أي دور للمثقف في مغرب اليوم؟

مراد الخطيبي

موضوع الثقافة والمثقفين دائما ما يصطدم بإشكالية حقيقية وهي التي يمكن اعتبارها المحدد الأول والأساسي للبحث فيه ومقاربته مقاربة شمولية. يتمثل هذا العائق المركزي في إشكالية تعريف المثقف. هناك تعريفات كثيرة ولا حصر لعددها. يمكن أن نحيل مثلا على تعريفات غرامشي وسارتر وإدوارد سعيد والخطيبي وغيرهم. لكن ما ينبغي التأكيد عليه دون الإسراف في التعريفات هو أنه لا يمكن حصر المثقف في فئة بعينها. فقد يكون المثقف طبيبا وكاتبا وشاعرا وصحفيا وأستاذا جامعيا وطبيبا ومهندسا وفنانا تشكيليا ورساما. المثقف، وعلى عكس ما يتبادر دائما إلى الذهن، فالمثقف لا يمكن حصره مثلا في الأديب الذي يصدر روايات أو دواوين شعر أو في المفكر المنتج للأفكار.
لم يعد بالإمكان اليوم  الحديث عن المثقف بوصفه مرشدا كما يقول الأستاذ نور الدين أفاية. ينبغي أن ينظر اليوم إلى المثقف باعتباره شخصا يمتلك قدرا معينا من المعرفة . وعلى هذا المثقف الممتلك لهذا القدر من المعرفة عدم احتكار هذه المعرفة لنفسه بل عليه تقاسمها مع الآخرين. هذا التقاسم أو التشارك المعرفي قد ينير الظلمات وقد يتيح الفرصة لإصلاح الأعطاب وتطوير أشياء وتقويم اعوجاجات في مجال ما من المجالات الحيوية للمواطن المغربي. رغم الهجوم الكاسح لسلطة المال والاقتصاد والتجارة، فلا زال للمثقف في مغرب اليوم دور شريطة تسلحه بالمعرفة. المعرفة الصحيحة طبعا. لا بد للمثقف أن  يتجاهل كل الظروف المحبطة للقيام بأدواره كما ينبغي. من هذه العوائق طبعا الحرية. الحرية حق أساسي و عامل مركزي في تصريف الأفكار والتصورات التي بإمكانها تهذيب السلوك والإسهام في رقي المجتمع فكريا وأخلاقيا وتنمويا. المثقف ينبغي أن يكون إيجابيا لا متفرجا، صامتا ، خنوعا أمام الأحداث التي تقع في المجتمع. المثقف يجب ألا ينزوي في برجه العالي مكتفيا بتدوين كتاباته ونشرها والاختفاء وراء أسباب واهية. رغم كل سياسات التقزيم لدوره ولفاعليته ومركزه، فلابد أن تكون للمثقف كلمة. بل وكلمة واضحة وشفافة وصريحة أمام ما يقع من احتقار لكرامة الإنسان وتفقيره بل وأن يمتلك تصورا متماسكا وقويا ضد كل أشكال القهر والاستغلال البشع الممارسة على المواطن المغربي. الصمت وعدم التعبير عن حيف ما أو انتهاك لحق ما هو موقف سلبي يتحمله كل مواطن يعيش في هذا البلد ومن ضمنه المثقف. المثقف لا يقل دوره عن الفاعل السياسي لأنه يمتلك المعرفة وبإمكانه استعمال هذه المعرفة من خلال آليات أخرى أهمها العمل الجمعوي وجمعيات المجتمع المدني. انخراط المثقف الحقيقي في جمعيات ومنظمات مدنية يساهم قطعا في تطوير آليات الاشتغال واقتراح أفكار وتصورات قد تفيد في حل المشاكل والإتيان بحلول لإشكاليات اجتماعية واقتصادية وثقافية وغيرها التي ربما عجز السياسي على حلها. المثقفون ينبغي أن يتواجدوا باستمرار في قلب قضايا المجتمع وأن يتنازلوا عن بعض الكبرياء الذي يقزم في بعض الأحيان صورتهم الرمزية الرفيعة. حضورهم مهم في ظل هيمنة بعض الجهلة السياسيين على المشهد. حضورهم ضروري رغم الحواجز التي قد تصطف أمام قيامهم بمهامهم النبيلة. حواجز دينية وسياسية واجتماعية قد تمنعهم من ممارسة وظيفتهم بحرية كما يؤكد على ذلك الباحث المغربي نور الدين أفاية. المثقف الحقيقي في نظري هو الشخص الملتزم بقضايا مجتمعه، المتفاعل معها قولا وكتابة وحضورا حقيقيا في كل المحطات التي تستدعي حضوره. المثقف هو الشخص الذي يمتلك ميزة طرح الأسئلة. ويمكن اعتبار الأسئلة الدقيقة خطوة أساسية لحل المشكلات والنفاذ إلى عمق الأمراض والمعضلات التي تنخر جسد المجتمع المغربي وتهدد كينونته.
تشجيع القراءة آلية مهمة بإمكان الشعراء والمبدعين في مختلف الأجناس الإبداعية الانخراط فيها من خلال المساهمة الفعالة في أمسيات ولقاءات أدبية وفكرية في المؤسسات التعلمية كما تقوم بذلك بعض جمعيات المجتمع المدني. هذه المبادرات تساهم بشكل جذري في نفث روح الإبداع لدى الشباب وتهذيب الذوق لديهم ومحاربة بالتالي الأفكار الهدامة والظلامية التي قد يقعون ضحية لها من حيث لا يدركون.
حضور المثقف الكاتب مثلا لا ينبغي أن يقتصر على إصدار كتب بل عليه أن يكون نموذجا في الالتحام بقضايا المجتمع متأملا أوضاع المواطنين المغارية ومساهما في طرح الأسئلة الصحيحة في الوقت المناسب دون تردد. المثقف الحقيقي شخص ينصت لنبض المجتمع ولا ينزوي بعيدا متنكرا لكل ما يقع وكأن الأمر لا يعنيه بتاتا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى