افتتاحية العدد 314
جدلية السياسي والاجتماعي
أخيرا وبعد طول انتظار ومفاوضات عسيرة يتم الاعلان عن اتفاق منقوص بين ثلاث مركزيات نقابية والحكومة ونقابة الباطرونا في حين رفضت ك د ش التوقيع على الاتفاق لأن مطالبها لم تؤخذ بعين الاعتبار رغم محاولاتها إقناع الحكومة بها. ومع الأسف فالأطراف الأخرى لم تراع لا السياق المضطرب التي تمر به المنطقة ولا تداعيات الأزمة الاجتماعية الخطيرة التي تعاني منها الشغيلة المغربية وعموم الكادحين، بل حتى مكونات الطبقة الوسطى. ويكفي أن نذكر بأن المغرب رتب في آخر البلدان من حيث حصة المواطن من الناتج المحلي الإجمالي. فبمتوسط دخل سنوي يبلغ خمسة ملايين ونصف المليون سنتيم يحصل المواطن المغربي على نصف ما يحصل عليه المواطن التونسي! والأرقام التي نشرتها المندوبية للتخطيط – وهي مؤسسة رسمية – حول استهلاك وادخار الأسر كافية للوقوف على مدى تدهور الأوضاع المعيشية للأسر المحدودة الدخل في السنوات الأخيرة. فتجميد الأجور لمدة ست سنوات كاملة في الوقت الذي لم تتوقف فيه الأسعار عن الارتفاع أدى من جهة إلى تراجع القدرة الشرائية للمأجورين من جهة وتوسع الفوارق الطبقية بشكل غير مسبوق في بلادنا.
إن إصرار الدولة على الاستمرار في نهجها النيوليبرالي التبعي، واختياراتها الاشعبية واللاديموقراطية، وتوظيف خطاب ديماغوجي لتبرير الأوضاع المزرية التي تتخبط فيها الأغلبية الساحقة من الشعب المغربي واللجوء للترهيب باعتماد المقاربة القمعية لتوقيف واخماد الاحتجاجات الاجتماعية في المناطق التي تعاني من الاقصاء والتهميش، وداخل العاصمة نفسها، كل هذا لن يزيد الأوضاع إلا تازما واحتقانا، وسيكون واهما من يعتقد أن زيادة ضئيلة ، بل ومخجلة في الأجور لا تكفي حتى لتعويض ما تم اقتطاعه منها بمبرر اصلاح صناديق التعاقد وما تم فقدان بفعل ارتفاع الأسعار سيكفي لشراء الحكومة السلم الاجتماعي.
إن كل القوى السياسية والنقابية والحقوقية المناضلة من أجل مغرب الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، مطالبة بتحمل مسؤولياتها التاريخية لإيقاف دوران بلادنا في الحلقة المفرغة للفساد والاستبداد، ولمعاناة جماهير شعبنا من القهر والاستغلال والحرمان من أبسط حقوقها في التعليم الجيد والصحة العمومية والنقل المريح والسكن اللائق وباقي الخدمات الضرورية للعيش الكريم. وتجارب الشعوب كلها تؤكد أن الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي لا يتحقق ابدا بمجرد تقديم المطالب وانتظار تفضل الحاكمين بتلبيتها دون صراع ونضال. وكل اتفاق هو في جوهره انعكاس لميزان القوى بين طرفين، وبالتالي لتكون مخرجات الحوار والتفاوض بين الحكومة المعبرة عن مواقف الدولة وبين الإطارات المناضلة والمدافعة عن مطالب ومصالح الطبقة العاملة وعموم الكادحين لا مفر من توحيد كل القوى الديموقراطية حول مشروع مشترك للاصطلاح والتغيير في إطار جبهة اجتماعية بأفق سياسي واضح وفي ذلك فليتنافس المتنافسون….