الجزائر: الجيش يستحوذ على الرآسة والحكومة… والشارع يتجاذبه شعاران

يزيد البركة

تمكن رئيس أركان الجيش الجزائري، من استعادة ما خسره الجيش من حرية الحركة سابقا، في صراعه الخفي والصامت مع الرآسة التي لم تكن تعرف، أن الشخص المخلص والوفي لبوتفليقة الذي تم وضعه على رآسة الأركان ضد كل منافسيه الآخرين، هو بالضبط الذي سيستغل الفرصة التي أتاحها الشارع ليصفي كافة الحسابات مع من سماهم القايد صالح بالعصابة.

كانت القوى الرئيسية الثلاث، وهي الشارع والرآسة والجيش، قد خلقت ميزان قوى جديدا منذ فبراير الماضي يكاد يكون متساويا، رغم بعض الأوراق القوية التي تمتلكها كل قوة، مثل سلاح الإضراب بالنسبة للأولى، والتنظيم الإداري والأمني والقضائي للثانية، والتنظيم المسلح بكافة الأسلحة للثالثة ؛ لكن انحياز الجيش إلى الشارع بعد تأكده أنه شارع يمثل قوة ثابتة وتملك عدة أوراق، خلق ميزان قوى جديدا استغله رئيس الأركان للضغط على الرآسة وحصل منها على عدة تنازلات:

  • تقديم استقالة بوتفليقة؛
  • استعادة الاستخبارات وأجهزة الأمن إلى سيطرة الجيش كما كان الأمر قديما واستقالة رئيس الاستخبارات الذي كان أقوى شخص مؤيد للرآسة؛
  • استعادة سيطرة الجيش على الحكومة والإدارة والعدل والإعلام العمومي.

ويظهر من المؤشرات التي انكشفت بعد هذه التنازلات، أن رئيس الأركان قدم هو الآخر تنازلا، هو تأييد الفترة الانتقالية وفق المادة 102بقيادة الشخصيات التي فرضتها الرآسة، قبل تقديم استقالة بوتفليقة، وهي على الخصوص: أولا الاتفاق على بنصالح كرئيس للدولة لمدة 90 يوما، ثانيا الموافقة على رئيس المجلس الدستوري الذي من صلاحياته أن يؤشر على مصداقية الانتخابات التي ستجري، ثالثا الموافقة على الحكومة برآسة بدوي وعلى وزير الداخلية بأجهزتها الذي سيشرف على التنفيذ الميداني للانتخابات. وقد سارعت الحكومة قبل الجمعة الثامنة، لتعزز موقف قايد صالح بأن حددت 4 يوليوز للانتخابات الرآسية وبإعلانها توفير استمارات استكتاب الموقعين على ترشيح أي راغب في خوض الانتخابات الرآسية.

ومن العادي جدا، أن يوافق قايد صالح على أن يكون بنصالح رئيسا له على الجيش وعلى رآسة المجلس الأعلى للأمن وهو لا يتمتع بالخبرة اللازمة ولا الحنكة السياسية، وذلك جريا على أسلوب قيادة الجيش إذا لم يكن أحد أفرادها من الجنرالات هو رئيس الدولة، حيث كان يسمح بتسيير شؤون الدولة من وراء الستار، وهذا ما كان مطبقا مع بوتفليقة في البداية، قبل أن يستغل هذا الأخير الصراعات وسط رآسة الأركان ووسط الاستخبارات وبين الجناحين ليضرب البعض بالبعض الآخر.

سيطرة قايد صالح على الاستخبارات، وعلى الرآسة، والحكومة والداخلية، والعدل، الذي وصفه في خطابه بأنه استعاد استقلاليته، جعلته في موقع معارض للشارع الجزائري، ظهر ذلك بوضوح من ثنايا خطابه وأيضا مما صرح به بدون مواربة ولا دوران، ولو أنه خاطب الوجدان بأنه سيحمي مطالب الشعب ولهذا الأخير فقط أن يثق به، بل ذهب أبعد من الوجدان إلى إعلان الإقدام على فتح ثلاثة ملفات فساد كبرى، كانت قد أحيلت على القضاء لكن الأحكام كان وراءها صراع الأجنحة أو التواطؤ على أعلى مستوى لتبقى الشخصيات الفاسدة محدودة وصغيرة.

عاد رئيس الأركان بعد ان أحس مع موقعه الجديد بقوة أكبر، إلى ما كان حذر منه الشارع سابقا، وهاجم جهات أجنبية تريد الركوب على الحراك لتقوده، وقد وصف هذه الجهات بأنها تاريخية مما يضفي على كل من يتعامل معها وصم الخيانة، وهو وصف يشير به إلى فرنسا وإلى من قال عنها صراحة أنها جهات غير حكومية ليقصد الأحزاب والمنظمات الفرنسية وقدماء عملاء فرنسا أيام الاستعمار المقيمين في فرنسا، لكن سبق له أن صرح أن اجتماعا قد عقد ضم أحد عناصر الاستخبارات الفرنسية مع أفراد جزائريين وكانت أخبار جرت في الجزائر على أن الأمر يتعلق بعثمان طقطاق وسعيد بوتفليقة وتوفيق، كما أن الحكومة الجديدة بعد خطاب قايد صالح طردت مدير القناة الفرنسية في الجزائر من البلاد، الشيء الذي يبين أن قايد صالح أشار إلى جهات غير حكومية فقط من باب التمويه، وإشارة إلى عدم الرغبة في مفاقمة الوضع حاليا، أما الحقيقة فهي أن أزمة عدم الثقة تلبد سماء العلاقات بين البلدين بعد أن تسلم قايد صالح زمام الحكم من وراء الستار.

من خطابه يظهر أنه مصمم على السير في التطبيق الحرفي للمادة 102، ولو أن بوتفليقة لغم الفترة السياسية المقبلة، ولم يترك أي ثغرة يمكن أن النفاذ منها إلى تطبيق المادة 7 والمادة 8 من الدستور اللتين كانتا موضع موافقة قايد صالح نفسه، لكنه في موقفه الأخير عاد ووصف مطالب الشعب بأنها مطالب تعجيزية وأنه لا يمكن ترك الدولة بدون مؤسسات ووجه تحذيرات إلى الشعب ألا يسقط في المخططات التآمرية على الدولة وعلى المؤسسة العسكرية وعلى منجزات الثورة منذ استقلال الجزائر.

حاولت الأجهزة الأمنية، الحيلولة دون ظهور الشارع في الجمعة الثامنة، أمام الرأي العام، بأنه كان في قوته كما كان عليه الأمر في السابعة، بأن وضعت الحواجز خارج ضواحي العاصمة الجزائرية، حتى يقتنع الرأي العام الدولي والوطني بأن الموقف الرسمي الذي ظهر موحدا بين الجيش والحكومة كان له أثر في إضعاف التظاهر. لكن كل الوسائل الأمنية فشلت في مسعاها وكان التظاهر قويا بل تعدى الأعداد السابقة في العاصمة على الأقل حسب رأي المتتبعين، وأرسل رسائله السياسية المعتادة برفض الحل الحرفي للمادة 102 وكل ما ترتب من قرارات بوتفليقة قبل استقالته، والتي كان يسعى بواسطتها، عرقلة التغيير السياسي للنظام.

ورغم اتفاق الشارع من خلال قراءات الشعارات السياسية على هدف واحد، هو رحيل رموز النظام وسيادة الشعب، فقط ظهر اختلاف في كيفية حدوث ذلك، هناك من جهة تأثير الأحزاب الليبرالية الديمقراطية والإسلامية التي ترفع شعار هيئة رآسية من خمس شخصيات أو شخصية واحدة تحظى بعدة مقاييس، وهي هنا تجعله مطلبا مرفوعا للجيش الذي كانت تطلب مرافقته للمرحلة الانتقالية وفي نفس الوقت شعارا من أجل الحشد الشعبي، وهذا الشعار ما يزال يفرض نفسه على عدد كبير من المواطنين والمواطنات وكثيرا ما يلاحظ المتتبع شعارات هنا وهناك ما تزال تحث الجيش على دعم الشعب مع إشارات تأنيب عند البعض أو القلق من موقفه الجديد أو حتى الاستفزاز بدون قطع شعرة معاوية معه. من جهة أخرى هناك تأثير الأحزاب اليسارية، التي وجه لها قايد صالح مدفعيته حين وصف مطالبها بالتعجيزية، وهي ترفع شعار المجلس التأسيسي ويتوافق معه عدد مهم جدا من شعارات المواطنين التي تريد رحيل الجميع بدون استثناء بمن فيهم قايد صالح، الذي طالبه سعيد السعدي بالرحيل.

وشعار المجلس التأسيسي ليس في الحقيقة شعارا مطلبيا ولا للحشد بل هو هدف عادة يتم الوصول إليه بحركة منظمة ميدانية، لكن يظهر أن عددا من الأحزاب اليسارية تجعله للحشد وبعضها ترفعه كمطلب لقوى غير مرئية، ربما لأوساط في الجيش غير قيادتها الرسمية وهذا يبين نوعا من العجز إذا ما كان الشعار له أغلبية الجزائريين والجزائريات يبين عدم القدرة على الحركة وانتظار أن تظهر قوة لها الجرأة والعزيمة من وسط الحراك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى