستراتيجي لهذه المنطقة واحتواءها على ثروات هائلة من المعادن ومصادر الطاقة من بترول وغاز جعلت منها محطة تكالب وتسابق الإمبراطوريات الاستعمارية الغربية. فمنذ احتلال الجزائر سنة 1830 من طرف فرنسا الى احتلال مصر وتونس وليبيا والمغرب، الى وعد بلفور (1918) واتفاقية سايس بيكو (1922)، وانتهاء بمنح فلسطين الحركة الصهيونية ورعاية دولتها منذ قيامها (1947)، لم يتوقف مسلسل التآمر الامبريالي على المنطقة ونهب ثرواتها.
لقد شكل اغتصاب فلسطين صدمة قوية لجميع الشعوب العربية وأدى الى صحوة قومية حقيقية تعززت بقيام الثورة الناصرية في مصر(1952) وتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا ومصر وانطلاق حركة التحرر المغاربية (1954)، وتأسيس حركة القوميين العرب بالأردن (1957)، وأدى هذا المد القومي التحرري الى حصول البلدان المغاربية على استقلالها واعلان الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا، وانتهى بإعلان الثورة الفلسطينية في يناير 1965 ووقوع حرب يونيو 1967 التي مثلت نكسة كبرى وبداية مخطط الاجهاز على حركة التحرر العربية.
وهكذا بعد أيلول الأسود وإخراج الثورة الفلسطينية من الأردن (1970) وعقد مصر السادات لاتفاقية كاب ديفيد مع الكيان الصهيوني (1979)، استمرت الحرب الأهلية اللبنانية خمس عشرة سنة وتم خلالها إخراج الثورة الفلسطينية من لبنان بعد الاجتياح الاسرائيلي (1982)، وتورط العراق في حرب عبثية مع إيران دامت ثماني سنوات، وأدت مضاعفاتها الى اجتياح الجيش العراقي للكويت وإخراجه بالقوة منها من طرف التحالف الإمبريالي الرجعي. في هذا السياق تم استدراج قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لتوقيع اتفاقية أوسلو سنة1993 التي وصل تطبيقها الى الباب المسدود بسبب التعنت الإسرائيلي وتراجع المد التحرري الإقليمي والدولي.
لم يقف المسار الانحداري لفصائل حركة التحرر العربية عند هذا الحد. فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وسيادة الأحادية القطبية الأمريكية، عاد تيار المحافظين بقوة الى السلطة في أمريكا وبريطانيا واستغلوا الحادث الإرهابي ل 11 شتنبر 2001 لاكتساح أفغانستان والعراق وإحكام السيطرة العسكرية على الشرق الأوسط والخليج. وبعد انفجار الأزمة المالية والاقتصادية، ووصول أوباما الى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية اندلعت ثورات الربيع العربي التي أحيت الأمل لدى شعوب المنطقة في التخلص من أنظمة الاستبداد والفساد. ومرة أخرى تستغل أنظمة الخليج الرجعية إمكانياتها المادية والاعلامية لتلغيم تلك الثورات وتحريفها عن مسارها، بل وتحاول من خلالها استئصال قوى التحرر والمقاومة بشكل نهائي كما حدث في اليمن وسوريا خاصة، التي تمكنت في النهاية من إفشال المؤامرة بفضل دعم حلفائها في محور المقاومة.
في هذا السياق الملتبس بادرت أحزاب تقدمية من لبنان وفلسطين وسوريا ومصر وتونس وموريتانيا والمغرب الى تأسيس الجبهة العربية التقدمية سنة 2015 كإطار لإعادة بناء حركة تحرر عربية غير عرقية، متجددة وعلى أسس ديموقراطية وتقدمية، تستطيع تجميع وتوحيد كل مكونات اليسار العربي والتصدي للمخطط الأمريكي الصهيوني الرجعي الذي تشكل صفقة ترامب أخطر حلقاته على مستقبل شعوب المنطقة. إن الرهان كبير والتحديات جسيمة بالتأكيد، ولذلك نتمنى أن تكون ارادة التحرر والوحدة والمقاومة لدى فصائل اليسار العربي أقوى، لتكون في مستوى المهام للتاريخية المطروحة على عاتقها.
الطريق