الافتتاحيةالسياسة

الجائحة والحاجة لإصلاحات جذرية وشاملة

افتتاحية العدد 337

شكلت‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬بتداعياتها‭ ‬الخطيرة‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المستويات‭ ‬وعلى‭ ‬مدى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سنة،‭ ‬امتحانا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬للدول‭ ‬والشعوب‭. ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬إمكانيات‭ ‬وخصوصية‭ ‬كل‭ ‬بلد،‭ ‬فقد‭ ‬أبرزت‭ ‬الجائحة‭ ‬أربعة‭ ‬دروس‭ ‬أساسية‭ ‬بجدر‭ ‬بالجميع‭ ‬تأملها‭ ‬والتوقف‭ ‬عندها‭ :‬

الدرس‭ ‬الأول،‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬الدور‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬للدولة،‭ ‬فعكس‭ ‬ما‭ ‬روجته‭ ‬الأطروحة‭ ‬النيوليبرالية‭ ‬طيلة‭ ‬العقود‭ ‬الثلاثة‭ ‬الماضية‭ ‬من‭ ‬مغالطات‭ ‬حول‭ ‬ضرورة‭ ‬انسحاب‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والاكتفاء‭ ‬بأدوارها‭ ‬الأمنية‭ ‬وفتح‭ ‬المجال‭ ‬للرأسمال‭ ‬الوطني‭ ‬والأجنبي‭ ‬للاستثمار‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬القطاعات‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬القطاعات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬بما‭ ‬ترتب‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تسليع‭ ‬للصحة‭ ‬والتعليم،‭ ‬أكدت‭ ‬الجائحة‭ ‬تهافت‭ ‬هذه‭ ‬الأطروحة‭ ‬وكشفت‭ ‬مخاطرها‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب،‭ ‬بدليل‭ ‬تصدي‭ ‬الدول‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الكبرى‭ ‬ومنذ‭ ‬بداية‭ ‬للجائحة‭ ‬بالتدخل‭ ‬القوي‭ ‬لدعم‭ ‬منظوماتها‭ ‬الصحية،‭ ‬وحماية‭ ‬قطاعات‭ ‬اقتصادها‭ ‬من‭ ‬الانهيار،‭ ‬بتوفير‭ ‬المساعدات‭ ‬وضخ‭ ‬ملايير‭ ‬الدولارات‭ ‬في‭ ‬الدورة‭ ‬الاقتصادية‭. ‬المغرب‭ ‬بدوره‭ ‬اضطر‭ ‬لإنشاء‭ ‬صندوق‭ ‬التضامن‭ ‬الوطني‭ ‬لنفس‭ ‬الأهداف‭. ‬

الدرس‭ ‬الثاني،‭ ‬يتعلق‭ ‬بالسيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬للبلدان،‭ ‬فقد‭ ‬تتبعنا‭ ‬بذهول‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬دولا‭ ‬كبرى‭ ‬تدعي‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬لم‭ ‬تتورع‭ ‬عن‭ ‬ممارسة‭ ‬القرصنة‭ ‬للاستيلاء‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الوقاية‭ ‬من‭ ‬الوباء،‭ ‬ثم‭ ‬تجسدت‭ ‬ظاهرة‭ ‬الوطنية‭ ‬الشوفينية‭ ‬في‭ ‬السباق‭ ‬المحموم‭ ‬حول‭ ‬اللقاحات‭ ‬واحتكارها،‭ ‬وتوقيف‭ ‬تصديرها‭ ‬لدول‭ ‬مثل‭ ‬المغرب‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬تعاقدت‭ ‬مع‭ ‬الشركات‭ ‬المنتجة‭ ‬للقاح‭ ‬وبالشروط‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬كالمشاركة‭ ‬في‭ ‬الاختبارات‭ ‬السريرية‭. ‬هكذا‭ ‬تأكد‭ ‬أن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬يتطلب‭ ‬أولا‭ ‬وقبل‭ ‬شيء‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحتاجه‭ ‬الشعب‭ ‬من‭ ‬مواد‭ ‬غذائية‭ ‬وطبية‭ ‬واستهلاكية‭ ‬ضرورية‭ ‬للأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬والعيش‭ ‬الكريم،‭ ‬مما‭ ‬يفرض‭ ‬نهج‭ ‬اختيارات‭ ‬وطنية،‭ ‬ديمقراطية‭ ‬وشعبية‭ ‬كفيلة‭ ‬بتحقيق‭ ‬ذلك‭. ‬

الدرس‭ ‬الثالث،‭ ‬تجسد‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬كل‭ ‬شعب‭ ‬إلى‭ ‬التغطية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الشاملة‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬سيادة‭ ‬ولا‭ ‬كرامة‭ ‬لبلد‭ ‬ينتشر‭ ‬فيه‭ ‬البؤس‭ ‬والفقر‭ ‬والهشاشة‭ ‬ويعاني‭ ‬جل‭ ‬مواطنيه‭ ‬ومواطناته‭ ‬من‭ ‬العجز‭ ‬عن‭ ‬تلبية‭ ‬الحاجات‭ ‬الأساسية‭ ‬والضرورية‭ ‬للحياة،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬يمكن‭ ‬التذكير‭ ‬بالقانون‭ ‬الذي‭ ‬سنته‭ ‬المملكة‭ ‬البريطانية‭  ‬سنة‭ ‬1834‭ (‬Poor Law Amendement Act‭)‬والذي‭ ‬منع‭ ‬الإحسان‭ ‬للفقراء،‭ ‬وإنشاء‭ ‬بدل‭ ‬ذلك‭ ‬مقاولات‭ ‬عمومية‭ ‬لتوفير‭ ‬العمل‭ ‬إجباريا‭ ‬للقادرين‭ ‬عليه،‭ ‬وبناء‭ ‬مؤسسات‭ ‬اجتماعية‭ ‬للتكفل‭ ‬بالعجزة‭ ‬وبالذين‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬الإعاقة‭. ‬وهذا‭ ‬يتناقض‭ ‬طبعا‭ ‬مع‭ ‬قفة‭ ‬رمضان‭ ‬المهينة‭.‬

الدرس‭ ‬الرابع،‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬أهمية‭ ‬دور‭ ‬المواطن‭ ‬المتعلم،‭ ‬الواعي‭ ‬والغيور‭ ‬على‭ ‬وطنه،‭ ‬فقد‭ ‬تتبعنا‭ ‬كيف‭ ‬نجحت‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬مثل‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬في‭ ‬تطويق‭ ‬الجائحة‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬انتشارها‭ ‬دون‭ ‬فرض‭ ‬الحجر‭ ‬الصحي‭ ‬الشامل،‭ ‬واستمرت‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بشكل‭ ‬عاد،‭ ‬بفضل‭ ‬انضباط‭ ‬المواطنين‭ ‬والتزامهم‭ ‬بالإجراءات‭ ‬الاحترازية،‭ ‬وذلك‭ ‬يعود‭ ‬لثقة‭ ‬المواطنين‭ ‬والمواطنات‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬وفي‭ ‬حرصهم‭ ‬على‭ ‬صحتهم‭ ‬وعلى‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬وطنهم،‭ ‬ولأنهم‭ ‬أيضا‭ ‬يستفيدون‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الخدمات‭ ‬العمومية‭ ‬من‭ ‬تعليم‭ ‬وعلاج‭ ‬وتغطية‭ ‬اجتماعية‭ ‬شاملة،‭ ‬ومنذ‭ ‬سنوات‭.‬

خلاصة‭ ‬القول،‭ ‬أن‭ ‬التغطية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لا‭ ‬تستجيب‭ ‬فقط‭  ‬لحاجة‭ ‬مجتمعية،‭ ‬بل‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تندرج‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬إصلاحات‭ ‬جذرية‭ ‬وشاملة‭ ‬تضع‭ ‬المغرب‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬على‭ ‬المسار‭ ‬الصحيح‭ ‬للتطور‭ ‬الحضاري‭ ‬والتقدم‭ ‬الإنساني،‭ ‬وتقطع‭ ‬نهائيا‭ ‬مع‭ ‬الدوران‭ ‬المزمن‭ ‬في‭ ‬الحلقة‭ ‬المفرغة‭ ‬للتخلف‭ ‬بكل‭ ‬أبعاده‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى